قراءة أخرى لقصر الحمراء
أيُّ شمسٍ هنا وأيُّ ضياءِ *** لم تقاومْ جحافلَ الظلماءِ
ولماذا انطوى صباحٌ جميلٌ *** عن روابي غرناطةَ الخضراءِ؟
كيف صارت هذي القلاع رموزاً *** لانكسارٍ وحسرةٍ وانزواءِ؟
هذه قَلْعةٌ وتلكَ حصونٌ *** شامخاتٌ بديعةٌ في البناء
كلّ حصنٍ يَتيهُ حتى كأنّا *** نَتراءى كواكبَ الجوزاء
وهناك القاعاتُ، قاعةُ ملكٍ *** ذاتُ حُسْنٍ وقاعةُ السُّفراءِ
كلّها تحتمي بِبُرجِ دمشقٍ *** وهو كالطَّود شامخاً في ارتقاءِ
يَعْتلي صَهْوةَ الجبالِ ويَرمي *** نظراً بالغاً عَنانَ السماءِ
ويرى خلْفَه بياضَ ثُلوجٍ *** من رؤوسِ الشوامخ البيضاءَ
من "شُلَيْرٍ" تلك الجبال الرّواسي *** جُلِّلَتْ من جليدها برداءِ
ها هنا للنقوش ألْفُ حديثٍ *** عن فنونٍ بديعةٍ، وثراءِ
كلّ نقشٍ منها يتيه جمالاً *** مُعرباً عن مظاهر الخُيَلاءِ
أيُّ معنىً لنَقْشِ آياتِ ربّي *** في جدارٍ ولوحةٍ وكساءِ
لا تُفيد النقوشُ قلباً غريقاً *** خاوياً من مشاعر الأتقياءِ
ها هنا الزخرفاتُ فنٌّ يُرينا *** كيف ترقى الفنونُ بالأشياءِ
هذه بِرْكةُ الأسودِ وهذا *** مسرح الرّاقصات دون حياء
وهنا مجلس الأمير تراخى *** بين غِلْمانه وبين الإماءِ
ضَجَّ هذا المكانُ من صوتِ عزْفٍ *** ومواويلِ مُطْربٍ وغناءِ
ووراءَ الأسوارِ ليستْ بعيداً *** عن حِماها جحافلُ الأعداءِ
كان وجهُ "الصغير" وجهاً صغيراً *** فيه معنى الهزيمةِ النّكراءِ
منذُ أعطى الإفْرَنْجَ عهدَ خضوعٍ *** أصبحوا يرمقونه بازدراءِ
أغضب اللهَ بالمعاصي جِهاراً *** فتهاوى في خندق الأشقياءِ
باع ملكاً بقينةٍ وبكأسٍ *** فتخلّى عن قَلْعةِ الحمراءِ
إنّ من يَحتمي بظلّ الأعادي *** كالذي يحتمي بظلّ الحِذاءِ
رحم الله أمّه كم تعالى *** صوتها الحُرّ مُنذراً بالفناء
غيرَ أنّ الصغيرَ ظلّ صغيراً *** مُسرفاً في الهوى قليلَ الوفاء
حينما أبصرتْه يبكي أشاحتْ *** ثمّ قالت مقالةَ الحكماءِ
أنت ضيّعتَ بالعَمالةِ مُلْكاً *** شامخاً فابكه بُكاءَ النّساءِ
كلّ شيءٍ هنا يُثيرُ اتّعاظاً *** ويُرينا نهايةَ العُملاءِ
ليت شعري مَن يفهم الدرسَ مِنَّا *** في زمانٍ مُضرّجٍ بالدماءِ؟!
حينما تصبح الولايةُ لهْواً *** ترتمي في العواصف الهَوْجاءِ
عبد الرحمن بن صالح العشماوي
الشاعر المعروف أستاذ النقد الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف: