السعادة، السهل الممتنع

منذ 2014-03-05

هذا البحث الشائك، كان موضوع محاضرة لفضيلة شيخنا الدكتور ناصر العمر المشرف العام على موقع المسلم، ثم استُؤْذِن حفظه الله في طباعة النص فأَذِن بذلك، وكان هذا الكتيِّب الجميل.

هذا البحث الشائك، كان موضوع محاضرة لفضيلة شيخنا الدكتور ناصر العمر المشرف العام على موقع المسلم، ثم استُؤْذِن حفظه الله في طباعة النص فأَذِن بذلك، وكان هذا الكتيِّب الجميل.

نصف القضية بأنها شائكة ومعقدة، لأنها -حقاً- كذلك، فطلب السعادة هو القاسم المشترك الأبرز بين البشر في كل زمان ومكان -بتعبير الشيخ هي مطلب للناس مؤمنهم وكافرهم، بَرِّهم وفاجرهم غنيهم وفقيرهم-، وما من قضية تختلف أنظار أهل الفكر فيها كقضية السعادة: ما هي؟ وكيف تتحقق؟

يبدأ شيخنا الكريم من نقطة أسبق موضوعياً، هي أن هنالك سعادة متوهمة في مقابل السعادة الحقيقية!! الأولى سراب يخدع الساذجين، بل إنه يفتن بعض الدعاة أحياناً من خلال وساوس الشيطان الذي يثير في نفسه مقارنة جائرة، بين ما يلاقيه ذلك الداعية من عقبات وما يعانيه من مشاقّ، بينما ينعم فسقةٌ وكفرةٌ بكثير من نِعَم الدنيا ومتاعها الزائل.

بعد عرض تعريفات لغوية واصطلاحية للسعادة، يضع الشيخ العمر ثلاثة أركان لبلوغ السعادة الحقة، هي:

1- خيرية الذات

2- خيرية الحياة

3- خيرية المصير

وفي المقابل، يتصدر تكديس الأموال هرم السعادة الموهومة، فهو الأكثر شيوعاً بين الناس، يقوله كثير من الأغنياء بألسنتهم ويخفيها بعضهم في قلوبهم، وينظر بعض الفقراء إلى المال نظرة هؤلاء الأغنياء، فيتصورون أنهم لو اغتنوا لأصبحوا سعداء.

ويقول الشيخ: ليس كل صاحب مال سعيداً، فخزن الأموال يتطلب حرصاً وجهداً لجمعه ثم لاستثماره وحفظه ثم ينتاب صاحبَه القلقُ خشية فقده!!

وكم من غني تم اختطافه أو قتله بسبب أمواله؟ وكم من ثري فقد عقله أو لقي حتفه نتيجة خسارته صفقة ضخمة.

وينتقل الشيخ ناصر من الملاحظات العامة التي يلمسها الإنسان في حياته اليومية، إلى نماذج شهيرة لم يكن ثراؤها مصدراً للسعادة وإنما كان وبالاً عليه..

الاسم الأكثر شهرةً في هذا الميدان هو قارون، حيث يروي المحاضر الفاضل قصته مختصرة، من خلال نصوص الآيات القرآنية الكريمة بخاصة الآيات 79-81 من سورة القصص، فكانت نهايته وخيمة وعبرة لكل من يعتبر.

ومن الزمن الموغل في القِدَم، يأخذنا الشيخ إلى كريستينا أوناسيس، ابنة الثري اليوناني الشهير الذي ورثت عنه خمسة مليارات دولار بأسعار ما قبل 30-40 سنة، وأساطيل طيران وسفن وبضع جُزُر بما فيها وما عليها من منشآت ضخمة ومكلفة...

فهل أسعدتها تلك الأموال الطائلة؟ أبداً فقد ماتت أمها بعد حياة مأسوية، كان الطلاق بعضاً من عناوينها، وهلك أخوها في حادث طائرة كان يلهو بها.

ولم تعرف كريستينا طعم الحياة الزوجية الهانئة، فلم تدم أي من زيجاتها أكثر من شهور معدودة -أطولها 12 شهراً!!- ثم سئلت المرأة في فرنسا: أأنتِ أغنى امرأة في العالم؟ فقالت: أجل لكنني أشقى امرأة في العالم!!! وأخيراً عثروا على جثتها في شاليه بالأرجنتين وحيدة بائسة.

والشهرة تأتي بعد المال في عوامل السعادة الوهمية، فيعرض الشيخ نماذج من أهل الرياضة والفن، ثم يعرّج المحاضر الكريم على أصحاب الشهادات ثم ذوي المناصب الرفيعة (شاه إيران -الرئيس الفلبيني الأسبق ماركوس- إمبراطور إفريقيا الوسطى بوكاسا).

بعد تلك الجولة الموثقة، يأتي الشيخ في محاضرته إلى التحذير من موانع السعادة، ويتصدرها الكفر ثم المعاصي ثم الظلم والغيرة والحسد والحقد والغل والغضب والتشاؤم وسوء الظن والكبر والتعلق بغير الله تعالى.

وفي الختام نقف على أسباب السعادة وصفات السعداء، وأهمها: الإيمان بالله وعمل الصالحات والرضى بقضاء الله وقدره، وطلب العلم الشرعي والتزام مقتضياته في الحياة.

حقاً، هي رسالة صغيرة الحجم (31 صفحة)، لكنها مليئة بالفائدة والمتعة.

 

مهند الخليل