محاور العمل الفلسطيني لمحاصرة الاستيطان وتحرير القدس

منذ 2014-02-04

هذا اقتراح لعمل نحو تعزيز التواجد السكاني العربي في القدس ومحيطها من أجل محاصرة الزحف السكاني اليهودي أو الحد منه. وهو مقترح مطروح منذ سنوات، لكن المعنيين لم يكترثوا به كما لم يكترثوا بكل المقترحات العملية التي طرحها فلسطينيون وغير فلسطينيين. هناك عدد من المحاور التي يمكن للعمل الفلسطيني أن يتبلور ضمنها لمحاصرة أو تطويق الاستيطان الصهيوني في مدينة القدس وحولها. لا يمكن أن يتم العمل بسهولة، لكن السير على الطريق لا بد أن يُنتج في النهاية.


هذا اقتراح لعمل نحو تعزيز التواجد السكاني العربي في القدس ومحيطها من أجل محاصرة الزحف السكاني اليهودي أو الحد منه. وهو مقترح مطروح منذ سنوات، لكن المعنيين لم يكترثوا به كما لم يكترثوا بكل المقترحات العملية التي طرحها فلسطينيون وغير فلسطينيين. هناك عدد من المحاور التي يمكن للعمل الفلسطيني أن يتبلور ضمنها لمحاصرة أو تطويق الاستيطان الصهيوني في مدينة القدس وحولها. لا يمكن أن يتم العمل بسهولة، لكن السير على الطريق لا بد أن يُنتج في النهاية. أضع هذه المحاور بالتالي:


 

المحور الأخلاقي:
في حياة الإنسان، هناك أخلاق في التعامل اليومي، وهناك أخلاق تسمى أخلاق الأزمة، وأخرى أخلاق التحدي، وثالثة أخلاق الإنجاز، ..الخ. تتطلب كل حالة أخلاقيات تناسبها وذلك من أجل ترشيد الخطوات العملية نحو الوصول إلى حل. نحن في فلسطين نواجه تحدياً تارخياً وكبيراً جداً يفرض علينا أثقالاً هائلة ومتطلبات ضخمة. العدو يحتل أرضنا ويشرد أبناءنا ويقتل أطفالنا ويهدم بيوتنا، وحتى يكون بمقدورنا مواجهته فإن علينا في تركيبنا التربوي والنفسي والذهني أن نكون أهلاً لذلك، وإلا نبقى ندور في دائرة من الخسران.


 

أخلاق التحدي تعني وجود مجتمع متكافل متضامن يؤمن بالعمل الجماعي والتعاون المتبادل، ويربي أبناءه على الصدق والتضحية والوفاء والإيثار وحمل الأمانة. أخلاق التحدي هي أخلاق العمل الدءوب الذي يقوم على أسس علمية بعيداً عن الارتجال والشخصنة والفهلوة، وهي السواعد المشمرة والعيون الساهرة والعقيدة الصلبة والإيمان بالهدف ووحدة المصير. أخلاق التحدي ترفض الأنانية والاستئثار والوساطات والمحسوبيات والرشوة والسرقة والنفاق، وهي تحارب كل ما من شأنه تمزيق المجتمع ونزع الثقة فيما بين الناس.
الأمم تهزم أولا بأخلاقها، ذلك لأن الأمة التي تتميز بأخلاق منحطة تكون مفتتة وضعيفة ولا ثقة بين أبنائها، وتعلو فيها المصلحة الشخصية على العامة، وينهش قويها ضعيفها، ويبتز ثريها فقيرها، ولا تتراحم فئاتها. الأمة التي تفتقر إلى الأخلاق تفتقر إلى القوة وتتحول إلى أفراد متصارعين يسهل امتطاؤهم والسيطرة عليهم. يشهد التاريخ أن الأمم تهزم أولا بانحطاطها الأخلاقي، أما الأمم ذات الأخلاق الملتزمة بصالح الأمة فإنها تبقى صلبة وعصية على الغزاة، وتستطيع النهوض بسرعة حتى لو تعرضت لغزو من قبل عدو يتمتع بقوة عسكرية متفوقة.


 

إذا أردنا أن نحقق إنجازاً في محاصرة الاستيطان في القدس وحولها، فتطوير أخلاقيات التحدي عبارة عن متطلب لا مفر منه، وإلا فإن جهودنا ستذهب سدى وسيستمر عدونا في الاستيلاء على الأرض وتشييد البيوت وزرع السكان. إذا رأينا أن أخلاق التحدي لا تناسبنا وأن ما نحن عليه من أخلاق يسد الرمق فإنه من الأفضل أن نستمر في استصدار قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهنا أنوه إلى أنني أضع هذا البعد الأخلاقي أولاً لأن سياسات السلطة الفلسطينية في مختلف مناحي الحياة قد أثرت سلبا على الالتزام الأخلاقي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغذت الثقافة الاستهلاكية والاستهتارية على حساب الثقافة الوطنية، وقد أثر هذا كثيرا على التزام الفلسطيني بقضاياه الوطنية وحقوقه الوطنية الثابتة.


 

المحور السكاني:
يمكن دعم التواجد السكاني العربي في القدس ومحيطها من خلال الأمور التالية:
أولا: الشطيرة السكانية الطبقية
انتهج اليهود سياسة الأطواق من أجل تهويد القدس ومحاصرتها بطوق استيطاني خارجي واسع شبه دائري، ويتحاشى مدينتي البيرة ورام الله ويصل تقريباً إلى جوار البحر الميت، ويضم مجمع عصيون من ناحية الجنوب الغربي متجاوزاً مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور. وحيث أن المدن والقرى العربية قائمة الآن داخل محيط مدينة القدس المصادق عليها إسرائيلياً والتي تبلغ مساحتها 126 كم2، وكذلك خارج هذا المحيط، فإنه بإمكاننا دعم هذا التواجد السكاني من خلال سياسة الشطيرة الطبقية: أي من خلال ضخ سكان فلسطينيين إلى القرى والمدن القائمة بحيث تتم المحافظة على أغلبية عربية تفسد على اليهود مخططاتهم.


 

أرى أنه من الممكن التركيز في عملية الضخ على المفاصل التالية:
1- مفصل المدينة ذاتها وتشمل مختلف الأحياء مثل الزعيّم والثوري والمكبر، والقرى التي ضمت إليها مثل صور باهر وأم طوبى وسلوان.
2- المفصل الشرقي ويشمل أبو ديس والعيزرية والسواحرة الشرقية وعرب السواحرة وعرب أبو نصير وعرب الحتميات والخان الأحمر والعبيدية.
3- مفصل أريحا والذي يشمل المخيمات والنبي موسى. هذا مفصل يشكل دعماً سكانياً استراتيجياً للمفصل الشرقي من حيث أنه يضع الاستيطان اليهودي في شطيرة يحاصرها التواجد العربي من الغرب ومن الشرق.
4- المفصل الجنوبي والجنوبي الغربي. يشمل هذا الشيخة وأم عملة وأم الطلع وبيت جالا وبيت ساحور والولجة وحوسان والخضر ووادي فوكين. من الممكن التركيز على هذا المفصل ليحاصر منطقة عصيون. من المفروض دعم زعترة وعرب التعامرة وكيسان وخربة المنية وأرطاس ونحالين والجبعة وصوريف. هذا مفصل يعزل عصيون عن القدس، ويؤثر جديا على حركة المستوطنين ناحية الغرب باتجاه الأرض المحتلة عام 1948.
5- المفصل الشمالي والشمالي الغربي. يشمل هذا حزما وجبع ومخماس والرام وضاحية البريد وقلنديا وكفر عقب ورافات والجديرة وبير نبالا والجيب والنبي صموئيل وبيت إكسا وبيت سوريك.
6- مفصل اللطرون. يشمل هذا القرى المحيطة بمنطقة اللطرون والتي نهبها الاستيطان. يشمل هذا بيت لقيا وخربة المصباح وبيت سيرا وصفا وبيت عور الفوقا والتحتا وبيت دقو وبيت عنان والقبيبة وقطنة وبدو.
7- مفصل اللد والرملة.


 

من المفروض التركيز على النمو السكاني الفلسطيني في هذه المفاصل وذلك من خلال تقديم البرامج والخطوات التالي:
أ‌- إقامة مؤسسات فلسطينية عامة في هذه المفاصل، وبدل التركيز على البيرة ورام الله وبيت لحم والرام، من المهم التركيز على القرى والضياع وتسهيل سكن الموظفين فيها. من شأن هذا أن يحسن أوضاع القرى من ناحية الخدمات مما يجعلها أكثر قدرة على استقطاب السكان من مناطق مزدحمة. من الضروري ألا ننساق وراء التوسع العمراني العمودي الذي تشهده المدن الرئيسية الآن، وعلينا التوجه نحو التوسع العمراني الأفقي الذي يمتد بالتحديد فوق أراضٍ وعرة غير صالحة للزراعة. إنه من المهم أيضاً التركيز على العمران الأفقي وليس العمودي. الانتشار الأفقي يمتد على الأرض ويعرقل كثيراً من قدرة إسرائيل على التوسع، ويردع المستوطنين عن التواجد في أماكن ينتشر فيها العرب. أثر البناء العمودي الذي يتم بخاصة في نابلس ورام الله والبيرة سلبيا على انتشار الفلسطينيين جغرافياً. علما أن هذا سيخفف من الضغط على المدن ومن المشاكل التي تواجهها نظراً لزيادة السكان بطريقة تفوق طاقاتها الاستيعابية.
ب‌- إقامة مصالح اقتصادية في القرى المختلفة مثل المعامل والمصانع، وتشجيع استصلاح الأراضي. الناس يتبعون مصدر الرزق، وهذا يجب أن يكون جزءا من تخطيطنا العام. يتطلب هذا تقديم الدعم الاقتصادي، ولعلنا نستطيع القيام بذلك من خلال إدارة أفضل للأموال.
ت‌- تشجيع الفلسطينيين من داخل فلسطين المحتلة 48 على السكن في القدس. هذا يعني توفير برامج اقتصادية لدعم سكان القدس والوافدين إليها من العرب.
ث‌- السعي لدى الفلسطينيين الذين هجروا القدس ورام الله وبيت لحم إلى دول أخرى مثل الولايات المتحدة للعودة إلى فلسطين. هذه مهمة صعبة، لكن من المفروض توفير برامج توعية وطنية يمكن أن تحدث توازنا بين المصالح العامة والخاصة.
ج‌- هناك إمكانية للدخول في المجتمع الفلسطيني في اللد والرملة، ومن الممكن تشجيع الناس هناك بوسائل مختلفة على البناء والتكاثر.


 

إذا قمنا بذلك فإننا سنضع اليهود ضمن شطائر. وسيصبح المكون السكاني الجغرافي عبارة عن طبقة تلي أخرى. هناك يهود ثم عرب ثم يهود ثم عرب. هكذا نضمن على الأقل تواجدنا في مختلف المناطق الجغرافية ونحرم اليهود من الهيمنة على منطقة جغرافية معينة، ونحيل حياتهم إلى مشقة. بالطبع ستبقى حياتنا صعبة، لكن المحافظة على الوطن تقتضي التضحيات.


 

محور مدينة القدس ذاتها:
حاول اليهود عبر السنوات ربط سكان الشطر الشرقي من القدس بالسياسة الإسرائيلية من خلال ربط مصالحهم الاقتصادية بإسرائيل. وقد لاحظنا أن عدداً غير قليل من سكان المدينة قد طاب له هذا الربط وفضل بعضهم الهوية الإسرائيلية على الفلسطينية. هذا وقد استسلم كثيرون للسياسات الإسرائيلية على اعتبار أنها واقع لا مفر منه، وأنه ليس بمقدورنا تغييره. ربما لهذا السبب لم نعمل على تطوير برامج اقتصادية تربط سكان المدينة بالوضع الفلسطيني العام، ووصل بنا الأمر إلى استثناء مدينة القدس عند مناقشة برامج اقتصادية وطنية.
من الحكمة أن نراجع أنفسنا بهذا الصدد وأن نعمل على تطوير حياة اقتصادية واجتماعية متميزة في القدس شرق لكي نحقق مزيداً من الربط بين المواطن وفلسطينيته. لا بد من الإشارة هنا أنه ليس كل سكان القدس قد انجرفوا وراء إجراءات إسرائيل، لكن المشكلة ماثلة أمامنا بقوة.


 

من ناحية أخرى، لا يكفي أن تكون القدس مفخرة زعماء، وإنما يجب أن تكون موئل المناضلين من أجل الحرية والتحرير. صحيح أن القدس قدمت تضحيات كثيرة واستشهد العديد من أبنائها واعتقل كثر آخرون، لكن السمة التاريخية الغالبة عليها هي حوار الأعداء وتقديم التنازلات. إذا قسنا تضحيات القدس في مواجهة الاحتلال مع محيطها القروي أو مع محافظات الوطن الأخرى نجد أنها متواضعة جداً. الانخراط في العمل الوطني هام جداً من أجل أن يشعر الطرف الآخر أنه ليس في مأمن، وأن جهوده الاستيطانية ستجد من يعرقلها أو يهدد أمن ساكنيها. يعيش مستوطنو القدس وما حولها هدوءاً، وكثيرا من الأمن مقارنة مع سكان مستوطنات أخرى منتشرة في أماكن شتى. النضال الوطني المقدسي ليس ناضجاً بعد، ولا يبدو أن الفلسطينيين يحملون خطة أو استراتيجية لمواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة.


 

رام الله والبيرة وبيتونيا والرام
من سوء التخطيط الفلسطيني هو تركيز السكان في مدن البيرة ورام الله وبيتونيا والرام. هذه مدن صغيرة نسبيا وغير مهيأة من الناحية البنيوية لثورة سكانية، وقدرتها الاستيعابية ضعيفة سواء من ناحية الخدمات أو الأشغال والأعمال الإنتاجية. أقامت السلطة الفلسطينية أغلب مؤسساتها في هذه المدن بدون تخطيط أو تدبير، وحولتها إلى تجمعات مزدحمة بالناس والمركبات. كان تركيز السلطة الفلسطينية على مدينتي رام الله والبيرة عملا غير موفق من ناحية التخطيط السكاني والإنتاج والمحافظة على الأبعاد الوطنية للقضية الفلسطينية. فضلا ً عن الازدحام، أخذت تلبس هذه المدن وبالتحديد رام الله ثوب التغريب والانفصال عن المجتمع الفلسطيني. إنها تضم العديد من الليبراليين الغربيين الذين يتجهون نحو التطبيع مع إسرائيل، وكذلك العديد من المؤسسات غير الحكومية الممولة غربيا، والتي ينخر بعضها في الجسد الفلسطيني. هذا فضلاً عن تطور جو استهلاكي فيها مختلف عن الأجواء الاستهلاكية في الضفة الغربية والقطاع.


 

حتى يتم دعم الجهود نحو محاصرة الاستيطان اليهودي، من الضروري نقل مؤسسات السلطة الفلسطينية بما فيها الوزارات إلى القرى والضياع المشار إليها في المحاور السكانية أعلاه. هذه المؤسسات كفيلة ببعث الحياة في هذه التجمعات السكانية وزيادة عدد سكانها بصورة متسارعة.

أما الرام فتضخمت بصورة كبيرة وفاضت بالسكان. جبع ورافات قريتان صغيرتان تقعان بالقرب من الرام، ولا تجدان سكاناً يرحلون إليها. كان من الممكن ببعض بعد النظر والتخطيط العقلاني ألا ندع الرام تنمو لتتحول إلى ما يشبه الجيتو (الحارة المزدحمة)، وألا نترك قرى مجاورة عرضة للخراب.


 

دعم السلطة الفلسطينية
من أسوأ ما يحدث هو تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية من أجل المحافظة على القدس لأن السلطة الفلسطينية ليست أمينة وليست مؤتمنة، وهي فاسدة بخاصة في الأمور المالية والوطنية. فإذا كان هناك من يريد تقديم دعم مالي لدعم التواجد السكاني العربي في مواجهة الزحف السكاني اليهودي فإن السلطة الفلسطينية ليست عنواناً لاستلام هذا الدعم. لقد أساءت السلطة الفلسطينية للنضال الوطني الفلسطيني وفتحت مجالات واسعة أمام الإسرائيليين لتنفيذ سياساتهم الاستيطانية في القدس وغير القدس.


 

الخلاصة
تجربتنا تقول أن كل نشاطنا على الساحة الدولية من أجل الحفاظ على القدس باءت بالفشل، وأن كل الجهود إما أنها كانت مضيعة أو تسلية. استمرت إسرائيل في جهودها نحو فرض أمر واقع، وكثيرون من العرب والمسلمين وجدوا عبر السنوات أن عليهم أن يكونوا عقلانيين ويقبلوا بالأمر الواقع. نحن لا نملك القدرة على إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل الآن وإجبارها على الخروج من القدس، لكننا نملك قدرات تمكننا من تعزيز وجودنا في القدس ومحيطها والتأثير سلبياً على خطوات إسرائيل نحو تهويد المدينة. نحن بحاجة إلى إرادة وعزيمة، وإلى حرص على حمل الأمانة. من الممكن تعزيز الوضع السكاني في الكثير من أحياء القدس والقرى المحيطة بها من خلال برامج اقتصادية واجتماعية وتثقيفية تشكل عوامل جذب للسكان.


عبد الستار قاسم

 

المصدر: مجلة البيان