انتهى العمر!

منذ 2014-04-05

نعم! لعل جملة العنوان مبهمة، لكنها تكاد أن تكون حقيقة واقعة عن قريب لكل منا، فإن الأيام تتتابع تتابعًا، وتتلاحق خلف بعضها بعضًا مسرعةً هائجةً، وكأن سني العمر تُسابِق بعضها لترحل إلى ربها.

نعم! لعل جملة العنوان مبهمة، لكنها تكاد أن تكون حقيقة واقعة عن قريب لكل منا، فإن الأيام تتتابع تتابعًا، وتتلاحق خلف بعضها بعضًا مسرعةً هائجةً، وكأن سني العمر تُسابِق بعضها لترحل إلى ربها.


إن العمر قد انتهى أو أنه يوشك على النهاية، فما العمر إلا مجموعة أيام منعقدة معًا كأنها عقد مربوط، ما يلبث أن تنفك حباته وتنفرط روابطه فيذهب كله.


"إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك"، تلكم كانت مقولة السلف الصالحين في وصف العمر.

«ما لِي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكِبٍ استَظَلَّ تحتَ شجرةٍ ، ثم راح وتَرَكَها» (رواه الترمذي)، وتلكم كان وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في العمر والدنيا.


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يتَقاربَ الزَّمانُ؛ فتكونُ السَّنةُ كالشَّهرِ، والشَّهرُ كالجُمُعةِ، وتكون الجُمُعةُ كاليومِ، ويكون اليومُ كالسَّاعةِ، وتكون السَّاعةُ كالضَّرمَةِ بالنَّارِ» (أخرجه الترمذي)، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُ‌هُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ‌ يَتَعَارَ‌فُونَ بَيْنَهُمْ}[يونس:45].

 

إن قوما فرحوا بأعمارهم، وغفلوا عن كونها توشك على النهاية، فتصارعوا على الحياة، فضروا وأضروا، وآذوا وأوذوا، وظلموا وتجبروا، وعصوا وتعدوا حدود الله سبحانه، راكنين إلى فرحة مؤقتة وسعادة راحلة، ونعيم زائل، وسلطان منتهٍ غير قائم، ونسوا ما ينتظرهم من الحق، نسوا الموت القادم القريب، ونسوا الحساب الشديد، ونسوا القدوم على الملك الجبار، عرايا فرادى، ضعفاء كسراء أذلاء، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يَتبَعُ الميِّتَ ثلاثَةٌ؛ فَيرجِعُ اثنانِ وَيَبقَى مَعَهُ واحدٌ، يَتْبعُهُ أَهْلُهُ وُمالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيرجِعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويَبقَى عَمَلُهُ» (متفق عليه).
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: " ابنَ آدمَ إنَّكَ لم تَزَلْ في هَدْمِ عُمُركَ مُنذ يومِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ" الزهد لـ "ابن أبي الدنيا".


إن الذي يعيش غير غافل عن النهاية يعيش متحسبًا لها، مهتمًا لداره الأُخرى التي سينتقل إليها قريبًا، فيعمرها بما يحب، فيأخذ من حياته ما يعينه على سفره الطويل.


ويقول ميمون بن مهران: "لا يكونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حتَّى يحاسِبَ نفسَهُ محاسَبَةَ شَريكِهِ، وحتَّى يَعْلَمَ مِن أَينَ مَلْبَسُهُ ومَطْعَمُهُ ومَشْرَبُهُ" الزهد لـ "وكيع".
قال الماوردي: "أن يتَصفَّحَ الإنسانُ في لَيلِهِ ما صَدَرَ من أفعالِ نَهارِهِ، فإن كان محموداً أمضاهُ وأَتبَعَهُ بما شَاكَلَهُ وضَاهاهُ، وإن كان مَذْمُوماً استدْرَكَهُ وانتَهَى عَن عَمَلِ مِثلِهِ" أدب الدنيا والدين.
قال مالك بن دينار: "رَحِمَ اللهُ عَبداً قالَ لنفسِهِ كلَّ ليلةٍ: أَلستِ صاحبةَ كَذا؟! ألستِ صاحِبةَ كذا؟! ثُمَّ ذَمَّها، ثُمَّ خَطَمَها، ثُمَّ أَلْزَمَها كِتابَ الله وَكانَ لها قائِدًا" محاسبة النفس لـ "ابن أبي الدنيا".

 

خالد رُوشه 

28/2/1435 هـ