ينابيع الرجاء - النبع العاشر {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}
وفي الآية استعارة تمثيلية، فقد شبَّه كونه تعالى حافظا لأعمال العباد، مترقِّبا لها، ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه أحد بحال، بمن قعد على الطريق مترصِّدا لمن يسلكها ليأخذه، ويوقع به ما يريد، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "إن ربك لبالمرصاد قال: يسمع ويرى"، والمرصاد في اللغة كذلك هو المكان الذي يجد فيه الراصد العدو. قال القرطبي: "أي على طريق العباد لا يفوته أحدٌ، والمرصَد والمِرصاد: الطَّريق".
وفي الآية استعارة تمثيلية، فقد شبَّه كونه تعالى حافظا لأعمال العباد، مترقِّبا لها، ومجازيا على نقيرها وقطميرها بحيث لا ينجو منه أحد بحال، بمن قعد على الطريق مترصِّدا لمن يسلكها ليأخذه، ويوقع به ما يريد.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "إن ربك لبالمرصاد قال: يسمع ويرى" [1].
والمرصاد في اللغة كذلك هو المكان الذي يجد فيه الراصد العدو. قال القرطبي: "أي على طريق العباد لا يفوته أحدٌ، والمرصَد والمِرصاد: الطَّريق"[2].
وهذا مَثَل لإرصاده العباد، وأنهم لا يفوتونه، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه عالم بما يصدر من جوارحهم، بل وبمكنونات ضمائرهم، فيجازيهم عليه؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وهو ما فهمه العرب أصحاب الفطرة، فلما قيل لبعضهم: أين ربك؟! قال: بالمرصاد!
ولذا وعظ العلماء بها الحكام تحذيرا لهم من عاقبة الظلم، فلما قرأ عمرو بن عبيد هذه السورة على الخليفة أبي جعفر المنصور حتى بلغ هذه الآية: {إنَّ ربَّك لبالمرصاد}، فقال: يا أبا جعفر!
وأنه عرَّض له في هذا النداء بأنه بعض من توعده الله بذلك من الجبابرة.
قال الزمخشري معلِّقا: "فلله دره! أيُّ أسد فَرّاس كان بين ثوبيه، يدق الظلمة بإنكاره، ويقصع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه"[3].
فهذه الآية تبث في القلوب السكينة والطمأنينة في قلب كل مسلم، لأنه يثق أن الكون له رب يدبِّر الأمر فيه، ويراقب أفعال العباد، ثم يجازيهم عليها في الدنيا قبل الآخرة، وأنه لا يفلت أحد من العباد من عواقب عمله، فمن عمل خيرا جازاه، ومن بغى واستطال أمهله ثم أخزاه.
ربنا المنتقم!
قال الماوردي: حكي أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوما في المصحف، فخرج له قوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] فمزَّق المصحف، وأنشأ يقول:
أتوعِدُ كل جبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربَّك يوم حشرٍ *** فقل: يا ربُّ مزَّقَني الوليد
فلم يلبث إلا أياما حتى قُتل شر قتلة، وصُلِب رأسه على قصره، ثم على سور بلده، فنعوذ بالله من البغي ومصارعه، والشيطان ومكائده، وهو حسبنا وعليه توكلنا [4].
100- فصل: إن العقوبة بالمرصاد
478- مازلت أسمع عن جماعة من الأكابر وأرباب المناصب أنهم: يشربون الخمور، ويفسقون، ويظلمون، ويفعلون أشياء توجب الحدود! فبقيت أتفكر، أقول: متى يثبت على مثل هؤلاء ما يوجب حدًّا؟ فلو ثبت، فمن يقيمه؟ وأستبعد هذا في العادة؛ لأنهم في مقام احترام لأجل مناصبهم.
فبقيت أتفكر في تعطيل الحد الواجب عليهم، حتى رأيناهم قد نكبوا، وأخذوا مرات، ومرت عليهم العجائب، فقوبل ظلمهم بأخذ أموالهم، وأخذت منهم الحدود مضاعفة بعد الحبس الطويل، والقيد الثقيل، والذل العظيم، وفيهم من قتل بعد ملاقاة كل شدة! فعلمت أنها ما يهمل شيء! فالحَذَرَ الحَذَرَ، فإن العقوبة بالمرصاد. صيد الخاطر 1-165.
[1] الدر 8/ 507- 508.
[2] تفسير القرطبي 20/ 50.
[3] السراج المنير 4/533 - محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي - ط مطبعة بولاق. في الصحاح «قصعت الرجل» صغَّرتُه وحقَّرتُه. أدب الدنيا والدين للماوردي ص317.
[4] أدب الدنيا والدين للماوردي ص317.
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة
- التصنيف: