حريةالرِّدَّة
منذ 2007-08-06
أَكَّدَ مُفْتِي مِصْرَ أنَّ من حَقِّ كُلِّ إنسانٍ اختيارَ دِينه، وأنَّ العقوبةَ الدُّنيويَّةَ لِلرِّدَّة لم تُطَبَّقْ على مَدارِ التَّاريخ الإسلاميِّ إلا على هؤلاء المرتَدِّينَ الذِينَ لم يَكْتَفُوا بِرِدَّتِهِمْ، وَإِنَّما سَعَوْا إلى تخريب أسس المجتمع وتدميرها.
وقال جمعة في بيانٍ: "إنَّ اللهَ قد كَفَلَ للبشريَّةِ جمعاءَ حَقَّ اختِيَارِ دِينِهِمْ دُونَ إِكْرَاهٍ أَوْ ضَغْطٍ خارِجِيٍّ، وَالاخْتِيَارُ يَعْنِي الحُرِّيَّةَ، والحُرِّيَّةُ تَشْمَلُ الحَقَّ في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما أنَّ ضَرَرَهَا لا يَمْتَدُّ إلى الآخرينَ".
ونُسِبَ إلى الدكتور علي جمعة في مقالٍ نشره منتدى يَهْتَمُّ بشؤون الأديان، ترعاه صحيفة واشنطن بوست ومجلة نيوزويك وجامعة جورج تاون الأمريكية، قولُه: "إِنَّ الإسلامَ يَكْفُلُ لأَتْباعِهِ حَقَّ اختيارِ دِينٍ غيرِه من دون عِقاب دُنْيَوِيٍّ"، مستشهدًا بآياتٍ قُرآنِيَّةٍ، تُنَاقِشُ حقًّا منحه الله لِكُلِّ البَشَر، وهو حريَّةُ الاعْتِقادِ، لكنه أضاف بحسب ما جاء في المقال أنَّ: "وِجهةَ النظر الدينية ترى أَنَّ تَرْكَ المرْءِ لِدِينِهِ خَطِيئةٌ تَسْتَوْجِبُ عِقابًا إلهيًّا يوْمَ القيامَةِ، وإِذَا كان السُّؤالُ عَنْ رَفْضِ الإِنْسانِ دِينَهُ، فلا عقاب دنيويًّا، أمَّا إذا ارْتَبَطَتْ بِمُحاوَلَةٍ لِتَقْوِيضِ أُسُسِ المُجْتَمَعِ، فَيَجِبُ أَنْ تُحالَ القَضِيَّةُ على جهاز قَضَائِيٍّ يَقُومُ بِدَوْرِه في حِمايةِ المُجْتَمع، وَبِخِلاف ذلك؛ يُتْرَكُ الأمر حتَّى يَوْم القِيامة، ولا يتم التَّعامُلُ مَعَهُ في الحياة الدنيا، إنها مسألَةُ ضمير، وَهِيَ بَيْنَ المَرْءِ وَرَبِّه". اهـ. كلام صاحب الفضيلة.
وأقول: "قد أباحَ الإسلامُ حُريَّة العقيدةِ، بمعنى أنَّه لا يُكْرَهُ أحدٌ على اعْتِناقِهِ ابتداء، ويُسْمَحُ لأهل الكتاب بالبقاء على دِينهم، إلاَّ أنَّه يُلْزِمُهم بالدُّخول تحت سُلطانِه، ودفعِ الجِزْيَةِ، والامتناعِ عن إظهار الكُفْر والدَّعْوَة إليه ونَشْرِه؛ فليس لأحدٍ في دَوْلَة الإسلام أن يَدْعُوَ النَّاسَ إلى الكُفْر، ولا أن يُظْهِرَهُ، لا اليهوديَّة، ولا النصرانيَّة، ولا البوذيَّة، ولا الشُّيوعيَّة، ولا غير ذلك من المذاهب الهدَّامَة".
أمَّا المُرْتَدُّ:
فقد اتَّفَقَ الفُقَهاءُ على أنَّ مَنِ ارتَدَّ من المسلمين أُهْدِرَ دَمُهُ, لَكِنَّ قَتْلَهُ لِلإمامِ أو نائبه, ومن قتله من المسلمين عُزِّرَ فقط; لأنه افْتَأَتَ على حَقِّ الإمام; لأنَّ إِقَامَةَ الحَدِّ له؛ قال ابن قُدامة في المغني: "وأجمع أهل العلم على وُجوبِ قَتْلِ المُرْتَدِّ. ورُوِيَ ذلك عن أبي بكر, وعُمَرَ وَعُثْمانَ, وعلي, ومعاذٍ, وأبي موسى, وابن عباس, وخالد, وغيرهم, ولم ينكر ذلك, فكان إجماعا".
فلا يَجُوزُ إقرَارُ المرتد بعَهْدٍ أو جِزْيَةٍ، وإنَّما يجبُ قَتْلُهُ؛ لأنَّه عَرَفَ فأَنْكَرَ، وأُبْصِرَ فعَمِيَ، وسواءٌ دخل الإسلامَ بالِغًا مُدْرِكًا، أو نَشَأَ فيه صغيرًا.
فإنَّ مَنْ وُلِدَ على الإسلام فقد اجتَمعَ فيه أسبابُ الهِدايَة ودَوَاعِيها؛ من وِلادَتِه على الفِطْرَة، ونَشْأَتِه بين المسلمين، ومعرفتِه بعظمةِ الإسلام؛ فلا يَرْتَدُّ مثلُ هذا إلا لِخُبْثِ نفسِه، ورَدَاءَةِ عَقْلِه؛ فهو نَبْتَةٌ ضالَّةٌ مُنْحَرِفَةٌ، لا خيرَ في بقائها.
وما يُقام على المُرْتَدِّينَ منَ الحَدِّ ليس لإكراههم على الدُّخول في الدِّين، وإنَّما عقوبةٌ لهم على كُفْرِهِمْ برَبِّ العالمين، بعد أن اتَّضَحَتْ لهم سبيلُ الهُدى، واستَظلُّوا بظلِّ الإسلام، واطَّلَعُوا على سَماحَتِه وصلاحِيَتِه لكلِّ النَّاس، وعَلِموا أنَّه هوَ الدِّينُ الحقُّ المُنَزَّلُ من عند الله.
وحريَّةُ العقيدة لا تَسْتَتْبِعُ الخروجَ عنِ الإسلام؛ فالإسلامُ لا يَقْبَلُ الشِّرْكَ بالله، ولا يَقْبَلُ عِبادَةَ غير الله، وهذا من صُلْبِ حقيقة الإسلام. فمَنْ لم يَرْضَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا ورسولاً، واستعاضَ عن ذلك بالعبوديَّة لغير الله، يستحق ما تُوُعِّدَ به من عقاب.
فالذي يَرْتَدُّ عنِ الإسلام، ويَجْهَرُ بارْتِدَادِهِ يُعْلِنُ حربًا على الإسلام، ويَرْفَعُ رايةَ الضَّلال، ويدعو إليها المُنْفَلِتِينَ من غير أهل الإسلام. وهو بهذا مُحارِبٌ للمسلمينَ، يُؤْخَذُ بما يُؤْخَذُ به المُحارِبونَ لدِينِ الله.
والمجتمعُ المسلمُ يقومُ أوَّلَ ما يقومُ على العقيدة والإيمان؛ فهي أساسُ هُوِيَّتِه، ومِحْوَرُ حياتِه، ورُوحُ وُجُودِه، ولهذا لا يُسْمَحُ لأحدٍ أن يَنالَ من هذا الأساس، أو يَمَسَّ هذه الهُوِيَّة فالكفر من أعظم الذنوب وأجلّ جُرم يجترمه المسلم.
ومن هنا كانتِ الرِّدَّةُ كُبرَى الجرائم في الإسلام؛ لأنَّها خطرٌ على شخصيَّة المجتمع وكِيَانِه، والضَّرورَةُ الأولى من الضَّرورات الخَمْس: الدِّين، والنَّفْس، والنَّسْل، والعَقْل، والمال.
ومن المعلوم: أنَّ التَّهاونَ في عقوبة المُرْتَدِّ المُعْلِنِ لِرِدَّتِهِ يُعَرِّضُ المجتمعَ كلَّه للخطر، ويَفْتَحُ عليه بابَ فِتْنَةٍ لا يعلمُ عواقبها إلا الله سبحانه. فلا يَلْبَثُ المُرْتَدُّ أن يُغَرِّرَ بغيره، وخصوصًا الضُّعفاء والبُسطاء منَ النَّاس، وتتكوَّنُ جماعاتٌ مناوِئَةٌ للأُمَّة، تَسْتَبيحُ لنفسها الاستعانةَ بأعداء الأُمَّة عليها، وبذلك تَقَعُ الأُمَّةُ في صراعٍ وتمزُّقٍ فكريٍّ واجتماعيٍّ، وقد يتطوَّر إلى صراعٍ دَمَوِيٍّ، بل حربٍ أهليَّةٍ، تأكلُ الأخضرَ واليَابِسَ.
ولكلِّ ما سبق:
أَوْجَبَ الشَّرْعُ على ولاة أمور المسلمين والعلماء الصادقين والمُصْلِحين الأخذَ على يَدِ السُّفهاء، والتَّصَدِّي للحملات الكُفْرِيَّة التي يقودها الشُّيوعيُّونَ والمنافقونَ في الصُّحُف وفي الجامعات، وهو من أَوْجَبِ واجباتهم، حمايةً للدِّين، ورَدْعًا للزَّنادقة المارِقين.
وما ذَكَرَهُ المفتي المشار إليه في السؤال من حَقِّ الرِّدَّة شُبهَةٌ قديمة قال بها كثيرٌ من المستشرقين، وَقَامَ بِإِحْيَائِهَا في عَصْرِنا كثيرونَ مِمَّنْ يُنْسَبون للعلم وغيرِهم من المنْهَزِمينَ أمام الحضارة الغربية، مِمَّا حَدا بهم إلى الضرب في ثَوَابِتِ الأُمَّةِ وَمُخَالفة الإِجْماعِ اليَقِينِيّ والنُّصوصِ القطعيَّة، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] على حريَّة الرِّدَّة والخروج من الإسلام.
ولا وَجْهَ فيها على ما قالوا؛ لأنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن موقِف المسلمينَ من الكافر الأصليِّ، وهو بخلاف المُرْتَدِّ الذي كان مسلمًا ففارق الجماعة، ومعنى الآية: "لا تُكْرِهُوا أحدًا على الدُّخول في الإسلام؛ فإنَّه بَيِّنٌ واضحٌ، جَلِيَّةٌ دلائلُهُ وبراهينُهُ، لا يحتاجُ إلى أن يُكْرَهَ أحدٌ على الدُّخول فيه"؛ قالَهُ ابنُ كَثيرٍ في "تفسيره".
ومما يُبَيِّنُ ذلك:
سَبَبُ نُزول الآية الكريمة؛ وهو أنَّه: "لمَّا أُجْلِيَ بنو النَّضِير وكان فيهم مَنْ تَهَوَّدَ من أبناء الأنصار قالوا: لا نَدَعُ أبناءَنا؛ فأنزل الله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} "؛ رَوَاهُ أبو داودَ والنَّسائيُّ.
وروى زيدُ بنُ أَسْلَم، عن أبيه قال: سمعتُ عمرَ رضي الله عنه يقولُ لعجوزٍ نصرانيَّةٍ: "أسلِمي أيَّتها العجوزُ تَسْلَمِي؛ إنَّ الله بعثَ محمَّدًا بالحقِّ. قالت: أنا عجوزٌ كبيرةٌ، والموتُ إليَّ قريبٌ؛ فقال عمرُ رضي الله عنه: اللَّهمَّ اشْهَدْ. وتلا: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}".
وجاء عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ هذه الآية نزلتْ فيمَن دخل اليهوديَّةَ من أبناء الأنصار؛ أنَّهم لا يُكْرَهونَ على الإسلام"؛ رَوَاهُ أبو داودَ في سُنَنِه، وهذا القَوْلُ رجَّحَهُ شيخُ المفسِّرينَ ابنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.
أمَّا قَتْلُ المُرْتَدِّ عن دِينه، المُفارِقِ لجماعة المسلمين؛ فهذا حُكْمُ الله ورسوله؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ»؛ رَوَاهُ البُخاريُّ من حديث ابْن عَبَّاسٍ. وقال: «لا يَحِلُّ دَمُ امرئٍ مسلمٍ إلاَّّ بإحدى ثلاثٍ» وذكر منها: «التَّارِكُ لدِينه، المُفارِقُ للجماعة» متفق عليه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود.
وقبل أن يُقْتَلَ المُرْتَدُّ يُسْتتاب فتُعْرَضُ عليه العودةُ إلى الإسلام، ويُذَكَّر بالله عزَّ وجلَّ، ويُمْهَل أيَّامًا ليفيءَ إلى رُشْدِه، مع إعلامِه بالمصير الذي ينتظرُه في الدُّنيا والآخرة إن تمادَى على ارْتِدادِه عن دِينه، مع نُصْحِه وإزالة شُبْهَتِه الدِّينية بمعرفة أحد علماء المسلمين المختصِّين؛ فإنَّ كثيرًا منَ الأفكار المُلْحِدة المستورَدَة تَلبَسُ الآن ثوبَ الدِّين أو المدنية؛ كدعوى الحَداثَة وغيرها؛ فقد دعا أبو موسى الأشعريُّ يهوديًّا أسْلَمَ، ثم تهوَّد عشرينَ ليلةٍ أو قريبًا منها، فجاء معاذٌ فدعاهُ، فأَبَى؛ فضربَ عُنُقَهُ؛ مُتَّفَقٌ عليه، واللَّفْظُ لأبي داودَ.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تَيْمِيَةَ في كتابه الصَّارِم المَسلول، على شاتِم الرَّسول: "هو إجماعُ الصَّحابة رضي الله عنهم وبعضُ الفقهاء حدَّدها بثلاثة أيَّام، وبعضُهم بأقلَّ، وبعضهم بأكثرَ، ومنهم مَنْ قال: يُسْتَتابُ أَبَدًا، واسْتَثْنَوْا من ذلك الزِّنْديقَ؛ لأنَّه يُظْهِرُ خلاف ما يُبْطِنُ؛ فلا توبةَ له، وكذلك سابَّ الرَّسولِ - صلَّى الله عليه وسلم - لحُرْمَة رسول الله وكرامته؛ فلا تُقْبَلُ منه توبةٌ".
فإن أَصَرَّ على القتل، وصبرَ على الكُفْر؛ فليس فيه مثقالُ ذرَّةٍ من خَيْرٍ نافعٍِ، ومثلُ هذا لا يُؤْسَفُ على ذَهابه؛ بل قَتْلُهُ راحةٌ للبلاد والعِباد؛ حفظًا للدِّين، وصيانةً له من أن يتَّخِذَهُ السُّفهاءُ هُزُوًا ولَعِبًا، يؤمنون به وَجْهَ النَّهار، ويَكْفُرون آخِرَهُ؛ ليُدْخِلوا الشَّكَّ والشُّبْهَة على ضِعافِ الإيمان. وصدقَ الله العظيمُ إذْ يقولُ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18].
ولا عَجَبَ أن يَفْرِضَ الإسلامُ قَتْلَ المُرْتَدِّ، فإنَّ كلَّ نظامٍ في العالم حتى الذي لا ينتمي لأيِّ دِينٍ أصلاً يُعَاقِبُ مَنْ خَرَجَ عليه بالإعدام أحيانًا، أوِ السّجْن المؤبَّد، ويُسَمُّونَهُ باسم "الخِيَانة العُظْمَى"؛ فكيف يُحْتَجُّ على الإسلام بقَتْل المُرْتَدِّ عنه وهو دِين الله إلى الثَّقَلَيْن؟
أما قول جمعة: إنَّ العُقوبةَ الدنيوية للردة لم تطبق على مدار التاريخ الإسلامي فخطأ محض والمشهور عند أهل العلم عكسُه؛ فإن قصَّةَ عبد الله بن أبى سَرْح الذي كان يَكْتُبُ لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم ثمَّ ارْتَدَّ مشركًا، وسار إلى قريشٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَر، وفيها أنَّ النَّبِيَّ أَهْدَرَ دَمَهُ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ حتَّى ولو تعلَّق بأستار الكعبة، فاستأمن له عثمانُ بنُ عفان وأتى به تائبًا رَاجِعًا إلى الإسلام، كما في سنن أبي داود وغيره، وحروب الردة التي خاضها أبو بكرٍ ومعه جمهورُ الصحابة ضِدَّ المرتَدِّين كما هو مروي في الصحيحين، قال أبو محمد بن حزم في الملل والنحل: "انقسمتِ العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقسام: طائفة بقيتْ على ما كانت عليه في حياته وهم الجمهور، وطائفة بقيت على الإسلام أيضًا إلا أنهم قالوا نُقِيمُ الشَّرائِعَ إلا الزكاةَ وهم كثير لكنهم قليل بالنسبة إلى الطائفة الأولى، والثَّالثةُ أعلنتِ بالكُفْرِ والرِّدَّةِ كأصحاب طليحة وسجاح وهم قليل بالنسبة لمن قبلهم إلا أنه كان في كل قبيلة مَنْ يُقَاوِمُ مَنِ ارتد، وطائفة تَوَقَّفَتْ فلم تطع أحدا من الطوائف الثلاثة وتربَّصُوا لمن تكون الغلبة، فأخرج أبو بكر إليهم البعوث، وكان فيروز وَمَنْ مَعَهُ غَلَبُوا على بلاد الأَسْوَدِ وَقَتَلُوهُ، وَقُتِلَ مُسَيْلِمَةُ باليمامة، وعادَ طُلَيْحَةُ إلى الإسلام، وكذا سجاح، ورجع غالب مَنْ كان ارْتَدَّ إلى الإسلام فَلَمْ يَحُلِ الحَوْلُ إلا والجميع قد راجعوا دِينَ الإسلام، ولله الحمد".
وفي الصحيحين أن مُعاذَ بنَ جبل لما قدم على أبي موسى في اليمن وجد عنده رَجُلاً موثقًا، قال: "ما هذا؟" قال: "كانَ يَهُوديًّا فأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ"، قال: "اجلس". قال: "لا أجلس حتى يُقْتَلَ؛ قضاء الله ورسوله. ثلاث مرات، فأَمَرَ به فَقُتِلَ، وفي روايةٍ وكان قد اسْتُتِيبَ قبل ذلك".
وروى سعيد بن منصور في سُنَنِه أنَّ أبا مُوسى لما فتَحَ تُسْتَرَ بعث إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر: "هل كان من مغربة خبر؟" قلتُ: "رجلٌ منا كَفَرَ بعد إسلامه" قال: "فماذا صنَعْتُم به؟" قلت: "قَدَّمْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ" قال: "اللَّهُمَّ إنِّي لمْ أَرَ وَلمْ أشهدْ، وَلمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي، ألا طَيَّنْتُمْ عليه بيتًا، وأدْخَلْتُمْ عليه كل يَوْم رغيفًا لعلَّه يَتُوبُ" فأنكر عُمر عليهِمْ قَتْلَهُ بدون استتابة، وصحَّ عن علي بن أبي طالب في خلافته أنه قَتَلَ أُناسًا زَعَمُوا أَنَّه ربُّهم، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "إن إسناد هذا صحيح، وقتل خالد بن عبد الله القسري أميرُ العراق الجَعْدَ بْنَ درهم في مصلى العيد"، وقال: "أيُّها النَّاس، ضَحُّوا تقبَّل اللَّهُ ضحاياكم، فإنِّي مُضَحٍّ بالجَعْدِ بْنِ دِرْهَم؛ فإنَّه زعم أنَّ الله لم يتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولم يُكَلِّمْ مُوسى تَكليمًا ثم نَزَلَ فَذَبَحَهُ".
وَقَتَلَ سَلَمَةُ بْنُ أحوزَ بخراسان الجَهْمَ بْنَ صفوان إمامَ الجهميَّة الضالّ، وقتل المسلمون بحلب في زمن صلاح الدين السهروردي على الزندقة، وصُلِبَ الحلاَّج حتى قُتِلَ، وغيلان القَدَرِيّ، ومُحَمَّد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى.
وقد أجابَ فضيلةُ الأُستاذ الدكتور/ نصر فريد واصل عُضو مجمع البحوث الإسلامية ومفتي مصر الأسبق على دعاوى المفتي؛ حيث قال كما في صحيفة الخليج الإماراتية الجمعة 27-7-2007: "إن الخروج من الدين الإسلامي يخضع لقواعدَ شرعيَّةٍ وفقهيَّةٍ لا يَستطيعُ أحدٌ الالتفافَ حولها، والمسلمُ الذي يفكِّرُ في تَغييرِ دِينه يَخْضَعُ للأحكام الشرعيَّةِ التي تَتَحَدَّثُ عَنْ عُقوبة المُرْتَدّ، وقدِ اتَّفَقَ جُمهورُ العُلَماءِ على حَدِّ الرِّدَّةِ وتَطْبِيقِ العُقوبَةِ، وإِنِ اخْتَلَفَ العُلماءُ على مُدَّةِ الاسْتِتابةِ، وَهَلْ هِيَ ثلاثةُ أَيَّامٍ أَمْ طِيلَةَ العُمر؟". وقال: "إننا مُطالَبُونَ كمُسْلِمينَ بِإِنزالِ الأحكامِ الفِقْهِيَّةِ على أَرْضِ الوَاقِعِ حتى لا نَتْرُكَ المساحَةَ خاليةً أمامَ الأدْعِياءِ الذِينَ يُشَوِّهُونَ الدِّينَ الإسلامي"، وقال: "يَجِبُ على الجميعِ الوقوفُ أمامَ قَضيَّةِ المُرْتَدِّينَ عَنِ الإسلام بِمُنْتَهَى الحَزْمِ؛ حتَّى لا يَسْتَغِلَّ أصحابُ المُنَظَّمَاتِ التبشِيرِيَّةِ صَمْتَنَا وَهَفَوَاتِ العُلَماءِ كَيْ يَزيدوا مِنْ أَنشطَتِهِمُ المُعادِية للإسلام، وفي ظِلِّ امتلاكِهِمُ المالَ فإنهم من الممكن أَنْ يَسْتَغِلُّوا ضِعافَ النفوس منَ الفُقَراءِ المسلمين، وَيَتِمّ إغراؤُهُم بالمال لتَغْيِيرِ دِينِهِمْ، وَيَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ هُنَاكَ جُهُودًا غَرْبِيَّةً تسعى مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ عامًا لِتَرْسيخِ حَقِّ المسلم في تَغْيِيرِ دِيانَتِه حتّى تفتح مجال العمل أمام المُنَظّمات التّنصيريّة".
المصدر: خاص بطريق الإسلام
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف: