الاقتحام الفرنسي لسيادة دولة إفريقيا الوسطى
ترجع خلفيات الأحداث إلى عدم اعتراف فرنسا بالرئيس الحالي المسلم "ميشيل دوجوتيا" وهو من أبناء القبائل الأصلية في البلاد. وهذا ما دفع فرنسا للتجييش الإعلامي والعسكري ضد الحكومة مع أن هذه الحكومة حكومة منتخبة مؤقتة لمدة عام ونصف، فقد تكونت الحكومة بناء على اتفاقية "برازافيل"، وقد حضر التوقيع على الاتفاقية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بالإضافة إلى الاتحاد الإفريقي.
في ظل تعتيم إعلامي وغياب للحضور الإسلامي
الأحدث الأخيرة التي وقعت في دولة إفريقيا الوسطى فجر الخميس 5 ديسمبر 2013م، وراح ضحيتها أكثر من ألف شخص حسب تقرير الصليب الأحمر، من بينهم سبعمائة مسلم، منهم ثلاثون تم قتلهم وعلى رأسهم إمام مسجد نور اليقين في حي شمالي العاصمة "بانقي" وعدد من النساء والأطفال على أيدي مليشيات نصرانية، مسلحة بأسلحة ثقيلة، مدعومة من فرنسا، والكاميرون، والكونغو الديمقراطية ودولة جنوب السودان.
ترجع خلفيات الأحداث إلى عدم اعتراف فرنسا بالرئيس الحالي المسلم "ميشيل دوجوتيا" وهو من أبناء القبائل الأصلية في البلاد. وهذا ما دفع فرنسا للتجييش الإعلامي والعسكري ضد الحكومة مع أن هذه الحكومة حكومة منتخبة مؤقتة لمدة عام ونصف، فقد تكونت الحكومة بناء على اتفاقية "برازافيل"، وقد حضر التوقيع على الاتفاقية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بالإضافة إلى الاتحاد الإفريقي.
الأحداث عبارة عن محاولة انقلابية قادتها فرنسا وبالتنسيق مع وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، وقد سجلت أجهزة الأمن، التي يقودها الضابط نور الدين وهو أحد الأركان المشكلة للحكومة الانتقالية، مكالمة هاتفية بين وزير الداخلية والسفير الفرنسي في بانقي ضمن إعدادات العملية الانقلابية، وعند مداهمة القوات الأمنية والجيش لمقر الوزير، فقد وجدت مجموعة كبيرة من الأسلحة الثقيلة والخفيفية، وفور سماع الوزير لعملية الاقتحام لجأ إلى السفارة الفرنسية، ومن هناك تم نقله إلى مقر قوات الاتحاد الإفريقي طلباً للحماية.
تحركت المليشيات المشاركة في المحاولة الانقلابية من خمس مداخل رئيسية للعاصمة، وكان الهدف الوصول إلى القصر الجمهوري ومن ثمّ إعلان حكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء في الحكومة الحالية الذي هو الآن في فرنسا، وعلى تواصل مع المليشيات المسيحية، فبدأ التحرك من المناطق ذات الكثافة المسلمة ليتم القتل والتصفيات، فتشغل القوات المسلحة، بنصرة المظلومين، مما يهيئ الطريق إلى القصر الجمهوري، إلا أن تلقِّي أجهزة الأمن للمكالمات التي تمت بين السفير الفرنسي ووزير الداخلية، وصلتها أوامر من القيادة العامة بعدم التحرك، إلا أن الجيوب الأخرى تحركت نحو القصر الجمهوري، فدخل الجيش في حرب لأكثر من ست ساعات مع هذه المليشيات التي كانت معدة إعداداً جيداً، وتمتلك أسلحة ثقيلة، فهزمت ووجدت معهم مجموعة من الوثائق، بالإضافة إلى قائمة أسماء بأهم القيادات المسلمة في البلاد من الوزراء والعساكر والتجار الذين كان من المفترض تصفيتهم، إلا أن المليشيات النصرانية استطاعت أن تصفي ثلاثة من عشرين شخصية وردت أسماؤهم في القائمة، وكان على رأس هؤلاء الذين تمت تصفيتهم الجنرال يحيى من أبناء قبيلة السلامات العربية ومن أهم القيادات العسكرية في الجيش الوطني، وتم قتل جميع حراسه، بالإضافة إلى ثلاثة ضباط آخرين.
قامت هذه المليشيات النصرانية بحرق عدد من المسلمين وقتلهم وبقر بطونهم غربي البلاد، على الحدود مع دولة الكاميرون في مدينة "بوانجسوا " وهم من قبائل الفلاتا، وقد وثقت منظمة العفو الدولية وتقارير المنظمات الغربية تلك المجزرة، ومن بينهم قتل إمام لأحد المساجد وبقر بطن زوجته الحامل، كما تم نهب البهائم والممتلكات وحرق المنازل، وهذه تقارير سجلتها المنظمات الغربية، ناهيك عن تلك التي لم توثق في شمال البلاد في مدن: "بوار"، و"بربرتي".
تحاول فرنسا ومن يدعمها للتمويه على هذه العملية الانقلابية، فوصول القوات الفرنسية إلى الأراضي الأفرو وسطية سبقت موافقة مجلس الأمن الدولي، فقد كانت فرنسا تسعى للاعتراف بالحكومة الانقلابية إن نجحت وتوفير الغطاء الأمني لها للقضاء على أية محاولة من الجيش الوطني لاسترداد السلطة.
من الأهداف الرئيسية للعملية الانقلابية، توجه الرئيس الحالي لاستخراج خيرات البلاد بعيداً عن النهب الفرنسي لموارد البلد، فوقع الرئيس عدداً من الاتفاقيات مع شركات ماليزية وتركية وكمبودية، بالإضافة إلى توجهه نحو كل من قطر والكويت للاستثمار في البلاد، تفعيلاً للاتفاقيات البينية، وخاصة أنَّ مجموعة من المستثمرين القطريين، قد قاموا بشراء جزيرة من الجزر السياحية لإنشاء عدد من المرافق التجارية والسياحية، وهذا ما أغضب مجموعة "أريفا" الفرنسية الضخمة العاملة في الطاقة النووية في مجال استخراج اليورانيوم الطبيعي من باكوما في جنوب البلاد، فقد أرادت الحكومة أن تعطي فرصاً استثمارية لعدد من الشركات الصينية والماليزية وغيرها، وهو ما ترفضه مجموعة "أريفا" الاستعمارية.
- ما المطلوب الآن ؟!
نوصي بالآتي:
- أولاً: على منظمة التعاون الإسلامي إرسال وفد للتحقق من مجريات الأحداث ، وما صاحب من هدم ونهب للمساجد ، وقتل للأئمة والمصلين ، ورفع تقرير للرأي الإسلامي والعالمي عن الأحداث ، وخاصة أنَّ كل المنظمات الدولية الغربية موجودة في الميدان.
- ثانياً: نرفع نداء للمنظمات الطوعية الإسلامية مثل هيئة الإغاثة الإسلامية ، ورابطة العالم الإسلامي والعون المباشر ، وأطباء عبر القارات ، و"راف" الخيرية ، وجمعية الدعوة الإسلامية الليبية ، ومنظمة الدعوة الإسلامية السودانية ، والندوة العالمية للشباب الإسلامي ، والإغاثة البريطانية الإسلامية ، وغيرها من المنظمات الطوعية، للمسارعة في نجدة المظلومين الذين فروا من ديارهم وهم في حالة حرجة جداً.
- ثالثا: نوجه نداءً سريعاً للاتحاد الإفريقي، بأن تدين دول : الكاميرون والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، لرفع وصايتها وتدخلها السافر في شأن إفريقيا الوسطى، ودعمهم للمليشيات والمرتزقة من أنصار الرئيس السابق وأعوانه، وأن تدخّل هذه الدول يهدد السلم الاجتماعي في المنطقة كلها.
هذا، والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. خالد بن عبد الرحمن العجيمي
رئيس لجنة شباب إفريقيا في الندوة العالمية للشباب الإسلامي
- التصنيف: