صيام السبت ورأي العلامة الألباني
منذ 2007-07-11
أن تشدد كثير من الناس في النهي عن صيام يوم السبت حتى وإن وافق يوم عرفة أو عاشوراء مجانب للصواب.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة صوم يوم السبت خصوصًا؛ واحتجوا بحديث عبدَ الله بن بُسْر المازني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم»؛ ( رواه أحمد وأصحاب السُّنَنِ الأربعة، وحَسَّنه الترمذي، وفي إسناده اختلاف قد ذكره النسائيُّ وغيرُه)، وقال أبو داود: "هذا الحديث منسوخٌ"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري". ولم يُخْرِجاه، وقال مالك: "هذا كذب". وأُعِلَّ بالمُعَارَضَةِ وباضطِرابٍ، والحاصل أن الحديث صحيح - إن شاء الله - ببعض طرقه كما نَصَّ عليه الأئمةُ.
أما إن وافِقْ يوم السبت عادةً، أو قضاء، أو نذرًا، أو يومًا رُغِّبَ في صيامه، أو صام معه غيره، أو كان يصوم يومًا ويُفطِرَ يَوْمًا؛ فلا كَرَاهَةَ في كُلِّ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيِهْ الأدلَّةُ الصحيحةُ:
فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إلا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» (رواه البخاري).
وروى عن جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحارث - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة فقال: «أصُمْتِ أَمْسِ؟» قالت: لا. قال: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غدًا؟». قالت: لا. قال: «فَأَفْطِرِي».
فهذان الحديثان يَدُلان دَلالة صَرِيحة على جواز صوم يوم السبت في غير رمضان، لِمَنْ صام الجمعة قبله أو الأحد بعده.
وفي الصحيحَيْنِ وغيْرِهما عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام عِنْدَ الله صَوْمُ داوُدَ - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفْطِرُ يومًا».
وكذلك قَدْ صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في صيام يوم عَرَفَةَ، ويوم عاشوراء، والأيام البيض، وأيام التشريق.
ولا شك أنَّ هَذِهِ الأحاديثَ أَخَصُّ من حديث النهي عن صيام السبت؛ لأن النهي عن صوم السبت يشمل ما له سببٌ أو فضيلة وما لا سبب له - مُطْلَقِ النَّفْل - وكذلك يشمل صيام السبت بمفرده، أو مضمومًا إليه غيره، وأدلة جواز الصيام أَخَصُّ مُطلَقًا من ذلك النهي، فهي فَرْدٌ مِنْ أَفْرادِ العَامِّ - المنهِيِّ عن صيامها - والقاعدة الأصولية تَنُصُّ على استثناء الأقل من الأكثر، أو بناءِ العامِّ على الخاصِّ مُطلَقًا؛ يعني عند التعارض.
ومِن ثَمَّ استَحَبَّ عامَّةُ أهل العِلْمِ صيامَ كُلِّ ما له سبب أو فضيلة إن وافق يوم السبت، وحملوا النَّهيَ على النَّفلِ المُطْلَق أو على إفرادِ يوم السَّبتِ بالصِّيام بدون سبب.
قال أبو جعفر الطَّحَاوِي- الحنفي - في (شرح معاني الآثار) : " فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرِهُوا صوم يوم السبت تطوعًا. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يَرَوا بصومه بأسًا، وكان من الحجة عليهم في ذلك، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُصَامَ قَبلَهُ يوم، أو بعده يوم". فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت. ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعًا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العُلَمَاءِ من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها.
وقد أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صَوْمِ عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يَقُل إن كان يوم السبت فلا تَصُوموه. ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيامُ داود - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفطِرُ يومًا»، ففي ذلك أيضًا، التسوية بين يوم السبت، وبين سائر الأيام.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا بِصِيامِ أيَّامِ البِيضِ، ورُوِيَ عَنْهُ في ذلك عن أَبِي ذَرٍّ: «أنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
وعن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القَيْسِي، عن أبيه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم لياليَ البيض، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر»، وقد يدخل السبت في هذه، كما يدخل فيها غيْرُه، من سائر الأيام. ففيها أيضًا إباحة صَوْمِ يَوْمِ السبت تطوعًا.
وقد يجوز عندنا - والله أعلم - إن كان ثابتًا، أن يكون إنما نُهِيَ عن صَوْمِه، لئلا يُعَظَّم بذلك، فيُمْسَك عن الطعام والشراب والجِمَاع فيه، كما يَفْعَلُ اليهود، فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتَرْكها السعْيَ فيه، فإن ذلك غير مكروه ". اهـ. مُخْتَصَرًا.
قال ابْنُ قدامة - الحنبلي - في (المغني): " قال أصحابنا: يُكْرَه إفراد يوم السبت بالصوم ... والمكروه إفراده، فإن صام معه غيره، لم يكره; لحديث أبي هريرة وجويرية، وإن وافق صومًا لإنسان, لم يُكْرَه ". اهـ.
وقال الكاساني - الحنفي -: " ويُكْرَهُ صَوْمُ يوم السَّبت بانفراده، لأَنَّهُ تَشَبُّهٌ باليَهود، وكَذَا صَوم يَوم النَّيرُوز، والمهرجان، لأنه تَشَبُّه بالمجوس".
وقال النَّوَوِيُّ - الشَّافِعِيُّ - في المجموع: " يُكْرَهُ إفرادُ يومِ السبتِ بالصَّوم، فإن صام قَبْلَهُ أو بعده معه لم يُكره صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ إِفرادِهِ أَصْحَابُنَا، مِنهُمُ الدَّارمي والبغوي والرافعي وغيرهم; لحديث عبد الله بن بسر ... وقال الترمذي: هو حديث حسن، قال: ومعنى النهي أن يختصه الرجل بالصيام; لأن اليهود يُعَظِّمُونه...
فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة صوم يوم السبت خصوصًا؛ واحتجوا بحديث عبدَ الله بن بُسْر المازني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم»؛ ( رواه أحمد وأصحاب السُّنَنِ الأربعة، وحَسَّنه الترمذي، وفي إسناده اختلاف قد ذكره النسائيُّ وغيرُه)، وقال أبو داود: "هذا الحديث منسوخٌ"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري". ولم يُخْرِجاه، وقال مالك: "هذا كذب". وأُعِلَّ بالمُعَارَضَةِ وباضطِرابٍ، والحاصل أن الحديث صحيح - إن شاء الله - ببعض طرقه كما نَصَّ عليه الأئمةُ.
أما إن وافِقْ يوم السبت عادةً، أو قضاء، أو نذرًا، أو يومًا رُغِّبَ في صيامه، أو صام معه غيره، أو كان يصوم يومًا ويُفطِرَ يَوْمًا؛ فلا كَرَاهَةَ في كُلِّ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيِهْ الأدلَّةُ الصحيحةُ:
فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إلا يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» (رواه البخاري).
وروى عن جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحارث - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهى صائمة فقال: «أصُمْتِ أَمْسِ؟» قالت: لا. قال: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غدًا؟». قالت: لا. قال: «فَأَفْطِرِي».
فهذان الحديثان يَدُلان دَلالة صَرِيحة على جواز صوم يوم السبت في غير رمضان، لِمَنْ صام الجمعة قبله أو الأحد بعده.
وفي الصحيحَيْنِ وغيْرِهما عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام عِنْدَ الله صَوْمُ داوُدَ - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفْطِرُ يومًا».
وكذلك قَدْ صَحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في صيام يوم عَرَفَةَ، ويوم عاشوراء، والأيام البيض، وأيام التشريق.
ولا شك أنَّ هَذِهِ الأحاديثَ أَخَصُّ من حديث النهي عن صيام السبت؛ لأن النهي عن صوم السبت يشمل ما له سببٌ أو فضيلة وما لا سبب له - مُطْلَقِ النَّفْل - وكذلك يشمل صيام السبت بمفرده، أو مضمومًا إليه غيره، وأدلة جواز الصيام أَخَصُّ مُطلَقًا من ذلك النهي، فهي فَرْدٌ مِنْ أَفْرادِ العَامِّ - المنهِيِّ عن صيامها - والقاعدة الأصولية تَنُصُّ على استثناء الأقل من الأكثر، أو بناءِ العامِّ على الخاصِّ مُطلَقًا؛ يعني عند التعارض.
ومِن ثَمَّ استَحَبَّ عامَّةُ أهل العِلْمِ صيامَ كُلِّ ما له سبب أو فضيلة إن وافق يوم السبت، وحملوا النَّهيَ على النَّفلِ المُطْلَق أو على إفرادِ يوم السَّبتِ بالصِّيام بدون سبب.
قال أبو جعفر الطَّحَاوِي- الحنفي - في (شرح معاني الآثار) : " فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرِهُوا صوم يوم السبت تطوعًا. وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يَرَوا بصومه بأسًا، وكان من الحجة عليهم في ذلك، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُصَامَ قَبلَهُ يوم، أو بعده يوم". فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت. ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعًا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العُلَمَاءِ من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها.
وقد أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صَوْمِ عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يَقُل إن كان يوم السبت فلا تَصُوموه. ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيامُ داود - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفطِرُ يومًا»، ففي ذلك أيضًا، التسوية بين يوم السبت، وبين سائر الأيام.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا بِصِيامِ أيَّامِ البِيضِ، ورُوِيَ عَنْهُ في ذلك عن أَبِي ذَرٍّ: «أنَّ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».
وعن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القَيْسِي، عن أبيه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم لياليَ البيض، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر»، وقد يدخل السبت في هذه، كما يدخل فيها غيْرُه، من سائر الأيام. ففيها أيضًا إباحة صَوْمِ يَوْمِ السبت تطوعًا.
وقد يجوز عندنا - والله أعلم - إن كان ثابتًا، أن يكون إنما نُهِيَ عن صَوْمِه، لئلا يُعَظَّم بذلك، فيُمْسَك عن الطعام والشراب والجِمَاع فيه، كما يَفْعَلُ اليهود، فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتَرْكها السعْيَ فيه، فإن ذلك غير مكروه ". اهـ. مُخْتَصَرًا.
قال ابْنُ قدامة - الحنبلي - في (المغني): " قال أصحابنا: يُكْرَه إفراد يوم السبت بالصوم ... والمكروه إفراده، فإن صام معه غيره، لم يكره; لحديث أبي هريرة وجويرية، وإن وافق صومًا لإنسان, لم يُكْرَه ". اهـ.
وقال الكاساني - الحنفي -: " ويُكْرَهُ صَوْمُ يوم السَّبت بانفراده، لأَنَّهُ تَشَبُّهٌ باليَهود، وكَذَا صَوم يَوم النَّيرُوز، والمهرجان، لأنه تَشَبُّه بالمجوس".
وقال النَّوَوِيُّ - الشَّافِعِيُّ - في المجموع: " يُكْرَهُ إفرادُ يومِ السبتِ بالصَّوم، فإن صام قَبْلَهُ أو بعده معه لم يُكره صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ إِفرادِهِ أَصْحَابُنَا، مِنهُمُ الدَّارمي والبغوي والرافعي وغيرهم; لحديث عبد الله بن بسر ... وقال الترمذي: هو حديث حسن، قال: ومعنى النهي أن يختصه الرجل بالصيام; لأن اليهود يُعَظِّمُونه...
والصواب على الجملة ما قَدَّمْنَاهُ عَنْ أصحابِنا أَنَّهُ يُكره إفراد السبت بالصيام إذا لم يوافق عادة له; لحديث الصَّمَّاءِ، وأمَّا قَوْلُ أبي داود: "إنه منسوخ"، فغير مقبول، وأيُّ دليل على نَسْخِه؟ وأمَّا الأحاديث الباقية التي ذكرناها في صيام السبت، فكلها واردة في صَوْمِهِ مَعَ الجُمُعَةِ والأحد؛ فلا مخالفة فيها لما قاله أصحابُنا مِنْ كَرَاهَةِ إفراد السبت، وبهذا يجمع بين الأحاديث ". اهـ.
وذهب شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة إلى جَوَازِ صيام يوم السبت ولو من غير سبب، وهو رواية عن الإمام أحمد قال في (الفتاوى الكبرى): " ولا يُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ السبت بالصَّوْمِ، ولا يجوز تخصيص صَوْمِ أَعْيَادِ المشركين، ولا صَوْمِ يوم الجمعة، ولا قيام ليلتها ".
وقال ابن مفلح في ((الفروع) (3/92): " وكذا - أي يُكْرَهُ - إفراد يوم السبت بالصوم عند أصحابنا لحديث عبدالله بن بسر ... إسناده جيد ... ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تَشَبُّه بهم، قال الأثرم: قال أبو عبدالله: قد جاء فيه حديث الصَّمَّاءُ، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأبَى أن يُحَدِّثَنِي به، قال الأثرم: وحجة أبي عبدالله في الرُّخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مُخَالِفَة لحديث عبدالله بن بسر، منها حديث أم سَلَمَةَ، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد ويقول: «هما عيدان للمشركين فأنا أحب أن أخالفهما»؛ (رواه أحمد والنَّسائي) وصححه جماعة وإسناده جيد واختار شيخنا - أي ابن تيمية - أنه لا يكره وأنه قَوْلُ أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وأن هذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه، كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فَهِمَ من كلام أحمد الأخذ بالحديث، ولم يذكر الآجري غير صوم يوم الجمعة؛ فظاهره لا يكره غيْرُه ".
