من نواقض الإسلام - (1) الشرك في عبادة الله (6)

منذ 2014-03-27

طلب العون من جلب خير أو دفع شر، وهي نوع من أنواع العبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ومن صرفها لغير الله فقد وقع في الشرك

المسألة الثامنة: الاستغاثة بغير الله

والاستغاثة: طلب العون من جلب خير أو دفع شر، وهي نوع من أنواع العبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ومن صرفها لغير الله فقد وقع في الشرك وسبق توضيح ذلك.

قال شيخ الإسلام في الرد على البكري. ص: [387]: "ولا يجوز أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين، ولا الميتين، مثل أن يقول: يا سيدي فلاناً أغثني، وانصرني، وادفع عني، أو أنا حسبك، ونحو ذلك، بل كل هذا من الشرك الذي حرم الله ورسوله، وتحريمه مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام".

قول المصنف: "الذبح لغير الله كمن يذبح للجن والقبر".

المسألة التاسعة: الذبح لغير الله.
من ذبح لغير الله كمن يذبح للصنم أو للجن أو للقبر أو للكعبة أو لشجرٍ أو لحجرٍ أو مكانٍ فقد أشرك شركاً أكبر، وذبيحته حرام سواءً كان الذابح مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً وهذا الذابح إن كان مسلماً قبل ذلك صار بذبحه لغير الله خارجاً من الملة لأنه صرف عبادة عظيمة لغير الله.

قال ابن عثيمين في (مجموع فتاواه ورسائله) [2/148]: " الذبح لغير الله شرك أكبر، لأن الذبح عبادة كما أمر الله في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]".

والذبح من حيث حكمه الشرعي له ثلاثة أنواع:
1- الذبح التعبدي: وهو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه مخصوص، كالأضحية والعقيقة والهدي والوفاء بالنذر، وهي إما أن تكون مستحبة كالأضحية أو واجبة كالوفاء بالنذر.

2- الذبح البدعي: وهي أن يتقرب إلى الله بإزهاق الروح بإراقة الدم ويصحب فعله أمر محدث، كأن يتقرب بجنس لم ترد به الشريعة، فيأتي في مواضع منصوص على بهيمة الأنعام فيها من غنم أو إبل أو بقر وهو يتقرب بدجاجة.

3- الذبح الشركي الأكبر: وهو أن يصرف عبادة الذبح لغير الله متقرباً له كأن يذبح للجن أو لصاحب القبر ونحوه.

تنبيه: الذبح إكراماً للضيف لا يعد من الذبح لغير الله لأنه لم يقصد بإراقته للدم التقرب للضيف بل المقصود اللحم لا إراقة الدم فإراقة الدم جاءت تبعاً لا قصداً، بخلاف الذبح الذي يذكر في أبواب التوحيد فإن إراقة الدم فيه مقصودة لغير الله فتكون قصداً لا تبعاً.

وعليه فإن الذبح عند استقبال الرجل من سلطان أو غيره على أربعة أقسام:
1- شرك أكبر: إذا تقرب به إلى القادم بها.
2- بدعة: إذا تقرب إلى الله بالذبح عند مروره.
3- محرم: إذا ذبح مريداً اللحم وكان في فعله إسراف.
4- مستحب: كالذبح مريداً اللحم عند استقبال الضيف إظهار للإكرام، ولم يصاحب ذلك إسراف، والإكرام الممدوح شرعاً صفته راجعة لعادة القوم.

• ومن صور الشرك الأكبر الذي لابد من التنبيه عليه: النذر لغير الله تعالى؛ لأنه منتشر في بعض البلدان الإسلامية؛ فالنذر عبادة لا يجوز صرفها لغير الله ومن نذر لغير الله فقد أشرك، كمن نذر لولي صالح أو شجر أو حجر، فمن فعل ذلك انسلخ من الإسلام ووقع بما وقع فيه كفار قريش قال الله تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر من الآية:3].

وكمن يقول: لفلان عليَّ نذر، أو لهذا القبر عليّ نذر، أو لجبريل عليّ نذر يريد بذلك التقرب إليهم فقد وقع في الشرك ولا ينعقد نذره ولا يجب فيه الكفارة وعليه التوبة لأنه وقع في شرك أكبر.

المسألة العاشرة: هل الكفر والشرك بمعنى واحد أم يختلفان؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:
القول الأول: أنهما يختلفان فكل شرك كفر وليس كل كفر شركاً.
واستدلوا:
1- بأن بينهما فرقاً في لغة العرب وعليه يكون بينهما فرق في الشرع لأن الشرع نزل بلغة العرب.
2- قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة من الآية:1].
ووجه الدلالة: أن الله تعالى عطف على أهل الكتاب المشركين والعطف يقتضي الفرق والمغايرة.
3- أن من أشرك بالله فقد كفر بالأوامر التي جاءت بتوحيد الله فمن هنا صار كل مشرك كافراً، وأما الكفر فهو أعم من الشرك فمثلاً من لا يعبد إلا هواه أو غيره من المعبودات الباطلة وحدها دون الله جلّ في علاه، أو من يدعي أنه لا يعبد أحداً فهؤلاء لم يشركوا لأنهم لم يعبدوا إلا واحداً وهو معبودهم الباطل ولم يتحقق فيهم الشرك لأنهم لم يعبدوا الله حتى يكون هناك تسوية، فهنا حصل الكفر دون الشرك.
ويوضح ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في (التدمرية) ص [169]: " فالإسلام يتضمن الاستسلام لله وحده فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته، والمشرك والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده ".

والقول الثاني: أن الكفر والشرك اسمان لمسمى واحد فهما سواء.
واستدلوا:
1- بقوله تعالى: {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف من الآية:35-36] ثم قال: {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف من الآية:42] وقالوا: أن وجه الدلالة أن هذه الأشياء المذكورة على قول المفرقين كلها كفر ومع ذلك أطلق عليها شركاً.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن وصفه للجنة بقوله: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [الكهف من الآية:35] حيث وصفها بالدوام وهذا شرك أكبر إذ أنه لا يوصف بالدوام إلا الله سبحانه {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26-27] وبهذا يسقط الاستدلال.

2- قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء:48].
وقالوا: أن وجه الدلالة أن القول بالفرق بينهما يلزم منه أن الكفر يُغفر.

ونوقش هذا الاستدلال: بأننا لا نسلم أن الكفر دون الشرك فإن الكفر إن لم يكن مساوياً للشرك فهو أعظم منه، فمن جحد وجود الرب سبحانه فقد كفر ولا شك أن هذا أعظم من الشرك. فأدلت عدم غفران الشرك تستلزم عدم غفران الكفر من باب أولى.

3- قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية من الآية:23].
ووجه الدلالة: أنه كفره لما اتخذ إلهه هواه وهذا شرك.

ونوقش هذا الاستدلال:
أن هذه الآية لا دلالة فيها إذ أن من اتخذ إلهه هواه لا يخلو من حالتين:
إما أنه ينكر الرب سبحانه ويعبد هواه وحده فهذا لا يكون إلا كافراً وإما أنه يعبد الله وهواه وهذا يكون مشركاً، والآية على كلا الحالتين لم تحكِ لنا حاله هل هو مشرك أو كافر.

والقول الأول: هو قول أبي حنيفة.
والثاني: هو قول الشافعي كما حكى ذلك ابن حزم، ومال شيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول الأول كما هو ظاهر كلامه السابق. والله أعلم.

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

المقال السابق
(1) الشرك في عبادة الله (5)
المقال التالي
(2) من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم (1)