حرب الفضاء المعلوماتي على العرب والمسلمين
ويبقى الهدف الأساسي من هذه الحرب المعلوماتية، هو تفكيك بنية المجتمع العربي الإسلامي، وهدر طاقته الكامنة في عقيدته، وطمس موروثها القيمي السامي، تمهيدا لمسخ الهوية، وإلغاء الوجود العربي الإسلامي، وإنهاء الدور المركزي لأمتنا العربية الإسلامية، في الحضارة الإنسانية المعاصرة.
يواجه الوطن العربي والعالم الإسلامي اليوم، حملة إعلامية غربية مكثفة، تستهدف تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية، بقصد إنهاك الحال، وترسيخ ثقافة الانفصال، والتقسيم، بقصد التفتيت، وليس بقصد الإصلاح، ومعالجة المشكلات والتحديات الحقيقية، التي ينوء تحت وطأتها الوطن العربي والعالم الإسلامي، معالجة واقعية، كما يزعمون {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} [البقرة: 12].
ويلاحظ أن هذه الحملة المسعورة، تعتمد في استراتيجية عملها، على خلق عالم افتراضي، لخلط الأوراق، بما يوهم المتلقين، بأن هذا الواقع المصطنع، الذي يتعاطون معه، هو البديل العصري الأنسب لحياة الناس. ويلاحظ أيضا، أن الحوارات التلفازية، والدردشات الرقمية، التي تدار في حقيقة الأمر من قبل ما يعرف بقادة ومؤسسات تشكيل الرأي، تصب في هذا الاتجاه. ولاشك أن الفضاء المعلوماتي، بشبكته العنكبوتية، وفضائياته العنقودية، تمثل ماكينة إعلامية ضخمة، بقدرات تقنية، ومالية هائلة، يحتكر الغرب المتصهين، أقمارها الصناعية، وشركات الاتصالات الخاصة بها، والمنتشرة في عموم الكرة الأرضية، بما يخدم مصالحه الاستراتيجية، في الشرق العربي والإسلامي، وبذلك يهيمن على العقول، من خلال زعزعة القناعات، وخلخلة الرؤى، وكسب طابور واسع، من المتلقين، من الجمهور العربي المسلم إلى جانبه، ليكون بالمحصلة، هو المستفيد الأول والأخير منها، وما حل اليوم بدار العرب والإسلام، من ويلات وبلايا، بالفوضى الخلاقة، التي تعصف بالكثير من الأقطار العربية، وما يرافقها من ترويج مفاهيم الفدرالية، والديمقراطية، ما هي إلا أغطية مفبركة، لتمرير العولمة، أو (الأمركة) إذا شئنا الدقة، والتي هي في حقيقتها، حرب شاملة، إعلامية، وعسكرية، وسياسية، واقتصادية، لفرض نمط الحضارة الغربية المعولم، على المجتمع العربي والإسلامي، في مسعى شرير، لمسخ منظومة قيم الشرق العربي الإسلامي، وكنس تاريخه، ومحو إرثه الحضاري، بكل الوسائل المتاحة، بدءا بتفكيك الدولة القومية، ذات السيادة، وإلغاء مؤسساتها، وحل جيشها، كما حصل في الاحتلال الأمريكي للعراق عسكريا، وإسقاط النظام الوطني، في التاسع من نيسان، من عام 2003، بذرائع امتلاكه أسلحة تدير شامل، وضرورة العمل على نقل الديمقراطية له.
ولعل ما يدور الآن في ليبيا، وسورية، وتقسيم والسودان، وإثارة النزعات الانفصالية والطائفية في اليمن، ومصر، والمغرب العربي، هي صفحات مكملة لهذا المشروع المشبوه، الذي أسموه الشرق الأوسط الكبير.
ولاشك أن حرب المعلوماتية والفضائيات، لعبت دوراً مهما في تفجير موجة ربيع التغيير العربي، التي تجتاح منطقتنا في هذه الأيام، الأمر الذي دعا الولايات المتحدة الأمريكية، إلى رصد وتخصيص مبالغ كبيرة، وإنشاء مؤسسات خاصة، وقنوات فضائية، وشبكة عنكبوتية، تصطنع العوالم الافتراضية المعنية بمنطقتنا، وترسم خططها، وتتابع تنفيذ أهدافها، بما يخدم مشروع العولمة.
ويلاحظ أن مواقع التواصل الإلكترونية، على الشبكة العنكبوتية الدولية، وشقيقاتها من القنوات الفضائية، تعتمد برامج خاصة منتقاة بعناية فائقة، تستهدف إثارة الفتنة، بين مكونات المجتمع العربي الإسلامي، وترويج ثقافة الانقسام والمحاصصة الطائفية، من خلال تبنيها خيارات الفيدرالية، واللامركزية، والديمقراطية، والعمل على تبشيع، وشيطنة منظومة القيم العربية، ومحاربة الفكر العروبي الإسلامي، ووصمه بالدكتاتورية، والعنف، ورفض الآخر، ووصم العرب بالعنصرية، ونعت الإسلام الرجعية والظلامية، فابتكروا مصطلح (الإسلاموفوبيا) أو ما أطلقوا عليه الخطر الأخضر، لتخويف الرأي العام الغربي، من الإسلام، وتأليبه عليه.
ولا جرم أن تصويرهم الفكر العربي الإسلامي، على أنه فكر عنصري متطرف، ولا إنساني، وأنه لا يحترم حقوق الإنسان، وخاصة المرأة، باعتباره فكراً ذكورياً، إنما يعكس بوضوح، إصرارهم الغاشم، على ضرب الموروث القيمي، والمنظومة الأخلاقية للمجتمع الإسلامي، بوصمها بالرجعية، والعنصرية، والتخلف. ولعل التحريض ضد الدول العربية، والسعودية بوجه خاص، واعتبارها قاعدة للإرهاب، يعكس الوجه الحقيقي لحرب المعلوماتية، التي تشنها المواقع، والقنوات المغرضة، للنيل من الإسلام، والعرب، والمسلمين.
كما أن سعي تلك المواقع الرقمية، والقنوات الفضائية، لترويج ثقافة الإلحاد، والتسفيه، ونشر ثقافة التشظية، بطريقة النبش المغرض في الماضي، وتعمد البحث عن المثالب، ورصد العيوب، في مسيرة السلف، وتزوير حقائق التاريخ الإسلامي والعربي، هو سلوك مقصود، يتطلب الأمر الانتباه له، والحذر من تداوله.
كما أن تشجيع الممارسات الظلامية والمتخلفة، وتعطيل عملية النهوض والصحوة، من خلال الحملة المعلوماتية، والمواقع الإلحادية، وإن اختلفت في تفاصيل برامجها، فإن استراتيجيتها الاستهدافية، تصب في هدف واحد، هو تسفيه التفكير الديني عموما، وتقويض الإسلام بوجه خاص، من خلال السعي لتفكيك المجتمعات الإسلامية، وتحطيم نواتها الصغيرة المتمثلة بالأسرة، ومحيطها الأكبر المتمثل بالدولة المركزية ذات السيادة.
ويلاحظ أن الفضاء المعلوماتي، وشقيقاته القنوات الفضائية، تتكامل فيما بينها، بشبكة واسعة من المواقع، حيث يتم الانتقال فيما بينها، وفي محتويات مواردها، بنقرة زر واحدة، كناية عن عملية الالتحام المبرمج، في تنفيذ المهام المناطة بها من مراكزها، أو المؤسسات الاستخبارية التي تقف وراءها، وبذلك فقد نجحت، على سبيل المثال، في عزل مصر، عن حاضنتها العربية، وحيدت مفاعيلها في عملية الصراع العربي الصهيوني، وأفلحت بشرعنة احتلال أفغانستان، والعراق، وسوغت انفصال جنوب السودان، ومهدت لتمرير الفوضى الخلاقة في اليمن، وليبيا، وسوريا.
ولعل ترويجها الفكر الإلحادي المناهض للإسلام، ونشرها مقالات التسفيه، والسخرية بالعرب والمسلمين، وتركيزها على مظلومية المرأة، في المجتمع العربي الإسلامي، وتشجيع الانحلال والتفسخ، والدعوة الزائفة لتحريرها، في إطار ترويج مبدأ حرية التعبير، بدعوى محاربة انتهاك حقوق الإنسان، والدعوة لإطلاق حريات المثليين، ما هو إلا نموج لمفردات الغزو الثقافي، على العقل العربي المسلم لمحاصرته، وتدجينه لقبول هذه التهافتات الضالة.
ويجدر بالملاحظة، أن الهجوم على الإسلام في الوقت الحاضر، يتخذ من الطابع المؤسساتي، الذي يتذرع بشعارات حقوق الإنسان، وحرية التعبير، أغطية مدنية، لتمرير أهداف حملة المعلوماتية المريبة، لضرب كل ماله علاقة بالإسلام والنيل الحضارة العربية، كونها حاضنة الإسلام، ووعاء حمل الرسالة، بموقف جمعي، يتجاوز سلبيات ضعف الموقف الفردي.
ويبقى الهدف الأساسي من هذه الحرب المعلوماتية، هو تفكيك بنية المجتمع العربي الإسلامي، وهدر طاقته الكامنة في عقيدته، وطمس موروثها القيمي السامي، تمهيدا لمسخ الهوية، وإلغاء الوجود العربي الإسلامي، وإنهاء الدور المركزي لأمتنا العربية الإسلامية، في الحضارة الإنسانية المعاصرة.
نايف عبوش
- التصنيف: