إذا أردت أن تكون مهمًا فكن مهتمًا
هناك قانون هام في السلوك الإنساني، لو أذعنا لهذا القانون وأحسنا التعامل معه، لتجنبنا الكثير من المتاعب.. وحققنا المزيد من الصداقات.. واستجلبنا به سعادة وافره.. وحصلنا به الكثير من المنافع... نحن في أشد الحاجة اليها
هناك قانون هام في السلوك الإنساني، لو أذعنا لهذا القانون وأحسنا التعامل معه، لتجنبنا الكثير من المتاعب.. وحققنا المزيد من الصداقات.. واستجلبنا به سعادة وافرة.. وحصلنا به الكثير من المنافع... نحن في أشد الحاجة اليها.... (منح الاخرين الأهمية دائماً).
إن الشعور بالأهمية هو أحد أهم محددات السلوك الإنساني... وهو أحد أهم الاختلافات الجوهرية بين الانسان والحيوان.
يجب أن ندرك أنه:
لو لم يكن أسلافنا لديهم هذا الحافز المتوهج، والغريزة الاساسية لما تحضرت الإنسانية، وتميزت مجتمعات البشر عن مجتمعات الحيوانات، فبدونها تكون أقرب شبهاً بالحيوانات، فهي الحاجة التي دفعت قادة البشرية إلى الإبداع والابتكار، على غرار الحيوان الذي يجمع همه في حاجاته الاساسية فقط.
هي الدافع الذي يجعلنا نرتدي أحدث الأزياء، وقيادة أحدث السيارات، ونتحدث عن أنفسنا وعن أولادنا.
يقول فرويد: "إن كل شيء تفعله ينحدر من دافعين: ..... الثاني الرغبة في العظمة".
ويقول جون ديوي، رائد التربية الحديثة: "إن أعمق دافع في طبيعة الإنسان هو الرغبة في أن يكون مهماً".
يقول وليم جيمس: "إن أعمق مبدأ في طبيعة الإنسان هو اللهفة في أن يتم تقديره".
كل احتياجات الإنسان ورغباته يتم إشباعها غالبًا: الصحة، الغذاء، النوم، الجنس.... باستثناء واحدة قلما يتم إشباعها وهي الحاجة إلى التقدير والاهتمام.
إن الناس بطبيعتهم مهتمون بأنفسهم فقط وذلك في أكثر الظروف، فإذا ما أظهرت اهتمامك بهم،كيف سيعاملونك؟
لاشك ستجد قبولاً مبهجًا، وسيضعونك في قلوبهم.... ويتمنون دائماً رؤيتك.
إذن من يستطيع أن يشبع هذه الرغبة في الأخرين، سوف يسيطر عليهم، ويملك قلوبهم، ويقودهم في سهولة ويسر. طالما سمعنا أن الناس يتبادلون عبارات الحزن والأسى لفراق شخص ما، ومن الملاحظ أن عبارات الحزن تلك، تدل على اهتمام ذلك الشخص بهم وتقديره لهم.
وإذا كان هذا هو شأن الاهتمام بالآخرين، فقد جاء الإسلام وأضفى عليه صفة القداسة وجعله مبدأ ديننا، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: « » (أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير).
وجعل أهم مظاهر الاهتمام بالآخرين حقاً للمسلم على أخيه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم علي عدم اهتمامه بابن ام مكتوم، {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1]. وكان ربنا سبحانه وتعالي يبعث جبريل مبشراً عباده ورسله بما يسرهم ويبهجهم {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101] {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم:7] {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران:45] وقد نزل قرآناً في بعض الصحابة تقديراً لمواقفهم المشرفة.
أما نبينا صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة الحسنة، كان إذا كلمه أحد التفت إليه جميعًا، أي بوجهه وجسمه. جاءه أبو بكر بأبيه يقوده قبل إسلامه إبان فتح مكة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: « »، فقال: "يمشي هو إليك أحق من أن تمشي إليه".
دخل المسجد أعرابي يتخطى الصفوف ورسول الله فوق المنبر يخطب في الناس، صاح الاعرابي قائلاً: "يا رسول الله، رجل لا يدري ما دينه! فعلمه دينه".
فنزل النبي صلي الله عليه وسلم من منبره، وتوجه إلى الرجل وطلب كرسياً فجلس عليه ثم جعل يتحدث إلى الرجل ويشرح له الدين إلى أن فهم، ثم عاد إلى منبره.
كان صلى الله عليه وسلم ذلك دأبه في الناس جميعاً الصغير والكبير، حتى مع الأطفال كان يسلم عليهم ويمازحهم ويقدرهم عليه الصلاة والسلام ويلقي السلام عليهم.
بيد أن هناك ثمة سؤال من الأهمية بمكان، هل الاهتمام الزائد بالآخرين يحط من كرامتي؟
قبل الاجابة نستعرض هذه النصوص:
- يقول النبي صلي الله عليه وسلم: « ».
- سُئِل أي الاسلام خير قال: « ».
- قال: « »
إن الاهتمام بالآخرين والتودد إليهم وتقديرهم في المناسبات والمواقف التي تستدعي ذلك على هذا النمط الإسلامي، لا تفقد الانسان كرامته إطلاقاً، بل تزيد من رفعته وهيبته شريطة أن يبتغي بها وجه الله. وليس تملقاً أو مداهنة لأجل هدف دنيوي زائل، حينئذ ربما تحدث مفعولاً مؤقتاً سرعان ما يزول.
والفرق بين التملق المنهي عنه والتقدير المأمور به:
أحدهم صادق والآخر كاذب.
يأتي أحدهما من القلب والآخر عن طريق اللسان.
ينطلق أحدهم من مصلحة مادية والآخر من مصلحة إنسانية عليا.
أحدهم مؤثر.... والآخر غير مؤثر.
محمد سلامة الغنيمي
باحث بالأزهر الشريف
- التصنيف: