قضية المرأة والعلاقات الدولية

منذ 2014-02-20

لا يوجد قضية اجتماعية يتم التلاعب واستخدامها بشكل انتقائي وانتهازي في العلاقات الدولية، مثلما يتم التعامل مع قضية المرأة، فعلى مدار العقود الأخيرة كانت قضية المرأة حاضرة وبقوة في خريطة العلاقات الدولية خاصة في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي. وهذه بعض من النماذج المعاصرة والتي تشير إلى مدى التلاعب الغربي بهذه القضية، ومدى تأثيرها في علاقات العالم الإسلامي بالدول الغربية:


لا يوجد قضية اجتماعية يتم التلاعب واستخدامها بشكل انتقائي وانتهازي في العلاقات الدولية، مثلما يتم التعامل مع قضية المرأة، فعلى مدار العقود الأخيرة كانت قضية المرأة حاضرة وبقوة في خريطة العلاقات الدولية خاصة في علاقة الغرب بالعالم الإسلامي. وهذه بعض من النماذج المعاصرة والتي تشير إلى مدى التلاعب الغربي بهذه القضية، ومدى تأثيرها في علاقات العالم الإسلامي بالدول الغربية:

قضية المرأة ذريعة من ذرائع التدخل العسكري (أفغانستان كنموذج):
فمع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، بدأت حملة إعلامية كبيرة تتابع وترصد كل حركة أو مشهد متعلق بالمرأة الأفغانية، وأصبح مشهد مشاركة المرأة الأفغانية في مسابقات ملكات الجمال أو الأولمبياد، وصور الأفغانيات السافرات أو طوابير النساء اللاتي تقفن للإدلاء بأصواتهن في الانتخابات تتصدر شاشات التلفاز وأغلفة المجلات في العالم. لقد حاول الأمريكان استغلال قضية ما يسمونه باضطهاد المرأة الأفغانية كواحدة من الذرائع لتبرير عدوانهم على أفغانستان. فقد صرحت زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش) قائلة لتبرير الحرب التي شنها زوجها على هذا البلد المسلم: "بعد عدة سنوات أمضتها النساء الأفغانيات كسجينات في بيوت رجال طالبان، عادت المرأة الأفغانية إلى العمل، وأصبحنا نشاهد المرأة الأفغانية تشارك في الأولمبياد وهي تلبس بنطالا وقميصا طويلا وتمارس حقها في الحرية"!؟

المرأة المسلمة كإرهابية:
على الرغم من دعاوي تحرير المرأة ومساواة المرأة بالرجل، فإن هذه الدعاوي تنقلب للضد إذا شاركت المرأة الفلسطينية أو المرأة الشيشانية الرجال أعمال المقاومة، ويتم وصف نساء من أمثال آيات الأخرس، ووفاء إدريس، وهنادي جرادات بأنهن إرهابيات، ويبالغ المحللون في الأسباب التي دعتهم لممارسة هذا (الإرهاب) إذ يرجعونه إلى الاضطهاد التي تلاقيه المرأة في المجتمعات الفلسطينية مما يجعلها أكثر عدوانية، وبالتالي فإن جميع نساء فلسطين هن مشروع إرهابيات، وأحيانا يتم التعميم على نساء العالم الإسلامي كله، وللتدليل على صحة هذه المزاعم، يتم عرض إحصاءات وبيانات حول العنف ضد المرأة في المجتمع الفلسطيني، النظرة نفسها يتم التعامل بها مع المرأة الشيشانية.

قضية المرأة كأداة لتحقيق مصالح القوى الغربية:
يتم استغلال مقررات الأمم المتحدة ومؤتمرات المرأة والاتفاقات والمعاهدات الدولية للتدخل الخارجي في عملية التغيير المجتمعي والثقافي تحت شعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، وتضغط الحكومات الغربية على الدول من أجل إجراء تغييرات اجتماعية جوهرية، وتصبح قضية المرأة أداة ضغط تساوم بها الحكومات الغربية، الدول الإسلامية للرضوخ لما تمليه عليها من سياسات. في المقابل تتجاهل هذه الدول حق المرأة في اختيار زيها التي يناسبها في دولة كفرنسا، التي تمنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب. فالقضية ليست حقوق إنسان، بل هي مصالح القوى الغربية تسعى لتمريرها تحت هذا الشعار، وهذا ما صرح وزير الخارجية الأمريكي السابق، كولن باول، قائلا: "إن دفع عجلة قضايا المرأة في جميع أنحاء العالم ليس فقط أمراً متناسقاً مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأميركي إيماناً عميقاً، وإنما هو أيضاً في مصلحتنا القومية إلى حد كبير أيضاً".

قضية المرأة كأداة لفرض العولمة:
جعل قضية المرأة قضية عالمية فوق الحكومات، وعابرة للقارات من خلال مقررات الأمم المتحدة، ومحاولة فرض نموذج معين لصورة المرأة في المجتمعات، وخصوصا مجتمعات العالم الإسلامي، هو تمهيد لما تسعى القوى الغربية من فرضه من نظام عالمي جديد، الذي يعدونه انتصاراً نهائياً وعالمياً للفكر الغربي العلماني، بحيث تكون هناك قوة عالمية واحدة، ومرجعية كونية واحدة، ونمط عالمي واحد للمرأة والرجل، وتنهار كل الحدود والقيود والحصون أمام هذه القوة العالمية الجديدة والمنفردة، بحيث تصبح إرادتها ورغباتها ومصالحها مُسلَّماً بها ومُرحَّباً بقدومها بلا أي عوائق من الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو القومية أو الثقافة.

هذه النماذج توضح لنا بروز قضية المرأة، وأنها ليست مجرد مشكلة اجتماعية، يتم التعامل معها في إطار مؤسسات العمل الاجتماعي وحسب، لكنه في حقيقة الأمر مشكلة اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية، وأحد التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، في ظل صعود وتزايد التحديات الخارجية ذات الأبعاد الثقافية -الحضارية في تفاعلها وتشابكها مع نظائرها السياسية والاقتصادية والعسكرية. الأمر الذي يستدعي وضع هذه الأبعاد في الاعتبار عند معالجة قضايا المرأة، ووضع برامج وحلول لمواجهتها.

طارق السيد