نماذج من صبر السلف رحمهم الله
عروة بن الزبير وصبره على الابتلاء:
وقعت الأكلة في رجل عروة بن الزبير، فصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد، فحُمل إليه ودعا الأطباء فقالوا: ليس له دواء إلا القطع، وقالوا له: اشرب المرقِد فقال عروة للطبيب: "امض لشأنك، ما كنت أظن أن خلقًا يشرب ما يزيل عقله حتى يعرف به"، فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سُمع له حسٌّ، فلما قطعها جعل يقول: "لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت" وما ترك جزءه من القرآن تلك الليلة، قال الوليد: "ما رأيت شيخًا قط أصبر من هذا"، ثم إنه أصيب بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في إصطبل، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة، فلما كان بوادي القرى قال:
"{لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:63]، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدًا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت". (سير أعلام النبلاء) للذهبي [4/430].
الأكلة: داء يقع في العضو فيأتكل منه. (انظر: (لسان العرب) لابن منظور [11/22]).
المرقد: شيء يشرب فينوم من شربه ويرقده. انظر: (لسان العرب) لابن منظور [3/183].
نماذج من صبر العلماء المتقدمين
صبر الإمام أحمد بن حنبل على محنة خلق القرآن:
أخذ أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن أيام المأمون، ليحمل إلى المأمون ببلاد الروم، وأخذ معه أيضًا محمد بن نوح مقيَّدين، ومات المأمون قبل أن يلقاه أحمد، فَرُدَّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في أقيادهما، فمات محمد بن نوح في الطريق، وردَّ أحمد إلى بغداد مقيدًا.
ودخل على الإمام أحمد بعض حفاظ أهل الحديث بالرقة وهو محبوس، فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقيَّة من الأحاديث، فقال أحمد: "وكيف تصنعون بحديث خباب:
» (رواه البخاري [3612] من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه)؟! فيئسوا منه.
وقال إبراهيم البوشنجي: "ذكروا أن المعتصم رق في أمر أحمد، لما عُلِّق في العقابين، ورأى ثبوته وتصميمه، وصلابته في أمره، حتى أغراه ابن أبي دؤاد، وقال له: إن تركته قيل: إنك تركت مذهب المأمون، وسخطت قوله، فهاجه ذلك على ضربه".
وقال أبو غالب ابن بنت معاوية: "ضرب أحمد بن حنبل بالسياط في الله، فقام مقام الصدِّيقين، في العشر الأواخر من رمضان سنة عشرين ومائتين". ((صلاح الأمة) لسيد العفاني [4/409])
- التصنيف: