أثر قاعدة الضرورات تبيح المحظورات

منذ 2014-03-03

أن الشريعة حرّمت الأفعال المفضية إلى المفاسد، كالوقوع في المحرمات، أو إهمال الواجبات، حتى وإن كانت غير ضارة، أو كان فيها نفع لا يوازن ما تُفضي إليه من فساد، فإذا كان في هذه الأفعال مصلحة ترجح على ما تفضي إليه من مفاسد، فإن الشارع يبيح ذلك الفعل، ويأذن فيه، جلبًا للمصلحة الراجحة.

 

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:
 

تحدثنا في العدد الماضي عن قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وناقشنا بعض المسائل فيها، ونكمل اليوم فنقول: وبالله تعالى التوفيق:


المطلب الرابع: فقه الموازنات والترجيح

تحكم فقه الموازنات والترجيح قاعدة ذهبية، استخلصها علماء الأصول والفروع من مجموع أدلة وتطبيقات عملية ومقتضيات مقاصد الشرع الإسلامي.
 

مضمون القاعدة:
 

ما حُرّم سدًا للذريعة أخف مما حرّم تحريم المقاصد، أو ما حرّم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة، أو ما كان منهيًا عنه للذريعة فإنه يُفعل لأجل المصلحة الراجحة، أو الحرام لذاته تبيحه الضرورة، والحرام لغيره تبيحه الحاجة أو المصلحة الراجحة.
 

دليل القاعدة:
 

ما أخرجه الترمذي من حديث الحجاج بن أرطأة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نسيئًا، ولا بأس به يدًا بيد». قال الترمذي: حديث حسن، مع حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، وكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة.

 

فالنهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، إنما كان لأنه ذريعة إلى النسيئة في الربويات، فسدّ عليهم الذريعة، وأباحه يدًا بيد، ومنع من النساء فيه، وما حرم للذريعة يباح للمصلحة الراجحة، وفي حديث ابن عمرو إنما وقع في الجهاد وحاجة المسلمين إلى تجهيز الجيش، ومعلوم أن مصلحة تجهيزه أرجح من المفسدة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، والشريعة لا تعطل المصلحة الراجحة لأجل المرجوحة.
 

معنى القاعدة:
 

أن الشريعة حرّمت الأفعال المفضية إلى المفاسد، كالوقوع في المحرمات، أو إهمال الواجبات، حتى وإن كانت غير ضارة، أو كان فيها نفع لا يوازن ما تُفضي إليه من فساد، فإذا كان في هذه الأفعال مصلحة ترجح على ما تفضي إليه من مفاسد، فإن الشارع يبيح ذلك الفعل، ويأذن فيه، جلبًا للمصلحة الراجحة، فهذه القاعدة تمثل جانبًا من جوانب الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن درء المفسدة ليس أولى من جلب المصلحة دائمًا، بل قد تجلب المصلحة وإن ترتب على جلبها مفسدة، إذا كانت المصلحة تحقق نفعًا أكثر من دفع المفسدة.

 

بعض تطبيقات القاعدة:
 

1- أخرج البخاري [2/54]، ومسلم [2/977] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم».
 

"فهذا نهي لسد الذريعة، لما يفضي إليه من فساد يتمثل في النظر إليها، والخلوة بها، واحتمال الوقوع في الفاحشة، وقد أُبيح للمصلحة الراجحة، كسفر أم كلثوم من دار الحرب، وكسفر عائشة رضي الله عنها لما تخلفت مع صفوان بن المعطل رضي الله عنه- فإنه لم ينه عنه إلا لأنه يفضي إلى المفسدة، فإذا كان مقتضيًا للمصلحة الراجحة لم يكن مفضيًا إلى المفسدة". (مجموع الفتاوى) [3/186 187].

 

2- أخرج البخاري [3/97]، ومسلم [3/1208]، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائبًا بناجز».
 

فهذا نهي لسد ذريعة الوقوع في الربا المحرم، وعلى هذا: فالمصوغ والحلية: "إن كانت الصياغة مباحة، كخاتم الفضة وحلية النساء، وما أبيح من حلية السلاح وغيرها، فالعاقل لا يبيح هذه بوزنها من جنسها، فإنه سَفَه وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه؛ لحاجة الناس إلى ذلك، فلم يبق إلا جواز بيعه كما تُباع السلعة، يوضحه أن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان، كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، يوضحه أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدًّا للذريعة كما تقدم بيانه وما حرّم سدًّا للذريعة أُبيح للمصلحة الراجحة". (إعلام الموقعين) [3/405 408].
 

3- "يجوز إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة أو العدل، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم، فهذا إخراج عشر الدراهم يجزئه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك، ومثل أن يجب عليه شاة في خمس الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كافٍ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة؛ لكونها أنفع، فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء" (مجلة العدل- الرياض- 1422هـ ص149).
 

"وقد نص العلماء على أن الحاجة ترجح المختلف فيه، بشرط أن تلجئ إليه الضرورة، وألا يكون ضعفه شديدًا جدًّا، وأن تثبت نسبته إلى قائل يقتدى به علمًا وورعًا". (حاشية على شرح الزرقاني) [5/124].

المبحث الثاني: أثر الضرورة والحاجة في بعض القضايا المعاصرة
 

نتناول في هذا المبحث أثر الضرورة والحاجة في بعض قضايا العبادات والمعاملات التي تواجه كثيرًا من المسلمين في الوقت الراهن، وذلك في ستة مطالب:


المطلب الأول: أثر الضرورة والحاجة في مواقيت الصلاة

 

القضية:

 

يختلف وقت صلاة الفجر وصلاة العشاء في المناطق التي يطول فيها النهار أو يقصر، بحيث يشق على المسلم الالتزام بالمواقيت.
 

الاجتهاد:
 

فرض الله تعالى خمس صلوات على المسلم، وقدّر لها أوقاتها: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء:103]، وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} [هود: من الآية114].

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو قتادة رضي الله عنه: «إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى». مسلم بشرح النووي [5/184].

 

لا فرق في ذلك بين مسلم يقيم في بلاد معتدلة الدورة اليومية، وبين مسلم يقيم في بلاد فقدت فيها علامات أوقات الصلاة، فطال نهارها أو ليلها لدرجة غير مألوفة، إلا أنه في بعض البلاد يطلع الفجر قبل غياب الشفق؛ حيث يكون العرض تسعًا وأربعين درجة وثلاثًا وثلاثين دقيقة، لمساواة مجموع غاية المنقلب الشتوي والميل لتمام العرض: "فإن نقصت غاية النظير عن سبعة عشر: فالنصف الأول من الليل حصة الشفقة، والنصف الثاني حصة الفجر، وينعدم جوف الليل وهو الظلمة التي بعد مغيب الشفق وقبل طلوع الفجر وعند الحنفية: تسقط عن أهل هذا المكان صلاة العشاء؛ لأن الوقت عندهم سبب، ويلزم من عدمه العدم". (العذب الزلال) [ص260-261].
 

ومن محاسن الشرع الإسلامي: أن الله تعالى جعله سمحًا يسع الإنسان بدون حرج أو ضيق أو مشقة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: من الآية286]، {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: من الآية185].

 

وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بُعثت بالحنيفية السمحة». (الحديث ورواياته وطرقه في كشف الخفا ومزيل الإلباس) للعجلوني [1/251]، وقال: «فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». البخاري مع الفتح [13/251]، ومسلم بشرح النووي: [9/101].

 

نجد مظهرًا لهذه السماحة وذلك اليسر فيما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته". مسلم [1/490].

 

أخذ بظاهر هذا الحديث وقال بمشروعية الجمع للحاجة: ابن المنذر، وابن سيرين، وابن شبرمة، وربيعة، وأشهب، والقفال الكبير، ويحكيه عن أبي إسحاق المروزي، وحكاه الخطابي عن جماعة من أهل الحديث. وحمله الجمهور على أنه رخصة للمريض والمرضع، وحمله البعض على الجمع الصوري: بأنه صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها.
 

قال ابن المنذر: "ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: "أراد أن لا يحرج أمته". (فتح الباري) [2/184،676].
 

وممن أخذ بظاهر الحديث سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، حيث قال: "فعلم بهذا الحديث أنه إذا كان يلحق الإنسان حرج في الصلاة في وقتها، فله أن يجمعها إلى ما بعدها، أو يجمعها إلى ما قبلها، إذا كانت صلاة تجمع إلى ما بعدها أو ما قبلها، والذي يجمع كما هو معروف لكم هو الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء". (وصايا وتوجيهات خاصة بالمبتعثين ومن في حكمهم) [ص54].

 

كما أخذ بظاهر الحديث الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، قال: "جواز الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في أوروبا في فترة الصيف، حين يشتد تأخر وقت العشاء إلى منتصف الليل أو بعده، والناس يطالبون بالذهاب إلى أعمالهم في الصباح الباكر، فكيف نكلفهم السهر لأداء العشاء في وقتها، وفي ذلك حرج وتضييق عليهم، وهو مرفوع عن الأمة بنص القرآن، وبما قاله راوي حديث الجمع بين الصلاتين في الحضر: ابن عباس رضي الله عنه، بل يجوز الجمع في تلك البلاد في فصل الشتاء أيضًا، لقصر النهار جدًّا، وصعوبة أداء كل صلاة في وقتها للعاملين في مؤسساتهم، إلا بمشقة وحرج، وهو مرفوع عن الأمة".
 

ونحن نرى والله أعلم أن الاختلاف حول ميقات صلاة الفجر وصلاة العشاء في بعض البلاد، سواء كان ذلك نتيجة طلوع الفجر قبل دخول وقت العشاء، أو كان بسبب طول النهار جدًّا أو قصره كذلك، بحيث يشق ذلك على الناشئين وغيرهم:

 

أولاً: هذا الاختلاف لا يُسقِط صلاة العشاء، كما يراه بعض فقهاء المذهب الحنفي.
 

ثانيًا: يمكن عدّ هذا الاختلاف المناخي عذرًا يرخص في جمع صلاة العشاء مع صلاة المغرب طوال فترة عدم التوازن الفلكي بين النهار والليل، حتى إذا اعتدل الزمان، وصارت المشقة محتملة، تسقط الرخصة في التيسير بالجمع، وهذا ما عبّر عنه العلماء الذين أخذوا بظاهر حديث ابن عباس، حين قالوا: "يجوز إذا كانت حاجة أو شيء، ما لم يتخذه عادة"[ابن قدامة: المغني: 3/137].


المطلب الثاني: أثر الضرورة في إخراج زكاة الفطر
 

القضية:
 

اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأنواع التي وردت في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما : "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير". البخاري [1432]، ومسلم [984].

 

والأنواع التي وردت في الحديث المتفق عليه عن أبي سعيد رضي الله عنه: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب". البخاري [1435]، ومسلم [985].
 

وأكثر الناس في الوقت الراهن وخاصة أهل المدن لا يعدّون هذه الأصناف مغنية لهم عن السؤال في يوم العيد، فهم يحتاجون إلى النقود يشترون بها الطعام المناسب والكساء اللازم، ويسدون بها ديونهم.

 

الاجتهاد:

 

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، حذرًا من العدول عن المفروض، وأجاز فقهاء الحنفية إخراج القيمة في زكاة الفطر؛ لأن الواجب إغناء الفقير عن المسألة، والإغناء يحصل بالقيمة.
 

ونرى والله أعلم: أن مراعاة المصالح والحاجات من أعظم مقاصد الشريعة، ولهذا يجب أن ينظر من وجبت عليه زكاة الفطر إلى حال من يصرف إليهم الزكاة: إن كانوا ممن تفيدهم هذه الأصناف أو بعضها، وكان لديهم مكنة استخدامها في طعامهم، فإن الواجب إخراجها عينًا، وإن كانت الأخرى كما هو حال أهل المدن فلا مانع من إخراج القيمة؛ لحاجتهم إلى النقود أكثر من حاجتهم إلى هذه الأصناف، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رأي سديد في إخراج القيمة في زكاة المال بناء على الحاجة والمصلحة الراجحة، قال رحمه الله: "والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به، وقد نص أحمد على جواز ذلك".

 

كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن: "ايتوني بخميص أو لبيس، أسهل عليكم، وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار، وهذا قد قيل: إنه قاله في الزكاة، وقيل: في الجزية". (مجموع الفتاوى) [25/82-83].


المطلب الثالث: أثر الضرورة في وقت رمي الجمار
 

القضية:
 

يصعب على كثير من الحجاج أن يرمي الجمرات بعد الزوال؛ لشدة الزحام، بعد أن تزايدت أعداد الحجيج، مع كل الجهود التي يبذلها المسئولون، فهل ترخص هذه الضرورة أو الحاجة والمشقة في الرمي قبل الزوال؟
 

الاجتهاد:
 

يرى جمهور الفقهاء: أن من عجز عن الرمي نهارًا، جاز له أن يرمي ليلاً، لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل يوم النحر بمنى، قال رجل: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: «لا حرج». البخاري [2/212-215].
 

وفي وجه عند الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة: أنه لا يجوز الرمي بعد غروب الشمس، فإن أخّر الرمي إلى الليل لم يرم حتى تزول الشمس من الغد.


 

وقد نقل ابن رشد ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها، كما روي عن الإمام أبي حنيفة: أن الأفضل أن يرمي الحاج في اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز.
 

وفي المذهب الحنبلي أقوال تؤيد الرمي قبل الزوال، فجوّزه ابن الجوزي، وابن منصور، وجزم به الزركشي، وهو رأي ابن الزاغوني في مناسكه، وفي المغني: أن إسحاق وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال، ولا ينفر إلا بعد الزوال، وعن أحمد مثله، ورخص عكرمة في ذلك أيضًا، وقال طاووس: يرمي قبل الزوال وينفر قبله.
 

ولعل هؤلاء الفقهاء قصدوا التخفيف عن الحجاج عن مشقة الزحام الذي يتأتى من الرمي في وقت واحد، كما قصدوا التيسير على المتعجل إذا كان يريد اللحاق بركبه، أو الرجوع إلى أهله في وقت معين، فلعل الرمي قبل الزوال أمر يتفق مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مَن سأله يوم النحر عن تقديم أو تأخير: «افعل ولا حرج» كما أنه يتفق مع المقاصد الكلية للشريعة، ويوجبه رفع الحرج عن المسلم ودفع الضرر عنه.

 

وللحديث بقية إن شاء الله.

 

 

 محمد جبر الألفي