وقال المرداوي - الحنبلي - في (الإنصاف): " كره إفراد يوم السبت بالصوم، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا يُكْرَهُ صيامُه مفردًا، وأنه قول أكثر العلماء ". اهـ.
وقال ابن خزيمة: " وأحسب أن النهي عن صيامه إذ اليهود تُعَظِّمُهُ، وقد اتخذته عيدًا بدل الجمعة ".
وقد بَوَّبَ عليه البيهقي في سننه باب: (ما ورد من النهي عن تخصيص يوم السبت بالصوم) ... ثم قال: "وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له، والله أعلم".
وقال ابن القيم في (زاد المعاد) (2/79-80): " وقال جماعة من أهل العلم: لا تَعَارُض بينه وبين حديث أم سَلَمَة، يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم السبت والأحد؛ فإن النَّهي عن صومه إنما هو إفراده وعلى ذلك ترجم أبو داود فقال: باب النَّهْىِ أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ، وحديث صيامه إنما هو مع يوم الأحد، قالوا: ونظير هذا أنه نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده وبهذا يزول الإشكال الذي ظَنَّهُ من قال إنَّ صَوْمَهُ نوع تعظيم له، فهو موافقة لأهل الكتاب في تعظيمه، وإن تَضَمَّنَ مُخَالَفَتَهُمْ في صومه، فَإِنَّ التَّعْظِيمَ إِنَّما يكون إذا أُفرِدَ بالصوم، ولا رَيْبَ أنَّ الحديث لم يجئ بإفراده، وأما إذا صامه مع غيره لم يكن فيه تعظيم، والله أعلم ".
وقد لخص الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - كلام أهل العلم السابق، فقال: " وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال:
الحال الأولى: أن يكون في فرضٍ، كرمضان أَدَاءً، أو قضاءً، وكصيام الكَفَّارَةِ، وبدل هدي التَّمَتُّع، ونحو ذلك؛ فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك مُعتَقِدًا أن له مزية.
الحال الثانية: أن يصوم قبله يوم الجمعة؛ فلا بأس به.
الحال الثالثة: أن يُصَادِف صيام أيام مشروعة؛ كأيام البيض، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وستة أيام من شَوَّال - لمن صام رمضان - وتسع ذي الحجة؛ فلا بأس؛ لأنه لم يصمه لأنه يوم السبت، بل لأنه من الأيام التي يُشْرَع صومها.
الحال الرابعة: أن يُصادِف عادةً، كعادة من يصوم يومًا وَيُفْطِر يَوْمًا فَيُصَادِف يوم صومِهِ يوم السبت؛ فلا بأس به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين: «إلا رجلاً كان يصوم صوما فليصمه»، وهذا مثله.
الحال الخامسة: أن يَخُصَّهُ بصوم تَطَوُّع؛ فيفرده بالصوم؛ فهذا محل النَّهي إن صَحَّ الحديثُ في النهي عَنْهُ ". انتهى.
هذا؛ وقد أفتى الشيخ الألباني بالمنع من صيام يوم السبت مطلقًا، ولم يعتبر التفصيل الذي ذكرناه آنفا، واحتَجَّ بعموم حديث النَّهي عن صيام يوم السبت، وترك الَقول بِمُوجَبِ بَقِيَّةِ أحاديث الباب المُبيحَةِ لصيامه، ورَتَّبَ على ذلكَ المنعَ من صيام يَوْمَيْ عرفة وعاشوراء وغيرهما مما رُغِبَ في صيامه، إذا وافقا يوم السبت.
والحق؛ أنه كيفما قلنا؛ فصيام السبت مشروع، على التفصيل المذكور سابقا لوجوه: منها: أننا لو قلنا بالجمع بين الأدلة - وهو الأولى عند التعارض - فأحاديث مشروعية صيام السبت لسبب أَخَصُّ من حديث النهي مطلقًا كما سبق بيانه.
ومنها: أننا لو قلنا بالترجيح؛ لوجب ترجيح أحاديث جواز صيام يوم السبت عموما بغير كراهة - كما هو الرواية الثانية عن أحمد، والتي نصرها شيخ الإسلام ابن تيمية - لأن تلك الأحاديث أكثر من جهة العدد وأصح من جهة الإسناد كما لا يخفى!
ومما سبق يتبين أن تشدد كثير من الناس في النهي عن صيام يوم السبت حتى وإن وافق يوم عرفة أو عاشوراء مجانب للصواب، والله أعلم.
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف: