انتشار الفكر التكفيري وقت الاضطهاد

منذ 2014-02-10

مع أن كل مسلم سني المعتقد يبرأ إلى الله من الغلو في التكفير، وإخراج المسلم من دائرة الملة، واستباحة دمه المعصوم، وماله، وعِرضه إلا بحق وبينة معتبرة شرعًا، وحساب الجميع على الله، إلا أن المرء يعجب أشد العجب حينما يرى دعوات من الأزهر والأوقاف وحزب النور لعقد ندوات وتسيير قوافل وتدشين حملات لمقاومة ظاهرة التكفير ومواجهة دعاته.

 

مع أن كل مسلم سني المعتقد يبرأ إلى الله من الغلو في التكفير، وإخراج المسلم من دائرة الملة، واستباحة دمه المعصوم، وماله، وعِرضه إلا بحق وبينة معتبرة شرعًا، وحساب الجميع على الله، إلا أن المرء يعجب أشد العجب حينما يرى دعوات من الأزهر والأوقاف وحزب النور لعقد ندوات وتسيير قوافل وتدشين حملات لمقاومة ظاهرة التكفير ومواجهة دعاته.



ولستُ أدري هل يمكن لمعتنق فكر التكفير حقًا أن يستمع -فضلاً عن أن يقتنع- بكلام لشيخ الأزهر أو وزير الأوقاف أو علي جمعة أو سعد الدين الهلالي -المتألِّي على الله بأنه أمر النار أن تكون بردًا وسلامًا لوزير الداخلية والمشبه له ولوزير الدفاع بالأنبياء- أو مظهر شاهين أو أحمد كريمة أو سعاد صالح أو أسامة القوصي أو حتى لمشايخ حزب النور بعد مواقفهم الحالية المخزية.



في ظني؛ أن من أسوأ ما جرى في مصر أخيرًا أن دائرة من يسمع لكلامهم ويعتد بآرائهم لدى قطاع كبير من الشباب قد تقلصت جدًا، وجزء كبير من الأسماء المعروفة على الساحة صاروا ما بين علماء سلطة لا رصيد لهم أصلاً من مصداقية وقبول، أو ساكتين سكوتًا مُرًّا ومؤلمًا ومعتزلين للمشهد تمامًا بحيث يصعب على الشباب مسامحتهم على خذلانهم لهم وقت الشدة، أو علماء ممنوعين من الخطابة والدروس ومحال بينهم وبين تصحيح المفاهيم ومقاومة الغلو.



وللعبرة والعظة؛ فمنذ عقود قليلة شهد شكري مصطفى في سجون عبد الناصر تعذيبًا مهوّلاً فخرج بفكر شديد الغلو، مسرف في التكفير، ومصادم للمجتمع كله، ومستبيح للدماء والأموال، مع أن ما رآه ربما لا يقارن في بعض الأحوال بما هو موجود اليوم كمًّا وكيفًا!



وإذا كانت الحجة المتكرِّرة لمن يواجهون بوجود أبرياء قد قُتِلوا في الأحداث الأخيرة هي: أن من قتلهم هو من أخرجهم، فكذلك من يؤجج فِكر التكفير ونزعات الغلو حاليًا، هو من أشاع القتل والظلم، وحارب الدعوة، وطعن في الثوابت، وأطلق عبارات مستنكرة تصادم الأصول وتناقض محكمات العقيدة، ثم سكوت بعض الهيئات العلمية مثل الأزهر عن إنكار ذلك صراحة والتبرؤ من فاعليه.



وحقائق التاريخ قديمًا وحديثًا تدل على أن أزمنة الاضطهاد والمِحنة كثيرًا ما تشهد ظهور اتجاهات مغالية تواجه الفعل بردٍ فعل مماثل مضاد له في الوجهة، وكل خوفي أن تنتشر في الأيام القادمة موجات مفزعة من نزعات غلو شديدة الوطأة، وإسراف في التكفير، وتفلت من كل الضوابط الشرعية في الحكم على المعين تكفيرًا أو تفسيقًا، وتسرُّع في استباحة الدماء، وحينها ستحتاج الأمة لإصدار بيانات حقيقية وفتاوى معتبرة في مقاومة الغلو في التكفير فلا يوجد من تُقبل كلمته لدى أولئك الشباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة