بوتين.. حاجة أمريكية صهيونية

منذ 2014-03-09

إن محنة الشعب السوري التي ما كان لها أن تستمر لولا المؤامرة الصليبية الصهيونية الصفوية عليها، أثبتت لكل ذي عينين أن بوتين حاجة شديدة الأهمية للنفاق الغربي بعامة والأمريكي منه بخاصة، ولو لم يكن بوتين موجوداً لسعى القوم إلى إيجاده.

عجيب وغريب حال بعض المسلمين، الذين يستبسلون ويبذلون أقصى جهودهم لنفي وجود مؤامرة غربية كبرى على الإسلام والمسلمين، بالرغم من أن الشواهد عليها تطل برأسها صباح مساء، بعد أن تخلى القوم عن (تقيتهم) وباتوا يلعبون على المكشوف كما يقال في الدارجة. بعضهم يقعون في هذه الحفرة نتيجة سذاجة لا تليق بمثقفين، وبعضهم الآخر يفعل ليس باقتناع وإنما خوفاً من الترهيب الممنهج الذي تشنه أبواق التغريب على كل من يُعَرِّي تآمر سادتهم على أمتنا.

وما دام هؤلاء يتجاهلون ما يجري على الأرض من الشام إلى فلسطين فالعراق وأفغانستان وإفريقيا الوسطى والفلبين... فإن على الباحث عن الحق أن يقرأ كتب القوم وأدبياتهم السياسية وما تسرب من وثائقهم، ابتداء من (الأمير) لميكيافيلي إلى فضائح رجل الاستخبارات الأمريكي (سنودين) الذي كشف تجسس الأمريكيين على أقرب حلفائهم!! فما بالنا بأعدائهم؟

هذا ليس موضوعنا في كل حال، لكن استحضاره إلى خلفية القراءة للأحداث الطازجة في أوكرانيا، ضرورة موضوعية لاستشراف الاحتمالات ومآل التغييرات الجوهرية (الإستراتيجية) التي تتخذ طابعاً ثانوياً (تكتيكياً) لعوامل إخراجية واستهلاكية محلية لا أكثر.

تقول الأحداث هناك بحسب الظاهر على السطح: إن الشعب الأوكراني في أكثريته ثار على رئيسه يانوكوفيتش الذي يعتبرونه (دمية) يحركها الكرميلين وفقاً لمصالح روسيا وأهواء ساستها، وإن الثوار بالغوا في ردة فعلهم لئلا يتكرر السطو الموسكوفي على ثورتهم المبكرة قبل عشر سنوات، فاستفزوا بوتين كثيراً، فألغوا اتفاقهم مع الرئيس المخلوع والذي تم برعاية الاتحاد الأوربي، الأمر الذي جعل القيصر الجديد يقرر التدخل عسكرياً، في منطقة شبه جزيرة القرم، حيث تتمركز قوات روسية ضخمة بحسب اتفاق سابق بين موسكو وكييف، وهي المنطقة ذات كثافة بالمنحدرين من جذور روسية أو ناطقين باللغة الروسية. وهنا أخذ الغرب يعالج المسألة لاحتواء النزق الروسي من خلال محاولات التفاهم من جهة، والتلويح بعزلة اقتصادية لروسيا تعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة في مرحلة الشيوعية البائدة.

تلكم هي أبرز معالم الصورة السائدة إعلامياً، ودون الاستكانة إلى ظاهرها الاحتمالات العديدة المعقولة لتفسير حقيقة الوقائع واستكشاف ما يكمن وراءها في دهاليز النفاق الغربي المُشْبَع بإرث ضخم من تاريخ شعارهم الأثير: الغاية تبرر الوسائل!!

فمما يقلص مساحة الصدقية في الصورة التي يتم الترويج لها، أن الغرب يبدو فيها واحداً من اثنين: ساذجاً لا يتقن ألِف باء الحسابات السياسية الواقعية، بتحريضه الثوار الأوكرانيين على استفزاز الروس بلا جدوى ولا أفق ممكن، أو متآمراً عليهم يسعى إلى تقديمهم لقمة سائغة لروسيا الطامعة تاريخياً ببلادهم حتى إنها استعمرت أراضيهم منذ العهد القيصري.. صحيح أن الجيش الأوكراني هو ثاني أقوى جيش في أوروبا، لكنه ليس مؤهلاً لخوض مواجهة عسكرية كبرى مع الروس.

إن السيناريو الأرجح حتى الآن من قراءة المعطيات العملية، في ضوء الخلفيات التاريخية لأطراف الأزمة، يبدو أنه مشروع صفقة تهيمن فيها موسكو على القسم الشرقي من أوكرانيا بذريعة الدفاع عن مواطنين روس يضطهدهم الأوكرانيون ولحماية الأمن القومي لروسيا في البحر الأسود.. وما يبقى من أوكرانيا ذات الأكثرية الكاثوليكية الميّالة إلى غرب القارة الأوربية، فسوف يدخل في عضوية الاتحاد الأوربي ويحظى بحماية حلف شمال الأطلسي (بعد خراب البصرة فروسيا لا تطمع بأكثر من منطقة القرم)!! بالطبع فليس من مصلحة الطرفين تنفيذ المؤامرة علانية، ففي ذلك خسارة داخلية لكل منهما، والمسار الأمثل يتلخص في اصطناع مرحلة حرب باردة مدروسة، تعزز قبضة الطاغية بوتين على روسيا كـ(بطل قومي)، ويظهر الغرب مدافعاً عن الثورة الشعبية في أوربا.

إن محنة الشعب السوري التي ما كان لها أن تستمر لولا المؤامرة الصليبية الصهيونية الصفوية عليها، أثبتت لكل ذي عينين أن بوتين حاجة شديدة الأهمية للنفاق الغربي بعامة والأمريكي منه بخاصة، ولو لم يكن بوتين موجوداً لسعى القوم إلى إيجاده. ولأن ذاكرة بعض الناس من بني جلدتنا قصيرة وانتقائية، فإننا نسألهم : ما دمتم تُصَدِّقون -أو تتظاهرون بأنكم تصدقون- مسرحية روسيا التي عادت قوية فجأةً، فبماذا تفسرون مذبحة الشعب الشيشاني على يد مدمن أم الخبائث يلتسن في ظل صمت غربي مطبق؟!!