ربيع الجزائر الذي تأخر

منذ 2014-01-19

إن ثورات الشعوب العربية أزاحت حاجز الخوف من النفوس وأعادت تشكيل الوجدان العربي وباتت رقما صعبا يصعب تجاوزه في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة التي تعصف بالمنطقة، نعم تأخر ربيع الجزائر ولكن ما زال أمامه فرصة سانحة للحاق بالركب.

 

كانت الجزائر في طليعة الدول العربية التي انتفض شعبها سلميا لإزالة النظام الحاكم عبر انتخابات حرة ونزيهة أجريت في العام 1992، إلا أن الجيش أحبط هذه الانتفاضة ودخلت البلاد بعدها في دوامة عنف أدت إلى مقتل أكثر من 130 ألف شخص, وكشفت الأحداث عن تورط أجهزة الاستخبارات في التخطيط لهذه الدوامة حتى يعود الشعب الجزائري إلى "الحظيرة" بعد أن دفع تكلفة باهظة لتفكيره في الخروج منها.

 
الشعب الجزائري الأبي لم يكف يوما عن المطالبة بحقوقه، إلا أن السلطة كانت دائما له بالمرصاد، مرة تستخدم معه القوة ومرة تخوفه ممن تسميهم الإرهابيين، وتهدده بعودة القتل مرة أخرى للشوارع وغياب الأمن ومرة أخرى تربكه بالمشاكل الاقتصادية وغلاء الأسعار.
 
حاول الشعب الجزائري في الفترة الأخيرة الاحتجاج واللحاق بركب ربيع العربي ولكن محاولاته باءت بالفشل حتى الآن, إلا أن إصرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على الترشح للرئاسة للمرة الرابعة مع تقدمه في السن وحالته الصحية المتردية زادت من حالة الغليان في الأوساط الشعبية والسياسية وبدأت قوى المعارضة التي ساهمت في امتصاص غضب الشعب طوال الفترة الماضية في الحديث عن ضرورة تخلي بوتفليقة عن هذه الفكرة من أجل مصلحة البلاد، إن ورقة التهديد بغياب الأمن وإغراق البلاد في بحور من الدماء كانت دائما الورقة الأهم التي يستخدمها الطغاة من أجل إخضاع شعوبهم وازدادت هذه الورقة ضغطا بعد ما فشلت دول الربيع العربي مع الأسف في ضبط الأمن عقب الإطاحة بأنظمتها رغم أن هذا الأمر يرجع في معظمه لذيول هذه الأنظمة وتسامح الثوار معهم.
 
 
إن حالة الرئيس الجزائري الصحية باتت حديث الشارع الجزائري خصوصا بعد قضائه فترة طويلة العام الماضي في العلاج بفرنسا واختفائه بعد الرجوع إلى بلاده معظم الوقت وعند ظهوره يبدو متعبا وعلامات الإرهاق بادية عليه ثم عودته مرة أخرى منذ أيام لتلقي العلاج، لقد كشفت وسائل إعلام غربية عن محاولة أجهزة الحكم في الجزائر لتلفيق صور للقاء بين الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء الفرنسي لكي يظهر بوتفليقة نشيطا على غير الحقيقة.
 
 
إن النهج الاستبدادي واحد وطريقة التفكير تبدو متطابقة من حيث استخدام الإعلام والإلحاح على ذهن المتلقي بصورة معينة لكي تترسخ في ذهنه الفكرة التي يراد له اعتقادها وفي نفس الوقت منع أي فكرة مغايرة من الظهور عن طريق الحجب والتشويه والادعاء بأنها ممولة من الخارج أو أنها تريد إسقاط البلاد في الهاوية وتحرض على عدم الاستقرار وفي نفس الوقت يتم استخدام الأمن والقضاء من أجل القبض على النشطاء وتلفيق القضايا والزج بالمعارضين في السجون باتهامات مختلفة.
 
 
إن محاولة السلطات الجزائرية لترشيح بوتفليقة لفتراة رابعة بعد تعديل الدستور على مقاسه والحالة الصحية المتردية له قد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير كما كانت انتخابات 2010 المزورة في مصر القشة التي قضت على نظام مبارك، إن الأنظمة القمعية لا تتعلم من الدروس التي تتلقاها أخواتها في أماكن قريبة فكلها تظن أنها الأكثر ذكاء وحنكة وبالتالي تقع في  نفس الأخطاء وبنفس الأسلوب.
 
 
لم تعد الأحزاب المعارضة الكرتونية أو التي تضعها الأنظمة "كديكور" تكميلي لإضفاء شرعية على وجودها تكفي الآن من أجل التنفيث عن غضب الشعوب وهو ما أكدته التجارب في تونس ومصر واليمن, لقد أصبحت الشعوب تجد من يمثلها بطريقة أخرى بعيدا عن التشكيلات النخبوية التي تتعالى عليها وتستغلها للوصول للسلطة ثم ترمي بها في أقرب صندوق قمامة.
 
 
إن ثورات الشعوب العربية أزاحت حاجز الخوف من النفوس وأعادت تشكيل الوجدان العربي وباتت رقما صعبا يصعب تجاوزه في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المضطربة التي تعصف بالمنطقة، نعم تأخر ربيع الجزائر ولكن ما زال أمامه فرصة سانحة للحاق بالركب.



 
المصدر: خالد مصطفى