الموت عظة

منذ 2014-03-07

ويزداد ألم الإنسان حينما يصارع قريبه مرضاً مزمناً لا برء منه سوى الاستسلام والخنوع لرب السماوات بالدعاء أن يخفف الأوجاع على من تراه عينك وأنت عاجز على مساعدته، وتبقى الحسرة في القلب تتكور حتى تغطيه بالأحزان.

عندما تشعر أن قريبك قد أصابه ألم تسرع لنجدته، وإذا وجدته يترنّح في مرضه تهب لمساعدته، تنقله لأقرب مستشفى لعلاجه، تستدعي له الطبيب ليخفف آلامه، ويزيل الجرح أو القرح الذي أصابه، تفعل المستحيل حتى يبرأ من مرضه ويشفى، لا ترضى أن تتركه يتلوّى، فالإنسان ضعيف يمكن أن يهوي في أي وقت لسبب بسيط، لكن ماذا لو وجدت قريبك يصارع الموت أو يعالج سكرات الموت فماذا أنت فاعلُ؟

تبقى شاخص البصر، تريد أن تفعل شيئاً لكنك عاجز عن فعل أي شيء، تحاول أن تنقذه، لكنك لا تعي ما يجري له، تبقى حائرا طوال الوقت حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ترى الروح تخرج من جسده رويداً رويدا، لا تستطيع أن توقفها، وددت لو أن لديك عصا موسى حتى تردها، ولكن قضي الأمر وانتهى الأجل، وحان الموعد وبدأ السفر، تلك هي موعظة الموت التي لم يستطع إنسان على وجه الأرض أن يقرأ كنهها أو أن يعاكسها، أو يوجد لها حلا سوى الاستسلام لأمر الله الذي أراد أن ينهي الأجل بنفسه في أجل محدد لا يعلمه الإنسان حتى يبقى طوال عمره قريباً من الرحمن.

ويزداد ألم الإنسان حينما يصارع قريبه مرضاً مزمناً لا برء منه سوى الاستسلام والخنوع لرب السماوات بالدعاء أن يخفف الأوجاع على من تراه عينك وأنت عاجز على مساعدته، وتبقى الحسرة في القلب تتكور حتى تغطيه بالأحزان، رأيت ذلك في أخي الأصغر مني سناً عندما كان يصارع المرض وهو في أحلى أيام شبابه، رأيت ذلك في وجهه وهو يخفي الألم ويبتسم لي، وكأنه يقول لي لا تحزن فإني بخير والحمد لله، رغم الخوف من الغد بدت نفسه مطمئنة، وقلبه بالله موصل، ينظر في الوجوه التي حوله ويستقرئ منها الحزن والوجل، ولكن الإيمان بالله والثقة في عدله أسكناه وجعلاه يهدئ من روعه نحو أمل ينتظره خير وأبقى.

تعلمت في تلك اللحظة أنني عاجز، فلا المال يجدي ولا المنصب يغني، تعلمت أن الدعاء هو السبيل الوحيد للخلاص من حالة الحزن، تسمع كلاماً من هنا وهناك من أناس همهم الثرثرة في الحياة، ولكنك تتجه نحو طريق واحد هو طريق الله، قلت في نفسي هذا حال أخيك فكيف يكون حالك بعد سنوات؟ وكم ستبقى بعده من الأعوام؟ وكيف تلاقي ربك؟ وعلى أي هيئة ستكون؟ أخوك قد حاز السبق للشهادة والخروج من الدنيا آمنا كما أحسب، ولا أزكي أحداً، ولكن عندما نطق بالشهادتين أزال الخوف وخفف الوطء، وسرت في نفسي فحاح الخير، وابتسمت رغم ثقل الموقف والدموع تنهمر من عيني، قلت أراد الله به خيرا، والخير كله لله وحده يمنحه من يشاء من عباده.

تذكرت في هذا الوقت رحيله، تذكرت كل ما يتعلق به، كنت أدعو له وما زلت قبل الغروب وبعده بأن يرحمه ويدخله فراديس جنانه ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، أتخيل مكاني بعد موتي كيف يكون ولو علم الناس ما يجدونه في قبورهم لأتوا إلى الله طائعين وما أغراهم الشيطان يوما، ولكنها الغفلة والنسيان والغرور ووساوس الشيطان تبعد الإنسان عن الرحمان وتغريه بالمال والبنون، لو علم أن حسابه قريب لعلم أن العدة تكمن في الإيمان والعمل الصالح حتى يشتد البنيان، وتقوى حجته يوم القيام، تذكرت تلك اللحظات العصيبة التي مررت بها وهي ما تزال ترن في أذني في كل اللحظات لا تدعني إلا وتذكرني بأني من اللاحقين، فهم السابقون ونحن اللاحقون.

الموت عظة ومن لم تهزه الذكرى يمشي في الدنيا بلا هدف، حتى إذا تعثر تذكر ولكنه لا تنفعه الذكرى حينئذ لأنه تسربل بلباس الدنيا وغاص في بحرها للأبد، وأنا أعيش الذكرى الثانية لأخي الذي توفي قبل سنتين.
 

 

فوزي بن يونس بن حديد