الدم السني المستباح في العراق

منذ 2014-03-30

لقد بات الدم السُّنِّي من أرخص الدماء وأقلها في العالم قيمةً، وإذا ما تكلمنا عن الدم السُّنِّي المستباح في العراق؛ فَحَدِّثْ ولا حرج.

ربما يتبلد شعور وإحساس المسلمين من أهل السُّنَّة من كثرة الدماء التي تسيل كل يوم من جسدهم المستباح من أعدائهم، سواء في العراق أو سوريا أو بورما أو إفريقيا الوسطى أو غيرها، إلا أنَّ ذلك لا يعني أنْ يتوقفوا عن المقاومة ومحاولة التصبُّر على مُصابهم الأليم، الذي نسأل الله أن تكون محنة ستعقبها منحةٌ وفرجٌ قريبٌ. والمحن والابتلاءات سُنَّة من سُنن الله التي تجري على عباده كما هو معلوم، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].

ولا شك أنَّ تلك المحن إنما تكون تصحيحًا لمنهج الأمة إذا انحرفت عن مسارها المبيَّن لها في كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما عَبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ؛ سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا، لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». (رواه أبو داود [3464]، وصححه الألباني).

نعم؛ لقد انحرفت الأمةُ عن مسارها الإسلامي، الذي أعزها الله تعالى به منذ عقود طويلة، وانشغلت بزخرف الحياة الدنيا عن الأهوال والمكائد والمؤامرات التي تُحاك ضدها، ولم تستيقظ إلا وقد تداعت عليها الأممُ كما تَدَاعَى الأكلةُ إلى قصعتها، كما أخبر الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم.

لقد بات الدم السُّنِّي من أرخص الدماء وأقلها في العالم قيمةً، وإذا ما تكلمنا عن الدم السُّنِّي المستباح في العراق؛ فَحَدِّثْ ولا حرج، فقد قُتِل أكثر من مليون عراقي منذ بداية الغزو الأميركي للعراق سنة (2003) -حسب إحصائيات صادرة عن مؤسسات بريطانية محايدة-.

وبعد خروج الاحتلال الأمريكي من العراق؛ استلم مهمة قتل أهل السُّنَّة منه الرافضةُ التابعين لنظام (ملالي طهران)، مما يعني أنَّ أهل السُّنَّة باتوا هم الحلقة الأضعف في العراق، على الرغم من كونهم يُشكِّلون ما بين (53–58%) من مجموع سكان العراق، بينما يمثل الشيعة ما بين (40–43%)، إلا أنَّ الفارق هو أنَّ هناك دولة واحدة فقط تدعم الشيعة في العراق، بينما لا يدعم سُنَّة العراق دولة سُنّية بعينها، وهم مع كثرتهم دعمهم لا يوازي دعم دولة واحدة للشيعة.

لقد تواردت الأنباءُ منذ أيام عن إقدام مسلحين مجهولين -يُرجَّح أنهم ينتمون إلى تنظيم "عصائب أهل الحق" الشيعي- على إعدام (27) سنيًّا ميدانيًّا في بلدة (بهرز) جنوبي محافظة (ديالى) الواقعة شرقي العراق، التي شهدت في وقت سابق مقتل (16) مدنيًّا على أيدي قوات "سوات"، التابعة لوزارة الداخلية العراقية وتنظيم "عصائب أهل الحق" الشيعي.

وتشير إفادات شهود عيان من المنطقة إلى أنَّ مسلحين بزي مدني نفذوا عمليات إعدام ميدانية واسعة، طالت (27) شخصًا من سكان (بهرز)، أغلبهم من النازحين السُّنة الذين عادوا للبلدة، وذلك على مَرْأَى ومَسْمَع وتحت حماية قوات من الجيش والشرطة، وهو ما يؤكد انتماءهم للرافضة، حيث لا تحمي قوات الجيش والشرطة إلا المليشيات الشيعية.

ولم يقتصر الأمر على القتل فحسب، بل وصل إلى حد إحراق أربعة مساجد وعدد من منازل المواطنين السُّنَّة في منطقة (بهرز)، وذلك على يد قوات الجيش والشرطة التي باتت مليشيات تابعة للمالكي، وليست مؤسسات عسكرية مهمتها الدفاع عن المواطنين كما في أي دولة حديثة.

وتأتي أخبار اليوم لتؤكد أنَّ الدم العراقي قد بات مستباحًا مِن قِبَل المالكي ومليشياته الطائفية، فقد كشفتْ هيئةُ علماء العراق في تصريح صحفي، أصدره قسم الثقافة والإعلام اليوم الأربعاء (26/ 3/ 2014)؛ عن قيام ما تُسمَّى استخبارات الفرقة (17) في جيش المالكي وميليشياته الطائفية قبل يومين باختطاف سبعة رجال وامرأة من مناطق متفرقة، ضمن قطاع الفرقة جنوبي العاصمة بغداد. ونسبت الهيئة إلى شهود عيان قولهم: إن ضباط استخبارات الفرقة المذكورة وميليشياتها أقدموا على إحراق المخطوفين وهم أحياء، قبل أنْ يُلْقوا بجثثهم المتفحمة في منطقة (البو مفرج) التابعة لناحية (اليوسفية) جنوب بغداد.

وكانت الهيئة قد ذكرت قبل يومين أنَّ قوات "سوات" ترافقها "صحوات حلف الغادرين" أقدمت على إحراق منزل الشيخ (عبد القادر النايل) المتحدث باسم الحراك الشعبي في مدينة الرمادي، ثم فجَّرته بعدد من العبوات الناسفة.

إنه لمشهد مؤلم وصادم وعجيب أنْ ترى العجز العربي والإسلامي عن وقف نزيف الدم السُّنِّي المستباح، الذي يسيل في العراق وغيرها، على الرغم من الإمكانات المادية والعقائدية التي وهبها الله لهذه الأمة المختارة، إلا أنَّ العجب قد يتلاشى إذا تذكرنا مقدار وحجم ومدة الانحراف عن منهج الله الذي وقعنا به، والذي لابد أنْ نعود إليه، ونتمسك به من جديد؛ إنْ أردنا لهذه المحنة أنْ تزول وتنقلب إلى منحة.