ينابيع الرجاء - النبع الثاني عشر: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
قال ابن القيم: "جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في المتملق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته وهو فقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشف عنه بلواه، وقد جُرِّب أنه من قالها سبع مرات، ولا سيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره".
قال ابن القيم: "جمع في هذا الدعاء بين حقيقة التوحيد وإظهار الفقر والفاقة إلى ربه، ووجود طعم المحبة في المتملق له، والإقرار له بصفة الرحمة، وأنه أرحم الراحمين، والتوسل إليه بصفاته سبحانه، وشدة حاجته وهو فقره، ومتى وجد المبتلى هذا كشف عنه بلواه، وقد جُرِّب أنه من قالها سبع مرات، ولا سيما مع هذه المعرفة كشف الله ضره"[1].
ورغم أن كلمات هذا الدعاء لا تحمل معنى الطلب، ولا نبرات الدعاء، لكنها من أبلغ أنواع السؤال، وقد سئل سفيان بن عيينة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »[2].
وإنما هي ذكر إنما هي ذِكرٌ ليس فيه دعاء.
قال سفيان: سمعت حديث منصور عن مالك بن الحارث، يقول الله تعالى: « »[3]؟!
قلت: نعم.
قال: ذلك تفسير هذا، ثم قال: أتدري ما قال أمية حين أتى ابن جدعان يطلب منه نائلة ومعروفه؟
قلت: لا.
قال: لما أتاه قال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضك الثناء
قال سفيان: فهذا مخلوق حين يُنسَب إلى الجود قيل: يكفينا من تعرضك الثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا، فكيف بالخالق؟»[4].
وهذا من حسن الأَدب في السُّؤال والدُّعاء، فقول القائل لمن يعظِّمه ويطمع في فضله: أنا جائع .. أنا مريض .. هو حُسْنُ أدبٍ في السُّؤال، وفيه إظهار حاله والإخبار به على وجه الذُلِّ والافتقار، وهو متضمِّن لسؤال الحال وهو أبلغ من سؤال المقال، أما قوله (أطعمني وداوِني) فهو طلب جازم من المسؤول.
ولأن الصِّيغة التي تتضمن حال السائل والمسؤول مِنْ أكمل صيغ الدعاء المُفْضي إلى الإجابة، فلذا جاء كثير من الأدعية النبوية على هذا المثال؛ مِثل قول النَّبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق: « »[5].
وألمح في هذا الدعاء سؤال الله بصفاته التي تستدعي الإجابة وتستعطف الكريم، وهو وصف الرب سبحانه وتعالى بالمغفرة والرَّحمة، وهذا من استجداء الرحمة من الرحيم بأحب ما يحب ربنا ويرضاه. قال ابن القيم: "فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه عز وجل بفضله وجوده، وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معا، فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية"[6].
مدح ثلاثي لأيوب!
فما قصة أيوب؟!
وما خبر ابتلائه؟
اسمع: «إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم:
تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد.
قال: وما ذاك؟
قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به. فلما جاء إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك، فقال أيوب: لا أدري ما تقول، غير إن الله يعلم أني كنت أمُرُّ بالرجلين يتباعدان يذكران الله، فأرجع إلى بيتي، فأؤلف بينهما كراهة أن يذكر الله لا في حق.
وكان يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، فاستبطأته فأتته فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك، هل رأيت نبي الله المُبْتلى؟ والله على ذاك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا. قال: فإني أنا هو[7].
وجزاء هذا الصبر الطويل، ومكافأة له على عدم شكواه ورفع بلواه إلا لمولاه، فقد مدحه الله في كتابه، وما أعظم هذا الصبر حتى يمدحه الله جل في علاه، وليست مدحة واحدا بل ثلاث مدحات متتاليات: {إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
[1] الفوائد 1/201
[2] حسن: رواه مالك عن طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا كما في السلسلة الصحيحة رقم: 1503
[3] ضعيف: رواه الترمذي عن أبي سعيد كما في ضعيف الجامع رقم: 6435
[4] فضائل الأوقات للبيهقي 1/369،370
[5] صحيح: [حم ق ت ن هـ] عن ابن عمر وأبي بكر كما في صحيح الجامع رقم: 4400
[6] الوابل الصيب من الكلم الطيب ص 91
[7] الدر 5/ 659
خالد أبو شادي
طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة
- التصنيف: