ينابيع الرجاء - النبع الأول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}

منذ 2014-03-24

وهذا من كلام موسى عليه السلام لسحرة فرعون يوم المواجهة الكبرى، ومعناه : أن الله لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكره الله، وعمل فيها بمعاصيه، فلا يؤيِّده الله بجميل الخاتمة، وليس المرادُ بعدم إصلاحِ عملِهم عدم جعل فسادهم صلاحا بل عدم إتمامه بل يمحق الله بركته، ويسلِّط عليه الدمارَ والبوار، والجملةُ تعليلٌ لما سبقها من قوله تعالى: {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ}.


وهذا من كلام موسى عليه السلام لسحرة فرعون يوم المواجهة الكبرى، ومعناه : أن الله لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكره الله، وعمل فيها بمعاصيه، فلا يؤيِّده الله بجميل الخاتمة، وليس المرادُ بعدم إصلاحِ عملِهم عدم جعل فسادهم صلاحا بل عدم إتمامه بل يمحق الله بركته، ويسلِّط عليه الدمارَ والبوار، والجملةُ تعليلٌ لما سبقها من قوله تعالى: {إِنَّ الله سَيُبْطِلُهُ}.

  • قال المراغي في مزيد إيضاح"أي إن الله لا يجعل عمل المفسدين صالحا للبقاء، فيقوّيه بالتأييد الإلهى ويديمه، بل يزيله ويمحقه، ويثبِّت الحق الذي فيه صلاح الخلق، وينصره على ما يعارضه من الباطل بكلماته التكوينية، وهى مقتضى إرادته التشريعية التي يوحيها إلى رسله، ومن ثم سيُنصَر موسى على فرعون، وينقِذُ قومه من عبوديته"[1].
     
  • ويقول الطاهر بن عاشور مبيِّنا طبيعة الباطل المضمحلة وزواله الحتمي: "فإذا نفى الله إصلاحها فذلك بتركها وشأنها، ومن شأن الفساد أن يتضاءل مع الزمان حتى يضمحل"[2].
     
  • ولهذا قال الله بعدها{​وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}، والإحقاق هو التثبيت، ومنه سُمِّي الحق حقا لأنه الثابت، وإظهار اسم الجلالة في هذه الجملة {ويُحِقُّ الله} مع أنه مذكور في الجملة السابقة {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} هو أمر مقصود، مع أن مقتضى الظاهر هو الإضمار وعدم التكرار، وذلك لإلقاء المهابة في نفوسهم، وقول الله تعالى {بِكَلِماتِهِ}: "فمعناه بكلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك"[3].

    فالمسألة التي يشاؤها سبحانه تتحقق بكلمة «كن» فيكون الشيء، ولا توجد كلمة أقصر من (كُنْ) عند البشر؛ لكن الله لا يحتاج إلى الزمن الذي تُقال فيه كلمة (كُن)، وما يشاؤه الله سبحانه إنما يتحقق ويبرز إذا أراده الله وقدَّره.

    وأما المصلحون الذين قصدوا بأعمالهم وجه الله تعالى، فإنَّ الله يبارك أعمالهم ويرقّيها، وينمّيها على الدوام، فالعبرة ليست بالحال بل بالنِّهاية والمآل، وثقة المؤمن في ضوء هذا القانون أن عمل المفسدين قد ينجح لبرهة وفي ظروف معيَّنة، لكن  سرعان ما يصير وبالا على أصحابه ولعنة عليهم!

    ولهذا كان من حكمة الحُكّام وبصرهم الثاقب التزام هذا القانون، وأن يوصوا به عُمّالهم، يقصدون بذلك حماية ما شيَّدوا من الهدم، وصيانة ما غرسوا من أن الاقتلاع، فليس لهم بمواجهة الله من طاقة، والله قضى قضاء لا يُرَدُّ أن كل من أفسد فهو لسعيه بالمرصاد، ولذا كتب الخليفة الخامس عُمر بن عبد العزيز إلى عامله عبد الرحمن بن نُعَيْم ينصحه في سطر واحد: "أما بعد، فاعمل عمل من يعلم أنَّ الله لا يُصْلِح عمل الْمُفْسدين"[4].

    ولذا صلحت ولايته، وكانت نعم الإمارة، وساد البلاد العدل والإصلاح بعد أن اندحر عنها الفساد والمفسدون، وصلحت الرأس فصلح الجسد، وطابت السواقي لما طابت العين.


    [1] تفسير المراغي 11/143.
    [2] التحرير والتنوير 11/256.
    [3] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 3/136.
    [4] الكامل في التاريخ 4/114.

     
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

المقال السابق
فذْلَكة الكتاب!
المقال التالي
النبع الثاني: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}