كفاكَ تفاخرًا يا ابن آدم، فأصلك من ماءٍ مهين
أفق يا ابن آدم من غفلتك وملهاتك بفتن وزهو الدنيا! أفق يا ابن آدم فأنت أحقر مما تدّعي الفخر به! أفق يا ابن آدم فما أنت إلا عدّة أنفاسٍ في صدر ميّت! أفق يا ابن آدم فأنت بشرٌ مِن مَن خلق الله، وكان يمكن أن تكون خلقًا آخر لو أراد الله لكَ ذلك..
ألا تعرف من أنا؟!
أنا من عائلة (...)!
أنا بلدي (...) وكلي فخر..
أنا حاصل على الدكتوراه في (...).
أنا زوجي (،،،).. وعندي من الأولاد (...).
رصيدي في البنك (...).
عبارات تتردد هنا وهناك، بمناسبة أو بدون مناسبة، في مواقف مختلفة.. منها التعارف، وأخرى للإرهاب، وبعضها للزهو والخيلاء والعُجب! فعادة ابن آدم التباهي بما لديه، من حسب ونسب ومال وبنون وشهادات و.. و.. أفق يا ابن آدم من غفلتك وملهاتك بفتن وزهو الدنيا! أفق يا ابن آدم فأنت أحقر مما تدّعي الفخر به! أفق يا ابن آدم فما أنت إلا عدّة أنفاسٍ في صدر ميّت! أفق يا ابن آدم فأنت بشرٌ مِن مَن خلق الله، وكان يمكن أن تكون خلقًا آخر لو أراد الله لكَ ذلك.. بعوضة أو ما فوقها.. فكفاك تفاخرًا يا ابن آدم.. كفاكَ!
كفاك تفاخرًا يا ابن آدم.. فإنها من أمور الجاهلية!
قال من لا ينطق عن الهوى صلوات ربّي وسلامه عليه: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: التفاخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة» (فتاوى نور على الدرب لابن باز:14/424، صحيح)، من أمور الجاهلية يابن آدم! الجاهلية التي جاء الإسلام وطمس ظلامها بنوره وقضى على كل ذميم.. ألا يخزيك فعلها الآن!
كفاك تفاخرًا يا ابن آدم بما لا تملك، نعم ما تفخر به هو ليس ملكك! تفخر بالحسب والنسب والمال والبنون وغيرها من الأمور التي ينعم الله عليك وليست بكسبك! فلو شاء الله ما أعطاك إياها، فليس لك من الأمر شيء، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم:40]، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22].
فلا تغلو بالزهو يا ابن آدم زهوًا يُنسيك شكر النعم! قال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الأعراف:10]، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78].
كفاك تفاخرًا يا ابن آدم فأصلك من ماءٍ مهين! أنسيت ممّا خُلقت؟ خُلقت من نطفة وماء مهين، يخرج من بين الصلب والترائب {{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات:20]، وقال {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5-6]، فمهما كنت ابن كذا أو بلدك كذا أو عندك كذا، فأصل بني آدم كلهم واحد، الماء المهين والطين اللازب! {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة:8]، فتذكّر قبل أن تتباهى وتتكبّر..
انظر إلى نبيك خير أسوة، تأمّل كلمات المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي هو خيرٌ منّي ومنك، لم يفخر يومًا بكونه خير البريّة والنبي المختار، وهو الذي اجتمعت فيه صفات الكمال البشري، وغُفر له ما تقدّم وما تأخّر من ذنبه! قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر..» (صحيح ابن ماجه:3496)، وانظر في سيرته وتواضعه مع أصحابه ومشورتهم في أمور الحياة! وانظر إلى انكساره إلى ربه رغم معرفته قدره عند ربه فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» (صحيح البخاري:1130)، فبمَ تفخر أنت من بعده يا عبد الله؟!
انظر إلى ضعفك أمام جنود ربك، فيروس ضئيل الحجم، لا يُرى بالعين المجرّدة، قادر بأمر الله على أن ينهك قواك ويُمكثك في فِراشك أيامًا! بعوضة تعكّر صفو منامك، وميكروب قد يفضي بحياتك، وفي النهاية دودة الأرض تأكل جيفتك! فماذا أنت فاعل حيال ذلك؟ أعرفت ضعفك أمام أضعف جنود ربك؟! ألا تستحي من ذنوبك وتقصيرك في حق خالقك فتنكسر له ذلّا؟! ربك الذي يملك زمام أمرك كله منذ ولادتك حتى مماتك، فلا تشاء إلا أن يشاء الله..
فخرك وعزّك في كونك عابدًا لربك.. افخر يا ابن آدم فقد اختارك الله لعبادته وحده، فغيرك الكثيرون تائهون يعبدون ما لا يملك لهم ولا أنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ويوم القيامة يكونون عليهم ضدًا، فكم من بني آدم لا يتذوّقون حلاوة الإيمان ولا فخر الإسلام، حين تلامس جبهتك الأرض سجودًا لخالقك، حينها تصفو نفسك ويعلو شأنك ويُرفع قدرك بانكسارك لربك.
فخرك بتوفيق الله لك للعمل بما يرضيه ويزيدك عنده مكانة سبحانه.
فخرك حين تذكر الله فيذكرك في ملأ خيرًا منه.
فخرك في إقبال الله عليك على قدر إقبالك عليه وإخلاصك له وتفانيك في خدمة دينك.
فخرك الحقيقي حين تلقى الله راضٍ عنك يباهي بك الملأ الأعلى، قُبضت على كلمة الإخلاص والتوحيد، متمسّكًا بكتاب الله وسنّة نبيه في زمن الفتن والشهوات {{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[آل عمران:170]، فحينها.. وحينها فقط حقيقٌ لك أن تفخر بما صنعت وبما وفقك الله له، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
فكفاكَ تفاخرًا يا ابن آدم..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أم جويرية
باحثة شرعية وصاحبة مدونة إسلامية (رحمها الله)
- التصنيف:
- المصدر: