ينابيع الرجاء - مقدمة كتاب ينابيع الرجاء

منذ 2014-03-24

ففي هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها الأمة، وفي خضم التحولات الهائلة التي نتعرض لها، فإن كثيرا من الشباب استولى عليهم اليأس، وتمكَّن منهم الحزن، وهم يرون سلاسل الشهداء، وأنهار الدماء، وتصاعد المكر والدهاء، وتعثر مسيرة التحرر من مكائد الأعداء، وقد سرت هذه الروح المعدية، فتملَّك التشاؤم بدلا من التفاؤل، وفاضت الروح من عزائم الكثيرين، مما يستدعي تدخلا سريعا وحلا ناجعا!

  • قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا:

إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصّدر الرّحيب
وأوطأت المكاره واطمأنّت *** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها *** ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث *** يمنّ به اللّطيف المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت *** فموصول بها الفرج القريب


السين والنون ..
الجريان والاضطراد.. بدون تخلف
قانون ..
هذه ليست لتخديرك ..
بل النبوءات تمنع اليأس والإحباط ..
متى يستسلم الناس؟
عندما ييأسوا ..
والقرآن من أول يوم ..
مفترق تاريخي ..
عالمية الإسلام الثانية ..
مناعتها في عقيدتها ..

 

  • المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    {يَاأَيها الذين آ مَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون}
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

    أما بعد.. ففي هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها الأمة، وفي خضم التحولات الهائلة التي نتعرض لها، فإن كثيرا من الشباب استولى عليهم اليأس، وتمكَّن منهم الحزن، وهم يرون سلاسل الشهداء، وأنهار الدماء، وتصاعد المكر والدهاء، وتعثر مسيرة التحرر من مكائد الأعداء، وقد سرت هذه الروح المعدية، فتملَّك التشاؤم بدلا من التفاؤل، وفاضت الروح من عزائم الكثيرين، مما يستدعي تدخلا سريعا وحلا ناجعا!

    ولا شك أن الوحي من قرآن وسنة هو شفاءٌ لما في الصدور، فهو الذي لو تنزل على جبل لتصدَّع من الخشية، ولو لامس القلوب  للانت وبرِئت من القسوة، ولذا فقد جمعتُ لكم في ثنايا هذا الكتاب ثلاثين سنة ربانية وبشارة إلهية، وهي كفيلةٌ بإحداث انقلاب في نفوس اليائسين منكم، وبث الروح في أجسادالمحبطين، وهي سننٌ وثيقة الصلة بالصراع الدائر بين الحق والباطل، وتأخذ بأيدي العاملين للعبور على جسر الابتلاء إلى روعة الجزاء، فأينا سيكمل المسير ليحقِّق وعد الله للأمة بالظَّفَر وتحرير الأقصى الأسير؟!

    إن فارقا ضخما بين من يبذل جهده اليوم متفائلا، وبين من يبذله يائسا قانطا كَلَون من ألوان تأدية الواجب فحسب..

    فارق في ما تصل إليه من نتائج، فارق في سرعة بلوغ الأهداف، وفارق أهم في ثواب الأعمال ودرجات العاملين عند رب العالمين.

    حُكِي أن الإمام أحمد قيل له أيام المحنة: يا أبا عبد الله..أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟ قال: "كلا، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق"[1].
    وصدق والله .. فهذا هو مقياس النجاح الوحيد لدى أهل الآخرة! فليس الانتصار في معركة اليوم أن يهزم أهل الحق أهل الباطل، فهذا الأمر لله وحده، يصرِّفه كيف يشاء ومتى يشاء.
    الانتصار في امتحان الآخرة ليس عن طريق أين وصلت، بل كم مِنْ جهدٍ بذلت، ومسافات قطعت منذ أن بدأت!!

     
  • وتبقى القضية الأهم بل والهمُّ الأجلُّ الذي يجب أن تسائل عنه نفسك:
  1. هل اخترتُ الطريق الصحيح؟
  2. هل التحقتُ بالعاملين المصلحين أم كنتُ في الغافلين والمبطلين؟!
  3. هل فترت همتي وانقطع نفَسي من طول المسير فقعدت واسترخيت؟!  
  4. هل تكاسلت أو قصَّرت في واجبي وما هو مفروض عليَّ وإن لم أبلغ؟!
     

إن إجابة صادقة على هذه الأسئلة يحدد أين أنت في نظر الله، وتخبرك عن درجتك في مدارج الإيمان اليوم، ثم درجات الجنة غدا، وإن الأحداث الجسام المحيطة بالأمة اليوم وعبر السنوات المقبلة تستدعي اليوم عزائم الأبطال، لأن التاريخ الآن يُكتب، وما نقدِّمه اليوم من سعي وبذل سيشكِّل وجه المنطقة ويغيِّر مسار الأمة خلال العقود المقبلة.

  • نعم .. هناك كثرة مخدوعة أو غافلة، وفي مقابلها قلةٌ باذلة مضحية.
  • نعم .. هناك جَلَدٌ متصاعد للفُجّار مع عجزٍ للثقات.
  • نعم .. مُطالبٌ أنت اليوم أن تسبح عكس التيار.
  • لكن .. متى كان الأمر يوما غير هذا؟!


لقد ظلت سنة الصراع بين الحق والباطل مكرورة عبر التاريخ، وقواعد التدافع بينهما سارية، ومن هذه القواعد قلة السالكين وكثرة الهالكين، فهذا الإمام أحمد ينخسه أحد الجلادين بقائمة سيفه قائلا:
أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم؟!

وجعل أحدهم يقول له: من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع؟![2].
وهي كلمة أراد بها إضعاف عزيمته وتوهين قوته، فما استجاب له الإمام بل صمد!
وضرب لنا المثل في الزهد الحقيقي العميق لا السطحي الزائف، والزهد لمن ظنه في المظهر والتخشع ليس إلا ما قاله أبو هشام المغازلي حين سأله عنه أحمد بن أبي الحواري فقال: قطع الآمال، وإعطاء المجهود، وخلع الراحة[3].

وهذا هو هدف الكتاب ..

  1. قطع الآمال الدنيوية بالتعلق بنعيم الآخرة.
  2. وإعطاء المجهود وأقصى الطاقة للصلاح الإصلاح، والاهتداء والهداية.
  3. وخلع الراحة فلا نلقاها إلا عندما نحُطُّ رحال سفرنا في الجنة.
     

والله أسأل أن يبارك هذه الصفحات، ويطوي بها في ساحات البذل مسافات شاسعة وأزمانا طويلة، فيبلِّغنا نصرا عزيزا للإسلام، ويُقِرَّ عيوننا بولادة مجد تليد وعزة مفتقدة ووحدة إسلامية جامعة.

ومضات!
سألني:
هل هناك أمل؟!
فأجبته:
بل هناك يقين!
اليائس لا يقوى على البناء لأنه كيان مهدوم، وفاقد الشيء لا يعطيه!
الحزن حبل من حبال الشيطان يعقده على عزم الإنسان ليُقعِده عن الانطلاق واللحاق بمضمار السباق، والغاية الجنة!



[1] سير أعلام النبلاء 11/238- شمس الدين الذهبي- ط دار الرسالة.
[2] سير أعلام النبلاء 11/251.
[3] قوت القلوب 1/444- أبو طالب المكي – ط دار الكتب العلمية. 
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

 
المقال التالي
فذْلَكة الكتاب!