اجتنبوا أهل الذلة والمهانة من أرباب السحر والكهانة

منذ 2014-02-04

من طرق الغواية التي تبعدنا عن دين الله وعن الهداية؛ طرق العرافين، والسحرة والدجالين، والشوافين والعرافين، وهم أهل الذلَّةِ والمهانة، من أرباب السحر والعرافة والكهانة، إنهم قوم استدرجتهم الشياطين إلى هوة البعد عن الله، وعن كتاب الله، وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنوا بالدجل والتمويه والشعوذة والتلبيس، أنهم على شيء، وأنهم يفعلون الأفاعيل التي لا يستطيع أن يفعلها غيرهم،

إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

إن الله سبحانه وتعالى أعزَّنا بدين الإسلام، ورفعنا بالقرآن، وكرَّمنا بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فجعلنا خير أمة أخرجت للناس، وأذل غيرنا بالكفر والطغيان، وأهانهم بالضلال والإضلال واتباع طرق الغواية والشيطان، فأصبح الناس {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى من الآية:7].

ومن طرق الغواية التي تبعدنا عن دين الله وعن الهداية؛ طرق العرافين، والسحرة والدجالين، والشوافين والعرافين، وهم أهل الذلَّةِ والمهانة، من أرباب السحر والعرافة والكهانة، إنهم قوم استدرجتهم الشياطين إلى هوة البعد عن الله، وعن كتاب الله، وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنوا بالدجل والتمويه والشعوذة والتلبيس، أنهم على شيء، وأنهم يفعلون الأفاعيل التي لا يستطيع أن يفعلها غيرهم، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]، {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل من الآية:63]، {يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل من الآية:24]، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت:38].

استخفوا عقول البلهاء، وأكلوا بالباطل أموالَ الضعفاء والسفهاء، من الرجال والنساء، فأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، يعلمون ما بطون الأرحام، ومتى تكون كثرة الأرزاق، وأن عندهم الدواء، والشفاء من كل الأمراض والأدواء.

قال الألباني رحمه الله: "وأهمُّ ما يخلِط فيه كثيرٌ من الناسِ في هذا البابِ الاتصال بعالمِ الغيبِ بطريقةٍ من الطرق؛ كإتيان الكُهَّانِ والعرَّافين، والمنجِّمين والسحرةِ والمشعوذين، فتراهم يعتقدون في هؤلاء معرفةَ الغيب؛ لأنهم يحدِّثونهم عن بعضِ الأمورِ المغيَّبةِ عنهم، ويكون الأمرُ وفقَ ما يحدِّثون أحياناً، ويظنُّون ذلك جائزاً مباحاً، بدليلِ وقوعِه كما يخبرون.

وهذا خطأ جسيم، وضلالٌ مبين، فإن مجرَّدَ حصولِ منفعةٍ ما بواسطةٍ مَّا؛ لا يكفي لإثباتِ مشروعيةِ هذهِ الواسطة، فبيعُ الخمرِ مثلاً قد يؤدِّي إلى منفعةِ صاحبِه وغناهُ وثروتِه، وكذلك الميسر واليانصيب أحياناً، ولذلك؛ قال ربنا تبارك وتعالى فيهما: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة من الآية:219]، ومع ذلك فهما محرّمان، وملعون في الخمر عشرة كما ثبت في الحديث" (صحيح الجامع: [4967]).



 

فليس كلُّ ما وجدنا منه نفعاً وفائدة هو جائز شرعاً.

"فإتيان الكهانِ حرامٌ؛ لأنه قد ثبت في الدين النهيُ عنه، والتحذيرُ منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (سنن أبي داود: [3904]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (رواه مسلم: [2230]).

وقال معاوية بن الحكم السُّلَميِّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إن منا رجالاً يأتون الكهان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «فَلَا تَأْتِهِمْ»" (رواه مسلم: [537]؛ من التوسل أنواعه وأحكامه، ص: [24]).

ولِي كلمة أوجهها إلى هؤلاء البطَّالين؛ من السحرةِ والكهنة والعرافين، إلى من استهوتْهُم الشياطين، فعقَدَتْ معهم عَقْدًا على الكفرِ بالله ربِّ العالمين، والتخلي عن دين المسلمين، وهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

فأهانوا أنفسَهم بإهانتهم لكلامِ رب العالمين، فلا تطيعُهم الشياطينُ حتى يصنعوا من أوراقِ المصاحفِ أحذيةً يدخلون بها الدوراتِ والمراحيضَ، وحتى يتخذوا من القرآن -والعياذُ بالله- أوراقاً ليتمسحوا بها من الخلاء، وقد يكتبون آياتٍ من كتاب الله، أو أسماءَه الحسنى وصفاتِه العليا؛ يكتبونها بدماء الكلاب والبول والحيض، -والعياذ بالله رب العالمين- فهل بقي لهم بعد ذلك إيمان؟ وهل بقي في قلوبهم توحيد؟ وهل بقي في جوارحهم إسلام؟

وحتى تجرِّدَهم شياطينُهم من البقية الباقية من إيمانهم وتوحيدهم وإسلامهم؛ تأمرهم بألا يُسمُّوا الله، وأن يستغيثوا ويستعينوا بملوكهم؛ شمهورش، ألداؤت أصبوأيت أدوناي...

ويطلبُ منهم أسيادُهم الشياطينُ احتقار َنِعَمِ الله تعالى؛ فيدخلون المراحيض بالحليب واللبن، فيغسلون به النجاسات، وغير ذلك من الترهات.

لا يفكرون في صلاة كصلاة رسول الله، وعلى سنته صلى الله عليه وسلم، صرَّح أحدُ السحرة الدجالين بعد توبته فقال: "أكثرُ من 38 سنة ما سجدت لله سجدة، كنت إذا رأيت الناس يذهبون إلى المسجد أخاف من أن يقولوا: لماذا هذا الرجل الذي يَتوسَّم فيه الناس الخير لا يصلي؟ وكنت ملتحياً أدخل المسجد وأنا جُنُب على غير طهارة؛ هو الساحر التائب داود الريمي.

وصيامهم لو كشفت عنه ليس كصيام المسلمين، ولا يعرفون الزكاة، فهم يجمعون الأموال بأي طريق كان، أما الحج، فبعضهم لا يرى أن  الحج مفروضاً عليه، فإذا ضايقه بعض من يثقون به، قال لهم: "الآن أحجُّ، وأنا هاهنا في بيتي، فإن الملائكة ستحضر الكعبة إليّ" ويُحضِرُ الساحرُ أو الساحرة وسادةً أو مخدةً ويطوف حولها ويقول: "ها هي الكعبة أمامي أراها" فيصدقه ضعاف القلوب، ومن فقدوا إيمانهم، ويكذِّبه من أرادَ اللهُ لهم الهداية.

حجَّت امرأةٌ، فلما دخلت المسجد الحرامَ قالت: أين الكعبة؟! قالوا: إنها أمامك! قالت: لا أراها، ورجعت إلى بلدها ولم ترَها، فسألوا عنها؟ فوجدوها شوَّافة عرَّافة، حرَمها الله من رؤية الكعبة وهي أمامها، {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]. {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23].

فالكهنة والسحرة والعرافين من إخوان الشياطين: "فَالْكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأَسْرَارِ، وَمُطَالَعَةَ عِلْمَ الْغَيْبِ، وَكَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ مَعْرِفَةَ الأُمُورِ، فَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَئِيسًا مِنَ الْجِنِّ، وَتَابِعةً تَلْقِي إِلَيْهِ الأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدْرِكُ الأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيهِ. وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا، كَالْمَسْرُوقِ مِنَ الَّذِي سَرَقَهَا، وَمَعْرِفَةُ مَكَانِ الضَّالَّةِ، وَتُتَّهَمُ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَى، فَيَقُولُ: مِنْ صَاحِبِهَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ. وَمِنْهُمْ مِنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا..." (شرح السنة للبغوي [12/182]).

كيف نعرف الساحر والكاهن والعراف؟

وإليك أخي هذه العلامات التي يُعرَف بها الساحر حتى تتقيَه وتحذر منه:

1- أن يسأل المريض عن اسمه واسم أمه، أو يُخبرَه باسِمه، واسمِ بلدتِه، ونوع مرضه.

2- أن يأخذ أثراً من آثار المريض؛ (طاقية أو منديل أو فانيلة، أو ماء من وضوء المريض ونحوه...).

3- أن يُعطيَ المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف وأرقام.

4- أن يُتمتمَ بكلام غير مفهوم ولا مسموع.

5- أن يكتبَ الطلسمات؛ وهي رموز لا يُفهم معناها، وهي في واقعها رموز شركية -والعياذ بالله-.

6- أن يقول: "إنك مسحور، وسِحْرك موجود، في بلد كذا، أو مكان كذا".

7- أن يعطي المريض بخوراً، ثم يأمره بالتبخُّر به قبل أذان المغرب أو في الصبح، أو يأمره أن يبخر البيت كاملاً. أو يعطيَ المريضَ أوراقاً يحرقُها ويتبخَّرُ بها، مع أن تلك الأوراق فيها طلسمات وكتابات مجهولة.

8- أن يطلبَ من المريضِ حيواناً بصفات معينة ليذبَحه، (دجاجة سوداء، أو كبشاً أو عجلاً...) ولا يذكر اسم الله عليه، أو يضعَ دمَ الحيوانِ على مكان الألم، أو يرمي بالحيوان -الذي ذبحه- في مكان مهجور.

9- أن يأمرَ المريضَ بأن يعتزلَ الناسَ فترةً معينة في غرفة مظلمة.

10- أن يأمرَ المريضَ بأنْ يدفنَ أشياء معينة تحت التراب.

11- أن يقرأَ آيةً من القرآن، ثم يخفي صوتَه فترة قصيرة، وفي هذه الحالة يُطلسِم ثم يكمل القراءة.

12- أن يضع يدَه على أماكن محذورة شرعاً في جسد المرأة؛ كالصدر، أو أسفل الظهر، أو البطن أو الفخذين، أو يكشف عن الأذنين أو الوجه أو العينين، وهذا العمل لا يجوز.

13- أن يكشف عن فم المريض ويقول له: اخلع أسنانك كاملة، ثم بعد ذلك أقرأ عليك. -ولا أدري كيف يأكل الطعام إذا أطاعه؟؟!-.

14- عند مجيء المريضة يقول لها: "فيكِ قرينة من الجن".

15- أن يأمر المريض بفعل معصية.

16- أن يأمر المريض بإلقاء الدقيق أو الملح في دورة المياه مع شرط عدم ذكر اسم الله عز وجل.

17- أن يطلب من المريض مبالغ طائلة من المال، ويخبر المريض بأن السحر سيبطل، أو أن الجان سيخرج، وفي هذه الحالة يتفق الساحر مع الجني على أن يخرج من جسد المريض لمدة معينة تصل إلى شهر وربما أكثر، ثم بعد ذلك يعود الجني إلى جسد المريض، ويكون الألم أقوى من السابق! والله أعلم.

18- أن يصب الرصاص على رأس المريض.

19- عند مجيء المريض إلى ساحر أو دجال، وقبل أن يقرأ على المريض؛ يبخِّر الغرفةَ لكي يحضر الجنُّ، ويزعمُ أنَّ حضورَ الجنِّ ينفع المريض، وهذا يفعله الدجالون كثيراً.

20- عند مجيء المريض إلى ساحر أو دجال، أو كاهن أو مشعوذ أو عرّاف؛ فإنه يقول للمريض: "أنت مسحور، سحَرَك فلانٌ أو فلانه" وهو يكذب؛ ليوقع العداوة والبغضاء بين الأقارب والمسلمين.

21- أن يخبرَ الدجالُ المريضَ بالسحر، والمصاب بالجان؛ أن الرقية في يومي الإثنين والخميس قوية ومحرقة للجان، ويزعم أن الجن يحضرون في هذين اليومين...

منقول هذه بعض صفاتهم، عافانا الله وإياكم منهم، ومن صفاتهم، وكَفَّ عنَّا شُرورهم وأعمالهم.

إن السحر من السبع الكبائر، ومرتبته الثانية في الموبقات، بعد الشرك بالله، وما ذاك إلا لخطرِه، وعِظَمِ ضررِه.

فاتَقوا الله أيها السحرة والساحرات! أيها الكهنة والعرافين والعرافات! والشوافين والشوافات! {اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة من الآية:196]، {اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة من الآية:203]، {اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة من الآية:223]، وأنتم إن لم تتوبوا قبل موتكم لا بشرى لكم إلا النار وغضب الجبار، {اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة من الآية:233]، أيها السحرة والساحرات {اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة من الآية:281].

يا من تسببتم في الفساد بين الناس، يا من فرَّقتم بين الآباء والأولاد، والأمهات والبنات، والإخوة والأصحاب، والأهل والأحباب، يا من جعلتم كثيراً من المؤمنين والمؤمنات يعانون من الآلام والأوجاع ما الله به عليم، يا من كذَبتم على المسلمين ودجلتم على المؤمنين، وأكلتم أموالهم بالباطل، ووعدتموهم الغنى والثراء، كما قال الله في سيدكم ومولاكم الشيطان: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268].

ألا تعلمون أن الساحرَ والعَرَّافَ بهذه الصفاتِ كافرٌ مرتدٌّ، خارجٌ من الملَّة؛ إن كان مسلماً! عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ...» (مسند البزار: [9/52]، ح: [3578]، وانظر الصحيحة: [2650]، وصحيح الترغيب: [3/97]، ح: [3041]).

أيها السحرة! إن علمتم ذلك؛ فتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن اهتدى بهداه، إلى يوم الدين وبعد؛

هذه هي الكلمة الأولى؛ والكلمة الثانية أوجهها إلى إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات، إلى آبائي وأمهاتي، الذين اضطرتهم إلى هؤلاء المحتالين السحرة الأشقياء، وألجأتهم إلى هؤلاء التعساء؛ حاجةُ البحثِ عن الدواء والشفاء، فمنهم من أُغلقت أمامهم أبواب الزواج، ومنهم من أُغلقت أمامهم أبواب الرزق الحلال، ومنهم من أُغلقت أمامهم أبواب الشفاء ولم يجدوا ما يناسبهم من الدواء، وهكذا...

متعلِّلين بأنهم طرقوا كل الأبواب؛ أبوابَ المعالجين والأطباء، وأبوابَ العيادات والمستوصفاتِ ودورِ الشفاء، فلجئوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين، فالغريق يتعلق بقشة -كما يقولون-، وهل ينفعهم هذا التعليل، وهل هو مما يقبل من الدليل؟ وقد قال الله العظيم الجليل: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6].

وماذا يقولون يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؟ عندما يعرض عليهم قول نبي الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (مسند أحمد: [15/331]، ح: [9536]، ط: الرسالة. وانظر نحوه سنن الترمذي: [135]).

وقولُه: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ» (صحيح البخاري: [2766]).

فجعل السحرَ لشرِّه وضررِه بعد الشرك بالله مباشرة.

واحذروا من النُّشرة وهي حلُّ السحر بسحر مثلِه، فـ«هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» (سنن أبي داود: [3868]).

أما حلُّ السحرِ بآيات اللهِ سبحانه، والدعاء والاستغفار، والأدعية النبوية فمشروع، وليس بممنوع. عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْنَبَ؛ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود رضي الله عنهم، قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ»، قَالَتْ: قُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟! وَاللَّهِ! لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ، -أي بالدموع- وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي، فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ؛ كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَماً»" (سنن أبي داود: [3883]، والصحيحة: [331]).

ألا واعلموا أنه «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ، وَلَا قَاطِعُ رحمٍ» (الصحيحة: [678]).

فيا أيها المساكين! يا من ضحك عليكم السحرةُ والدجالون! فأقنعوكم بتعليق الحجُب، والأوراقِ والتمائمِ والخرز، اعلموا أنها كلَّها لا تنفعُ بل تضر، ولا تقولوا: تنفع بإذن الله! فإن الله لم يأذن بذلك، لم يأذن بالشرك والشعوذة، لم يأذن بالدجل والكذب، لم يأذن بأكل أموال الناس بالباطل.

فتوبوا إلى الله يا من وقعتم في هوة سحرهم! فإن كنتم مسلمين مؤمنين يناديكم الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8].

توبوا إلى الله بالتخلُّص من آثار الدجاجلة والسحرة، بالتخلُّص من الحجابات والتمائم والخرز، واعملوا صالحاً، واستغفروا الله، توبوا إلى الله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة من الآية:282]، {اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران من الآية:123]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران من الآية:130]، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة من الآية:2]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة من الآية:57]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة من الآية:88].

يا أصحاب العقول والأفهام {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة من الآية:100].

إن ولَدَك الذي من أجلِه جئت إلى السحرة، وابنتَك التي تذهب من أجلها إلى العرافين، لن ينفعوك عند الله يوم القيامة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}. [لقمان:33].

فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما سحرَه اليهود؟

فقد "كان رجل من اليهود ويقال: هو غلام يهودي اسمه لبيد بن الأعصم، كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يأمنُه، فعقد له عُقَداً، فوضعه في بئر رَجلٍ من الأنصار، فاشتكى صلى الله عليه وسلم لذلك أياماً، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ستة أشهر، فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي كان يدخل عليه عقد له عقداً، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل إليه رجلاً، وأخذ منه العقد لوجد الماء قد أصفر. فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين، وقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال: ... فبعث علياً رضي الله عنه، فوجد الماء قد أصفر فأخذ العُقَد فجاء بها، فأمره أنْ يحُلَّ العُقَدَ ويقرأ آية، فحلَّها، فجعل يقرأُ ويحلُّ، فجعل كلما حل عُقْدَةٍ وجدَ لذلك خفة فبرأ".

وفي الطريق الأخرى: "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئاً منه، ولم يعاتبه قطُّ حتى مات" (الصحيحة: [2761]).

إن جبريل عليه السلام عالج نبي الله صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين، فبرأ بحمد الله، فلا تعدلوا عنهما إلى السحرة والمشعوذين، لا تعدلوا عن كلام الله إلى كلامهم وشعوذتهم، أرادوا إهانة كلامه سبحانه فأهانهم، أرادوا تحقيره فحقَّرهم، فهل يفلح ساحر؟ {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس من الآية:77]، أخبروني ماذا صنع السحرة؟ {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه من الآية:69].

انظروا إلى نهاية حياتهم، إلى موتهم، إلى سيرتهم في الحياة الدنيا، وكيف سيكونون في الآخرة: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:60-61]، {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ . لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:19-20].

اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَقَلَبٍ لَا يَخْشَعُ، وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ، وَدُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ.

اللَّهُمَّ إِنّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أسماعِنا وَأبصَرِنا، وَشَرِّ ألسنتنا وَقلوبنا.

يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قُلوبنا عَلَى طَاعَتِكَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا ذنوبنا، وخَطَأنا وَعَمْدنا، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْتَهْدِيكَ لِأَرْشَدِ أمورنا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شرور أنفسِنا.

"تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا! قد وردوا على ما قدَّموا فأقاموا عليه، وحلُّوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت، إن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحد من خلقه نسبٌ يعطيه به خيراً، ولا يصرفُ عنه سوءاً إلا بطاعته واتباع أمره، فإنه لا خيرَ في خيرٍ بعده النار، ولا شرَّ في شرٍّ بعده الجنة؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد، صلى الله عليه وسلم..." (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: [16/151] بتصرُّف).

أبو المنذر فؤاد بن يوسف أبو سعيد

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام