عرض المربي ابنتيه على الرجل الصالح

منذ 2014-03-05

عندما وصفت ابنة شعيب موسى بالقوة والأمانة قال لها أبوها: "ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة عن البئر ليسقي لنا غنمنا، وأما أمانته ففي طلبه مني أن أسير خلفه فإذا اختلف عليه الطريق قال لي: فارم لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه".

عندما وصفت ابنة شعيب موسى بالقوة والأمانة قال لها أبوها: "ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة عن البئر ليسقي لنا غنمنا، وأما أمانته ففي طلبه مني أن أسير خلفه فإذا اختلف عليه الطريق قال لي: فارم لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه".
وهذا الكلام من تفسير ابن كثير وابن عطية، فأخذ ذلك الشيخ هذه الكلمات من ابنته ودار بينه وبين موسى عليه السلام حوار آخر قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:25]. فاستيقن الشيخ من صلاح موسى واطمئن له، وعلم بحسن تربيته ونبل أخلاقه وكرم أصله، فما كان من ذلك المربي الحكيم إلا أن عرض على موسى عرضاً جمع فيه جميع المصالح..

قال الله تعالى على لسانه: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [القصص:27-28]، ففي هذا العرض أولاً وليس آخراً مصلحة لإحدى بناته حيث اختار لها زوجاً صالحاً، وثانياً فائدة لابنته الأخرى في عدم خروجها لسقي الأغنام وعدم اختلاطها بالرجال، وثالثاً مصلحة للشيخ نفسه، فهذا الرجل القوي الأمين اذا استأجر على مال فلا شك يزيد ويربوا معه المال بإذن الله فضلاً عما فيه من مصلحة موسى، وهو توفير زوجة ومسكناً آمناً له يأمن فيه على نفسه، يغيب به عن فرعون وجنوده حتى يكون أمره قد نسوه بعد هذه المدة التي حددها له الشيخ.

وهنا يتضح لنا أنه لا غرابة ولا عجب من أن تفكر تلك الفتاة بهذا التفكير الثاقب، فقد تربت على يد مربي حكيم يمسك بتلابيب الأمور في فطنة، وذلك منقطع النظير فكما يقولون: "هذا الشبل من ذاك الأسد" وكما قال الشاعر:
 

وناشئ الفتيان فينا *** ينشأ على ما كان عوده أبوه


كما أن هذا الرجل قد عرض على موسى ذاك العرض في بساطة وصراحة، بدون تحرج أو تردد، ولا إيماء ولا تلميح لأنه يعرض نكاحاً لا تخجل منه، لأنه يعلم من أخلاق موسى ما يمكن له من ذلك ليهدم بذلك تلك الأفكار المنحرفة والفطر الشاذة، والتقاليد الباطلة التي عليها مجتمعاتنا، حيث تمنع ولي الأمر من أن يعرض ابنته على من يرتضي من الصالحين، وما أندرهم في مجتمعنا، ومع ذلك فهم يسمحون لبناتهم بالتحدث والاختلاط والجلوس..! بل ومصاحبة الشباب بدون خطبة ولا نكاح! فهذه المحرمات لا يخجلون منها! أما عرض الخطبة والنكاح وما يدعو إلى العفة فيحل عليهم الخجل المصطنع، وتظهر الحوائل المتكلفة، وما ذلك كله إلا من عمل الشيطان..

ومما يؤخذ أيضاً من هذا الموقف: أن الوحي عليه أن مهرا ابنته بطلب مهر لها، وأن يخجل في طلب ذلك وأيضاً لا يبالي فيه، بل عليه أن يكون وفق طاقة وقدرة الزوج، فموسى جاء إلى أرض مدين هارباً فاراً من بطش فرعون، لا يملك نقوداً ولا مال، لذلك عرض عليه الشيخ نظير خدمته، وهذه الخدمة يقدر عليها موسى بل هو أنسب شيء له، فضلاً عما كان من وضوح الشروط التي عرضها الشيخ على موسى، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه العقد، فلا غموض ولا التواء. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد سلامة الغنيمي

باحث بالأزهر الشريف