الفضائيات الإسلامية أنستنا البكاء على فلسطين
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله تعالى، النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم.
ثم أما بعد:
مع ظهور الفضائيات والانشغال بالتنقل بين القنوات نسينا وتناسينا تذكر أهلنا بفلسطين.
عشنا في مصر بلا فضائيات كان من يملك طبق فضائيات "الدش" هم الأغنياء فقط لا غير، وكان جميع المسلمين والمتابعين للتلفزيون ينتظرون نشرة الساعة التاسعة مساءًا لنعلم ماذا حدث في فلسطين، وننتظر أخبار سماحة والدنا الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى، ونبكي طوال الليل والنهار على شهداء فلسطين والجرحى مع كل رسالة تصل إلى التلفزيون عبر المراسلين.
ولا ننسى يوم استيقظنا بوقت صلاة الفجر على دماء واستشهاد الشيخ أحمد ياسين بعد صلاة الفجر، وكنت واحد من الناس ظللت أسبوع كامل لا أتكلم نهائيًا حزنًا على وفاة الشيخ، وأنتظر بشوقٍ ماذا سيحدث للمقاومة الإسلامية.
وكنا ننتظر القناة الأولى أو موجز الأنباء؛ الذي يأتي الساعة الثانية صباحًا؛ لنرى كم عدد المستشهدين لهذا اليوم ونرى كم رزقنا الله تعالى من قتل اليهود أعداء الله تعالى.
ومع ظهور الفضائيات وظهور الاختراع بما يُسمَّى "وصلة الدش" -وهي وصلة لا تُكلِّف الفرد أكثر من خمس عشرة جنيها شهريًا-؛ ليتابع أكثر من خمسون قناة فضائية منها أكثر من عشرون قناة أفلام منها العربية ومنها الإنجليزية وأكثرها الإباحية، إلى جانب قنوات الرياضة، إلى جانب قناة إخبارية، إلى جانب خمس قنوات إسلامية دينية.
وهنا ووسط كل هذه القنوات؛ لا أحد يُفكِّر في القناة الإخبارية، فالناس منقسمون ما بين الدروس الدينية المقدَّمة على الفضائيات، وما بين اللهو واللعب وما بين ضياع الوقت؛ بمشاهدة الأفلام ونسي وتناسى الجميع القضية الفلسطينية.
والآن؛ جاء وقت السؤال: أتعلم عدد الشهداء والجرحى منذ الانتفاضة الثانية؟ أتعلم ما مصير الأقصى الغالي المبارك؟!
أكيد الكثير مِنَّا للأسف الشديد! لا يعلم، ويكتفي بما يقوله العلماء والشيوخ.. فاليوم يقولوا مات شهيد مصري على الحدود تقوم الدنيا ولا تقعد وبالأساس أنت لم تعلم بالأمر إلا عابرًا.
وقبل دخول وصلات الدش؛ كان قبل المباريات يتم وقوف دقائق الحداد فهذه دقيقة على ضحاية السيول بدولة ما، وهذه دقيقة على الشهداء بفلسطين أو بلبنان أو العراق، ولا ننسى يوم شهادة "محمد الدرة" يوم خرجت الناس بمظاهرات في الشوارع، وحتى المشجعين بالمباريات رفعوا الصور والرايات للشهداء.
ولكن الآن ومع دخول عالم الألتراس في تشجيع الكرة؛ أصبح همّ الشباب رفع الرايات لعمل الدخلات المميزة عن الفريق المنافس بالمباريات والبحث عن آخر أخبار الانتقالات.
ولم يبتعد الأمر عن طلبة العلم بسبب الفضائيات الإسلامية؛ قامت بهجران المساجد وحضور دروس العلم وقليل من طلبة العلم تذهب لحضور الدروس بالمساجد، وتكتفي وتقول الوقت الذي أقضيه في الدرس بالمسجد سأستمع إلى الفضائيات، وأتابع العلماء.
فتنظر بالوقت نفسه على قناة فضائية الشيخ محمد حسان، وعلى الأخرى الشيخ محمد يعقوب، وعلى الأخرى الشيخ أبي إسحاق الحويني؛ فيتشتت طالب العلم فلا يتابع أي شيء. بل ويزيد الأمر ويقول: سيكون هناك إعادة للدرس فلنتابع المباراة.
{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة من الآية:156].
علينا العودة من جديد إلى المساجد وهجران الفضائيات، وكما قال الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله تعالى: "الفضائيات للعوام فقط، وليست لطالب العلم"، وقال: "طالب العلم الحقيقي يذهب للتعلُّم بالمساجد، ولا يجلس أمام الفضائيات".
فهيَّا بِنا! نُنقذ أنفسنا من هذا المد الفكري بالفضائيات ونعود إلى المساجد، حتى نعود لمتابعة القضية العربية والأقصى خاصة حتى نعود للبكاء على الشهداء.
أبو مالك محمد عيسى
كاتب إسلامي
- التصنيف: