حين تريد أميركا تحريري وإسعادي!

منذ 2014-03-01

ما من سياسة عدوانية باطشة مستبدة أكثر بشاعةً وعنجهيةً من السياسة الأميركية. دولةٌ غرق تاريخها بكامله في وحل استعباد الدول واضطهادها، وفرض أشكال الاستعمار والعنصرية والتدخلات عليها.

 

ما من دولة في العالم تلطخت يداها بالدماء البريئة كما هي أميركا، ما من سياسة عدوانية باطشة مستبدة أكثر بشاعةً وعنجهيةً من السياسة الأميركية. دولةٌ غرق تاريخها بكامله في وحل استعباد الدول واضطهادها، وفرض أشكال الاستعمار والعنصرية والتدخلات عليها.



 

لذا فلا نخالف الحقيقة إن قلنا إن شعوب العالم بأسرها تضمر شعورًا ساخطًا ناقمًا على هذه السياسة الإمبريالية الغاشمة؛ ولذلك تظل هذه الشعوب دومًا تتوجس الريبة والحذر من المواقف الأميركية تجاه بلدانهم، فتلك الشعارات التي تروّج لها أميركا بأنها "راعية" العدالة والقوانين الإنسانية الدولية، و"حامية" الحريات واستقلال ومصالح الشعوب، لا يكاد حتى الأميركان أنفسهم يؤمنون بها أو يصدقونها!! وفيما عدا بعض الحكومات العميلة الفاسدة، وفئات قليلة من المفتونين بزيف الحضارة الأميركية وديمقراطيتها الخادعة، فإن أحرار وشرفاء العالم ما زالوا مدركين للمخططات الأميركية وأهدافها الطامعة، رافضين لأي تدنيس أميركي لأوطانهم وهوياتهم وحرياتهم.



 

كيف لي أن أصدّق أن أميركا وحلفاءها الأوروبيين الذين قادوا آلتهم العسكرية وخططهم السياسية القذرة لقتل المسلمين في كل مكان، وإضعافهم وإنهاكهم سياسيًا واقتصاديًا، وغزوهم فكريًا وثقافيًا... كيف أقتنع فجأة أنهم باتوا حريصين على مصالحنا وتلبية احتياجاتنا؟!



 

كيف لي -كامرأة مسلمة- أن أشاهد الوحشية الصهيو-أميركية تقف بشكل مباشر وغير مباشر أمام قتل المسلمات وتعذيبهن وأسرهن ومرضهن وفقرهن، في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، ثم أقتنع بأن أميركا هذه تدعمني كمسلمة سعودية وتساعدني وتهتم لمصالحي؟!



 

تلك السياسة العوراء الحمقاء التي عجزت عن حل مشكلة المرأة الأميركية في الداخل وفشلت في حمايتها وإنقاذها من ملايين الجرائم المرتكبة ضدها كجرائم العنف، (القتل والضرب والاغتصاب) وجرائم التمييز والمشكلات الصحية والنفسية المتراكمة والمتزايدة بنسب عالية وخطيرة. ثم تأتي اليوم لترسل رسالتها من الكونجرس، معلنةً دعمها ومساندتها القوية لحقوق المرأة السعودية.



 

لقد جاء في الرسالة التي وجّهها بعض أعضاء الكونجرس الأميركي لصاحبة حملة قيادة السيارة ـوالتي اختارت لمطالباتها أسلوبًا يفتقد الحكمة والتأني ويتعمد تحدي الأنظمة والمجتمع وفرض الأمر بالقوةـ : "إننا كأعضاء في الكونجرس، نفخر بوقوفنا إلى جانبك وجميع النساء السعوديات اللاتي تمثلينهن لمواصلة أهدافك، ونتمنى أن نقدم لك الدعم لمساعدتك لمواصلة جهودك لدعم المرأة السعودية، متطلعين إلى مزيد من تقدم".



 

ألا يحق للسعوديين بعد هذه الرسالة تحديدًا وما سبقها من أحداث أن يشتبهوا بكل الدعوات التي تربط نفسها بجهات خارجية معينة، وينتفضوا ضد هذه التدخلات في شؤونهم الداخلية وقراراتهم المجتمعية الخاصة؟!



 

ما الذي يعرض الأميركيون تأييدهم عليه؟ هل على قضايا أساسية تتعلق بكرامة المرأة وإنسانيتها، تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة لها، انتشالها من الفقر والأمية!! أم أن كل هذه الضجّة لأجل أن تذهب المرأة لوجهتها بأن تقود بنفسها بدل أن يقود بها زوجها أو أخوها أو حتى السائق !!!



 

لماذا هذا التصعيد والاستقواء بالأجنبي؟ ثم نلوم المجتمع السعودي إن هو اشتبه بأمر تلك المطالبات ووقف بقوة ضدها.



 

التقارير والوثائق تشير لضغوط أميركية لإجراء تغييرات تفرضها وتحددها أميركا ذاتها (وهنا لا يهمهم إن كانت هذه التغييرات تتلاءم مع توجهات أهل البلد الدينية والاجتماعية، ورغباتهم وما يرونه محققا لمصالحهم، أو تتعارض تماما مع إرادتهم وخيارهم).



 

رسالة الكونجرس الأميركي كان قد سبقها أيضا خطاب مشابه أرسله 14 عضوًا في البرلمان البريطاني مناصرةً لإحدى الناشطات الليبراليات التي طالبت بإسقاط ما يعرف شرعا بوجود (الولي أو المحرم) عند الزواج أو السفر.



 

لقد بدأ المجتمع السعودي حقا يضيق ذرعًا بتلك العلاقات التي تتكشف له يوما بعد آخر بين بعض مطالبات الليبراليين في الداخل والجهات الخارجية الداعمة.



 

فما بين إشارة النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز وحديثه التحذيري لزوّار السفارات والقنصليات الغربية، واعتراف بعض المثقفين بمحاولة السفارة الأميركية أن تعرض عليهم مساعدات وحوافز مادية ومعنوية لخدمة أجندة غربية محددة، وبين بعض التحركات المكشوفة والمرصودة لسفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا لدعم وتعزيز تحركات تغريبية وليبرالية في المجتمع، وخاصة ما يتعلق بقضايا المرأة، ثم التغطيات الإعلامية الهائلة من قبل وسائل الإعلام الغربية لمواضيع سطحية وتافهة يثيرها بعض الصحافيين السعوديين، وفيها الكثير من تشويه صورة المجتمع وخلط الحقائق وتضخيمها.



 

وقائع كثيرة تجعلنا نحزن بحق لهذا الاستفزاز المتواصل والطرق الدائم لقضايانا الخاصة من قبل جهات خارجية، تقوم بتوظيف أبنائنا ـعلموا أم لم يعلمواـ بغية إلحاق الأذى وبث الفتنة بيننا. وإشغالنا عما يستحق الانشغال به والعمل لأجله.

 

 

ريم سعيد آل عاطف