علوم القرآن بالمعنى التركيبي

منذ 2014-03-12

إن لكل من كلمة (علم) و(قرآن) دلالة لغوية، ومعنى اصطلاحياً، يجدر الإلمام بهما بإيجاز.

إن لكل من كلمة (علم) و(قرآن) دلالة لغوية، ومعنى اصطلاحياً، يجدر الإلمام بهما بإيجاز.

 

المطلب الأول:

العلم لغة واصطلاحاً

أولاً ـ العلم لغة:

أ- يقال علم علماً ـبفتحة وكسرةـ أي حصلت له حقيقة العلم.

ب- يقال علم الشيء: أي عرفه، وتيقّنه، وأدركه.

ج‍- يقال أعلمه الأمر، وبالأمر: أي أطلعه عليه.

فيكون العلم: الحقيقة، المعرفة، اليقين، الإدراك. ولهذا قيل إن العلم: هو الإدراك الجازم المطابق للواقع، أو إدراك الشيء بحقيقته (الراغب (المفردات) ص [343]).

والعلم مطلقاً هو: مطلق الإدراك الذي يشمل التصور والتصديق.

وقال الحكماء: العلم هو حصول صورة الشيء في العقل(الجرجاني (التعريفات) ص [135]).

 

ثانياً ـ العلم اصطلاحاً:

تطلق كلمة العلم ويصطلح بها على أحد المعاني التالية:

أ- الموضوع ذاته: فيقال علم الفلك، وعلم الطب، وعلم النفس، وعلم التفسير، وهكذا. ويراد به موضوعات هذه العلوم، ومسائلها.

ب- معرفة الموضوع: فيقال: لفلان علم بموضوع النجوم، أو علم بالأنساب، أو علم بالأنواء الجوية، أي لديه إلمام ومعرفة بمسائل وقواعد هذه العلوم.

ج‍- القدرة على معرفة الموضوع: وهي المعرفة بالقوة، أي القدرة على معرفة مسائل وقواعد الموضوع، وإن لم تكن حاصلة بالفعل.

وأوفق معاني هذه الإطلاقات لموضوعنا قيد البحث هو الإطلاق الأول.

 

المطلب الثاني:

القرآن لغة واصطلاحاً

أولاً: القرآن لغة:

أ- المقروء المكتوب:

يقال قرأ الرسالة قراءة وقرآناً؛ أي نطق بالمكتوب فيها، ومنه قوله تعالى : {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:18]، ويكون الإقرأ: الأفصح قراءة. كما قد يكون بمعنى إلقاء النظر على الرسالة ومطالعتها صمتاً.

 

ب- الجمع:

ويسمى قرآناً لأنه يجمع السور فيضمها.

وقال ابن الأثير: إن الأصل في لفظة القرآن هو الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي قرآناً لأنه جمع في القصص، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، والآيات والسور، بعضها إلى البعض.

وقال الراغب: والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل. وليس يقال ذلك لكل جمع، لا يقال قرأت القوم إذا جمعتهم.

ج‍- اسم لكتاب الله تعالى:

فقد روي عن الشافعي أنه قال: القرآن اسم وليس بمهموز لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل.

وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ: كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن.

وقال الراغب: والقرآن في الأصل مصدر، نحو كفران ورجحان.

ولعل ما ذهب إليه ابن الأثير وغيره من اللغويين، من أن الأصل في القرآن الجمع، هو أقرب المعاني انسجاماً ومناسبة مع واقع القرآن الكريم، فيما ضم من الأحكام العامة وجمع من القواعد الكلية، والأسس الرئيسية للشريعة الإسلامية الغراء (قال بعض الحكماء تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله: {وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ} [يوسف من الآية:111]، وقوله: {تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل من الآية:89]. الراغب (المفردات) ص [402]).

وإنما جعل الله تعالى القرآن قانوناً أساسياً وكلياً، باعتباره دستور الدين الكامل، والنعمة التامة  {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة من الآية:3]. فلا يوحي الله تعالى بعد القرآن كتاباً، فكان من مقتضى لطفه سبحانه، أن يكون كلياً إجمالياً ليسير مع تطورات الحياة، يحكم أحداثها ووقائعها، ويشمل مناحيها، ويستجيب لحاجاتها ومتطلباتها في كل الميادين، رغم اختلاف الظروف والبيئة، محافظاً على مقاصد الشرع الحنيف: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل من الآية:89].

وإن أقرب المعاني لموضوعنا قيد البحث، هو كون القرآن اسماً لكتاب الله تعالى، من حيث هو، لا من سائر الحيثيات.

 

ثانياً ـ القرآن اصطلاحاً:

القرآن الكريم، أسمى وأشهر من أن يعرَّف. ولكن جرت سنة المعنيين به أن يعرِّفوه تعريفاً جامعاً مانعاً، ومع ذلك جاءت تعاريفهم شتى صياغة متقاربة معنى.

وقالوا:

أ- "القرآن هو الكلام القائم بذات الله تعالى، وما نقل إلينا بين دفتي المصحف، نقلاً متواتراً" (الغزالي (المستصفى) ج [1/65]).

ب- "إن القرآن: الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقاً وغرباً فما بين ذلك، من أول أُم القرآن إلى آخر المعوذتين، كلام الله عز وجل، ووحيه، أنزله على قلب نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، من كفر بحرف منه فهو كافر" (معجم فقه ابن حزم: مجلد [2/833]).

ج‍- "القرآن هو الكتاب المنزل على رسول اللهعليه الصلاة والسلام -، المكتوب في المصاحف، والمنقول إلينا نقلاً متواتراً بلا شبهة" (أصول البزدوي، مجلد [2/21-23] [6]).

د- "القرآن هو كتاب الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم والمدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس" (عبد القادر عودة: التشريع الجنائي ج [1/165]).

ه‍- "اللفظ العربي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المنقول إلينا بالتواتر" (محمود شلتوت (الإسلام عقيدة وشريعة) ص [399])، ويمكن القول أن القرآن الكريم هو: وحي الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى وأسلوباً، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتواتر.

 

داود العطّار