سهام لا تخطئ
منذ 2014-01-25
إذا سدت أمامك الأبواب فبابه مفتوح، وإذا انقطعت بك السبل فسبيله ممتد موصول، وإذا ضاقت بك الدنيا فعنده الفرج، وإذا ابتعد عنك الكل فإنه قريب؛ فقط ارفع يديك وقل يا رب...
لبستُ ثوبَ الرجا والناس قَدْ رَقدوا *** وبتُّ أشكو إلى مولاي ما أجدُ
وقلتُ يا عُدتي في كلِ نائبةٍ *** ومَن عَليه لكشفِ الضرِ أعتمدُ
أشكو إليكَ أموراً أنتَ تعلمُها *** ما لي عَلى حَملها صَبر ولا جَلدُ
وقد مَددتُ يدي بالذُلِ مُبتهلاً *** إليكَ يَا خَير مَن مُدت إليه يَدُ
فلا تَردنّها يَا رب خائبةً *** فبحرُ جُودِك يروي كلَ مَن يَرِدُ
بابه لا يغلق:
إذا سدت أمامك الأبواب فبابه مفتوح، وإذا انقطعت بك السبل فسبيله ممتد موصول، وإذا ضاقت بك الدنيا فعنده الفرج، وإذا ابتعد عنك الكل فإنه قريب؛ فقط ارفع يديك وقل يا رب...
سهام الدعاء ليس فيها (قل):
ما أعظمها من سهام تخرج من كِنانة الإيمان، فتصيب كبد حاجة العبد، بعد أن يتقبلها منه سيده ومولاه؛ فتُقضى حاجته بإذنٍ من الكريم المنان، الذي قال لنا في كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. ولم يقل سبحانه: (قل) يا محمد إني قريب؟ أتعلم لماذا؟ حتى لا تنشأ واسطة بينك وبينه، حتى تدعوه في حضرك وسفرك، في سعتك وضيقك، مع الناس أو وحدك. بل وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّمنا بحقيقة الدعاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» (أخرجه أبو داوود والترمذي). وكيف لا يكون الدعاء كذلك؟! وقد اجتمعت فيه حقيقة العبودية، والتي هي كمال الذل مع كمال الحب.
إياك وغضبه:
وتأمل كيف يغضب الله تعالى على من ترك دعائه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ويشرح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في بيان واضح فيقول: «من لم يسأل الله يغضب عليه» (صحيح الترمذي). نعم يغضب عليه؛ لأنه قد استغنى عن ربه، وجعل يستجدي من الفقراء أمثاله، مع أن سيده ومولاه قد بيَّن له الحقيقة، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
لا تَسألنّ بني آدم حاجةً *** وَسَل الذي أبوابه لا تُحجَبُ
اللهُ يغضبُ إنْ تركتَ سؤالَه *** وبني آدم حينَ يُسأل يغضبُ
لن يردك:
وإذا خشيتَ أن يرد مولاك دعاءك، فأنت واهم وإليك الدليل من حديث البشير النذير صلى الله عليه وسلم: «إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين» (صحيح الترمذي). والله لن يردك أبدا ما دامت دعوتك بلا إثم أو قطيعة رحم، هكذا قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم الا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر» (صحيح الترغيب).
استجابة مشروطة:
وهي شروط بسيطة يسيرة لمن أراد اللحاق بركب مستاجبي الدعاء الموصولين برب العباد.
1- جرد نيتك:
قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]، فالإخلاص هو سر القبول وكلما تأخرت الإجابة فراجع نيتك وانظر هل خالطها شيء أم كانت صافية وكما قال ابن الجوزي رحمه الله: "إنما يتعثر من لم يخلص".
2- أطب مطعمك:
«ذكر صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب! ومأكله حرام، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» (صحيح مسلم). فلا تطمع في إجابة دعائك وأنت لم تستجب قبلها لداعي الله حين أمرك بأكل الحلال: {وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88].
3- تيقن الإجابة:
قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ» (صحيح الترمذي). فاستجمع همتك عند الدعاء ولا تقل إن الله لن يستجيب لي فقد استجاب عز وجل لإبليس نفسه حين قال: {رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36]. فأجابه ربه: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ} [الحجر: 37].
وإني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما الله صانع
4- لا تتعجل:
كما أخبر بذلك سيد البشر صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل» (البخاري ومسلم)، وحين سئل عن العجلة قال: «يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» (فتاوى ابن باز).
5- تحري أوقات الإجابة:
يقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم» وأولهم: «الصائم حين يفطر» (مسند أحمد) فأبشر أيها الصائم فلك دعوة لا ترد. وأبشر أيها القائم في السحر فلك دعوة لا ترد كما قال صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له» (صحيح الترمذي). وأبشر أيها الساجد المتذلل إلى ربك فلك دعوة لا ترد، يقول صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» (صحيح مسلم).
قبل الرحيل:
في موقعة تستر جاء المسلمون إلى البراء بن مالك رضي الله عنه يسألونه أن يدعو لهم فقالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله هذا اليوم أن ينصرنا، قال: انتظروني قليلاً، فذهب ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: "اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل، وأن تنصر المسلمين هذا اليوم"؛ فكان أول قتيل وانتصر المسلمون بإذن الله.
لما أراد حاتم الأصم رحمه الله الحج، فجمع أولاده وقال لهم: إني أريد الحج، فبكوا وقالوا: إلى من تكلنا؟ فقالت ابنته لهم: دعوه؛ فليس هو بِرَازق. فسافر، فباتوا جياعًا، وجعلوا يوبخون البنت، فقالت: اللهم لا تخجلني بينهم، فمر بهم أمير البلد وطلب ماء، فناوله أهل حاتم كوزًا جديدًا وماء باردًا، فشرب وقال: دار من هذه؟ فقالوا: دار حاتم الأصم، فرمى فيها قلادة من ذهب، وقال لأصحابه: من أحبني فعل مثلي، فرمى من حوله كلهم مثله. فخرجت البنت تبكي، فقالت أمها: ما يبكيك؟ قد وسع الله علينا، فقالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر الخالق إلينا. ألا تريد أن تلحق بهذا الركب المبارك الذي لو أقسم على الله لأبره؟
زاد اليوم:
1. اصطحب كتيبا من كتب الأذكار والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووزع ما تيسر من الأدعية على أوقات الإجابة عند الإفطار وقبل الصلاة المكتوبة وفي السحر وفي السجود.
2. قبل كل صلاة فريضة كانت أو نافلة حدد بما ستدعو في سجودك.
3. أكثر من الدعاء بالعتق من النيران والفوز بالجنان.
4. إذا لم تحفظ أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فخاطب ربك كما تحب ولا تخجل من قلة فصاحتك أو بيانك، فإنما يريد الله قلبك لا فصاحتك.
5. تأدب بآداب الدعاء من الطهارة واستقبال القبلة وتحري أوقات الإجابة والخشوع والسكينة.
6. كن لحوحًا في دعائك ولا تيأس من رحمة الله، وخاطب ربك بلسان الذلة، وتضرع إليه بدموع الإشفاق، وأنت تناجيه وتقول: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المساكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته ورَغِمَ لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذلَّ لك قلبه.
أم عبد الرحمن محمد يوسف
المصدر: مفكرة الإسلام
- التصنيف: