مكايد الشيطان؛ وطرق الوقاية منها

منذ 2014-03-16

فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ *** فكيف وقد أغوى صفيَّك آدمَ؟

قد بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم مكايد الشيطان وطُرُق إغوائه للإنسان، فقال في محكم التنزيل حكاية عن إبليس: {قَالَ أَنظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ إنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ . ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:14-17].

إن هذه الآيات الجليلة تبيِّن لنا معالم حَربٍ مشتدةٍ بين الشيطان وجنده من جهة، وبين أولياء الله وعباده من جهة أخرى، وهذه الحربُ الشعواء لا عاصم للمؤمن منها، إلا استعانته بربه عز وجل:


فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ *** فكيف وقد أغوى صفيَّك آدمَ؟

وكذلك تسلُّحُه بالعلم النافع والعمل الصالح.

والشرارةُ الأُولَى لهذه الحرب كانت منذ أن خلق الله سبحانه نبيَّه آدم عليه السلام: {فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى} [طه:120]، ومن يومها والحرب سجالٌ بين الشيطان، وبين أولياء الله تعالى فتارةً يكون الظهور لجانب الشر، وغالباً تكون الغلبةُ لجانب الخير:



الخير أبقى وإن طال الزمان به *** والشر أخبث ما أوعيتَ من زادِ

مكايد الشيطان:

أولاً: الوسوسة
وهي حديث النفس، والصوت الخفي، وتطلَق أيضاً على صوت الحُلِي يقول الأعشى:



تَسْمَعُ للحلي وسواساً إذا انصرفتْ *** كما استعان بريح عِشْرِقٌ زَجِلُ

والوسوسة من أعظم مكائد الشيطان؛ إذ لا يزال بالإنسان يوسوس له ويشككه حتى يخرجه من عقيدة الإسلام، كما جاء في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الشيطان أحدَكم، فيقولُ: من خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا وجد أحدكم ذلك، فَلْيقل: آمنتُ بالله ورُسُله، فإن ذلك يُذهِب عنه».

ثانياً: النسيان
فينسي الإنسانَ ذكرَ ربه، ومجالسة الصالحين، والذب عن هذا الدين، والرد على المخالفين والمستهزئين. قال تعالى: {وَإمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام من الآية:68]. ومن ذلك قول القائل:



نسيتَ وعدَك، والنسيانُ مصيدةٌ *** فاحذر؛ فإن أولَ ناسٍ أَوّلُ الناسِ

وفيه إشارةٌ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه:115].

ثالثاً: التحريش وإيقاع العداوة بين المسلمين
قال تعالى: {إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة من الآية:91]؛ فتقع الشحناء بين المسلمين، وبين الإخوةِ والأصدقاء فيتفرقوا أحزاباً:



وتفرقوا شيعاً؛ فكل قبيلةٍ *** فيها أمير المؤمنين ومنبرُ

فتُزرعُ البغضاء في القلوب، ويبدأ بالدخول في المقاصد والنيات، ويحرِّش بين الدعاة إلى الله تعالى وبين طلبةِ العلمِ؛ وذلك مصداقاً لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قد أيسَ أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» (أخرجه مسلم في صحيحه).

رابعاً: التخويف
فيخوف الإنسانَ من طاعة ربه؛ فإذا أراد بذل مالٍ في سبيل الله خوفه بالفقرِ ووعده به؛ قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة من الآية:268]. وإذا أراد أن يأمر بالمعروفِ، أو ينهى عن المنكر خوَّفه الشيطان من سوء العاقبة. قال سبحانه وتعالى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:175].

خامساً: القول على الله بغير علمٍ
قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . إنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168-169]، ومن أمثلةِ ذلك ما أفادنا به الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه (التعالم)؛ حيث ذكر أمثلةً للمتعالمين في الفتيا والقولِ على الله بغير علمٍ، ومنها: أن رجلاً كان يفتي كلَّ سائلٍ دون توقُّف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه بنحتِ كلمةٍ ليس لها أصل، وهي (الخنفشار) فسألوهُ عنها، فأجاب على البديهةِ بأنه نباتٌ طيبُ الرائحةِ، ينبت بأطرافِ اليمن، إذا أكلته الإبل عقد لبنها. قال شاعرهم اليماني:



لقد عقدتْ محبتُكم فؤادي *** كما عقدَ الحليبَ الخنفشارُ

وقال داود الأنطاكي في تذكرته كذا، وقال فلان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فاستوقفوه وقالوا: كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على النبي صلى الله عليه وسلم:



وقال الطانزون له فقيه *** فصعَّد حاجبيه به وتاها
وأطرقَ للمسائلِ أي بانٍ *** ولا يدري لَعَمرُك ما طحاها


سادساً: التزيين لفعل المعصية
بالنظر للمرأة الأجنبية، وهو بريد الزنا. ولأن النساء حبائل الشيطان؛ فيجب على الإنسان دحر كيده، بما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة تُقبِل في صورةِ شيطان، وتُدبِرُ في صورةِ شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فَلْيأتِ أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه» (أخرجه مسلم في صحيحه).

سابعاً: الغضب 
فإذا غضب الإنسانُ لعب به الشيطانُ؛ فتنتفخ أوداجه، ويفقد صوابه، ولا أدل على ذلك مما جاء في الصحيحين عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، ورجلان يستبَّان، فأحدهما احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان لذهب عنه ما يجد»، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون؟ فعلى المسلم أن يملك نفسه عند الغضب، لما ثبت في (الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصُرعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

طُرُق الوقاية:

أولاً: الاستعاذة بالله سبحانه
قال تعالى: {فَإذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98]. وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! إن الشيطان قعد بيني وبين صلاتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خِنزَب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك».

ثانياً: البسملة 
فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَرُزِقَا وَلَداً لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ».

ثالثاً: الجماعة
لأن الجماعة منفرةٌ للشياطين، فقد ثبت في السنن من حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ؛ فَعَلَيْكَم بِالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذئْبُ الْقَاصِيَةَ».

رابعاً: سجود التلاوة
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ -وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ يَا وَيْلِيأُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ».

خامساً: قراءة القران 
لأن قراءته منفرة للشياطين، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ».

وأخيراً: أسال الله عز وجل أن يقينا شرّ الشيطان وشركه، وأن يجعلنا في زمرة عباده الصالحين. 

 

خالد بن محمد الأنصاري