يا أستاذ الجيل... يرحمك الله

منذ 2014-04-05

قبل أن تطالع عيناي كتاباتك الرائدة، كنت أقلب وجهي في كتابات كثيرة، وأُعمل فكري في نفوس أكثر، كنت دائم البحث عن رائد للحق أتعرف إليه، وأطمئن إلى التتلمذ على يديه، وسألت الله أن يرزقنيه، فساق الله إليّ بعض كتبكم الرائعة...

قبل أن تطالع عيناي كتاباتك الرائدة، كنت أقلب وجهي في كتابات كثيرة، وأُعمل فكري في نفوس أكثر، كنت دائم البحث عن رائد للحق أتعرف إليه، وأطمئن إلى التتلمذ على يديه، وسألت الله أن يرزقنيه، فساق الله إليّ بعض كتبكم الرائعة...


ومثلما تمسح بشائر ضوء الفجر وجه الظلام، وتغيّر طبائع النفوس إلى الأفضل، انسابت كلماتك في نفسي وروحي؛ فأضاءت ظلمةً كنت أشعرها في قلبي، وآنست وحشةً كنت أعاني منها في نفسي!!


فقلت في نفسي: الحمد لله، مازال هذا الصنف من الدعاة موجودًا بين المسلمين!! ولم أكن أشد فرحًا من فرحي وسعادتي أن أجدك...

من هنا كان انطلاقي، وعلى ضفة أخوتكم في الله كان قراري...

يرحمك الله يا أستاذنا...


لقد حلقت بكتاباتك في سماء الإسلام، فذاق من يقرؤونها حلاوة الإيمان؛ وأشرقت أنواره في قلوبهم، وبقبت ـأستاذناـ تسقي من راحتيك كل عطشان للهداية، وجعلت من هؤلاء العطشى إخوان صدق، يعيشون الإسلام في نهارهم، ويحلمون به في ليلهم، ويرسمون بخطاهم إلى أهدافهم الطريق للسالكين...

يرحمك الله أستاذنا...


تعلمنا منك أستاذنا... أن الوصول إلى المجتمع الإسلامي ليس رحلة قصيرة قريبة المنال، ما نفتأ نتمناه أو نتحدث عنه حتى تنجلى لنا الأمور وتستقيم لنا الطريقة، وإنما هي رحلة طويلة وشاقة، تبدأ بخطوة وتستمر خطواتها التالية مدى الحياة، لا تنتهي ولا تتوقف...


وتعلمنا منك أستاذنا... أن الذين يسقطون أمام الاستعباد، هم الذين لا يصبرون على الحرمان الذي يفرضه المستبِدون ، ولا يصبرون على الآلام التي يسلطها عليهم المستكبرون، وهم الذين لا يصبرون على مواقف التحدي، ولذلك فإن نقطة البداية ليست خارجنا، وإنما الفرصة توجد داخلنا، فإذا حررنا أنفسنا من القيود التي فُرِّضت علينا، أمكننا مواجهة كل العالم لأننا عندها نمتلك القدرة على النظر في عيون الحقيقة بلا خوف، واحتمال كل شيء حتى الموت، بعد أن تحملنا حياة هي أصعب وأخطر من الموت...!!


وتعلمنا منك أستاذنا... أن الوطن ليس قطعة من الأرض، بل هو يمتد في الزمان والمكان والمشاعر والآمال، وأن موطن المجاهد هو أمل الملايين ممن يتطلعون إلى الحرية، هناك حيث يحتضن حلم الإسلام، و يسعى من أجل تحقيقه، ويواجه كل القوى التي تتحالف على طمس بصيص ضوئه، وتجتمع من كل حدب، ومن كل مارق، وكل مريب...


وتعلمنا منك أستاذنا... إن الحرية تكون هدفًا ممكنًا حين نتوق إلى التحرر، ونكتسب القدرة على رؤية المستحيل ممكنًا مهما عشنا وسط موانع الأمل والعمل، وكواتم التنفس والهمس، ومصدّات رياح الحرية؛ فلا نترك الاستبداد يفترس آمالنا وأحلامنا، وهممنا وعزائمنا، وقدرتنا على العمل...

يرحمك الله أستاذنا...


حين وصلني خبر رحيلك، تذكرت رفيق دربك، أستاذنا سيد قطب... ذلك المجاهد الذي قضى نحبه في هذا الطريق، فلم يغب مذهبه الوثيق وحسه الرقيق، وإنما ختم حياته واستراح كما يستريح المتعَب الذي ظل يحمل هم مجتمعه ويحاول إخراجه من التيه إلى الرشاد، وبقيّ أمينًا على الحقيقة لا يسأم من أدائها شهادة، ولا يهتم إذ يقبض عليها أن يقبض على نار تحرق أصابعه، ما دامت هي النور يكشف ظلمة الباطل...