من روائع العلماء في التصدي للطغاة (1)

منذ 2014-01-12

المُنكر على الحاكم الظالم ظلمه من أعلى درجات الشهداء قال عليه السلام: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله»

 

العلماء الربانيون يتركون بصمة وأثر طيب بالمجتمع لا سيما في زمن الغربة ليبلغوا رسالة الله إلى خلقه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آلِ عمران من الآية:187].



ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء»، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: «الذين يصلحون إذا فسد الناس» (السلسلة الصحيحة).



وقال أيضًا عليه السلام: «طوبى للغرباء أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» (صحيح الجامع).



ويد الله تعمل في الخفاء تمهد لدينه وتغرس لدعوته وتنصر أولياءه، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» (صحيح الجامع).



غرس يختارهم الله على عينه ليكونوا سببًا لإعلاء الحق والحقيقة، يقذف الله بهم لتجري بهم أقداره تعالى، منتظريين إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.



ولم يكن سلف هذه الأمة وأئمتها -من الصحابة ومن بعدهم- يجدون أدنى حرج أو تهيُّب في مواجهة الملوك والسلاطين، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؟



فالمُنكر على الحاكم الظالم ظلمه من أعلى درجات الشهداء قال عليه السلام: «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله» (السلسلة الصحيحة).



وفي رواية: «أفضل الجهاد كلمة -عدل- حق عند سلطان جائر» (السلسلة الصحيحة).



وقال عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه: "جاهدوا المنافقين بأيديكم، فإن لم تستطيعوا؛ فبألسنتكم، فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهِرُّوا في وجوههم؛ فاكفهِرُّوا في وجوههم".



وما زال الأئمة والعلماء في سائر قرون الإسلام يتعاهدون الخلفاء والسلاطين والملوك بنصحهم وتوجيههم وإنكارهم عليهم ما لا يسوغ لهم في الشرع؛ سرًّا إن كانت المصلحة في الإسرار، وجهرًا إن كانت المصلحة في الإجهار إذ أن من منكرات السلاطين ما يكون البلاء فيه عامًّا، ضارًّا بالرعية كلها؛ فلابد أن يعلن العلماء حينئذ مخالفتهم وإنكارهم؛ لئلا تغترَّ العامة بسكوتهم، وتظن أنه من باب الإقرار والموافقة، ومثله إذا كان الحاكم مُعرِضًا غير مصغ لأمر العلماء، فيحتاج الآمر إلى الاستعانة بكل ذي دين وتقوى ومروءة لنهيه عن إثمه ومنكره، إذ جرت عادة الحكام أن يراعوا خواطر الرعيَّة والعامة، ويلاينوهم؛ خوفًا من هيجانهم وانفلات أمرهم.



يقول الغزالي رحمه الله:



"فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين؛ لكونهم اتَّكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم، ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة، فلما أخلصوا لله النيَّة؛ أثر كلامهم في القلوب القاسية، فليَّنها، وأزال قساوتها.



وأما الآن؛ فقد قيَّدتِ الأطماع ألسن العلماء؛ فسكتوا، وإن تكلموا؛ لم تساعد أقوالَهم أحوالُهم، فلم ينجحوا، ولو صَدَقوا وقصدوا حقَّ العلم؛ لأفلحوا.  



ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حبِّ المال والجاه، ومن استولى عليه حب الدنيا؛ لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر" (إحياء علوم الدين: [2/357]).

ماهر جعوان

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام