تلخيص كتاب واقعنا المعاصر - (3) جيل الغربة الثانية
إن هذا الغثاء الذي يعيش بالملايين اليوم لا يحتاج إلى مجرد وعظ وإرشاد، إنما يحتاج إلى انتشاله من الجاهلية التي تحيطه وتضغط على حسه.
ومن أشد العناصر تأثيرًا في إخراج جيل الصحابة الفريد وإيصال نفوس كثير من أفراده إلى أقصى طاقات الخير، والاستواء بها على القمم السامقة التي وصلت إليها وجود الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بشخصه بين ظهرانيهم، وهو ما أدى لوفرة ملحوظة في النماذج الباهرة في هذا الجيل العجيب، وكيف لا؟! وقد تربت هذه النفوس على عينه صلى الله عليه وسلم، ونهلت من معينه واتخذته الأسوة والقدوة، من طريق الصحبة والمشاهدة والسماع، يقول أبو سفيان -قبل إسلامه-: "ما رأيت أحدًا يحبه الناس كحب أصحاب محمد محمدًا".
إن الخصائص الرئيسية التي تقوم بتحقيق الوجود الإسلامي في عالم الواقع مستمدة بكاملها من القرآن والسنة، وهو ما يضمن إمكانية تحقيق هذا الوجود شريطة أن يوجد من يأخذهما بقوة، صحيح أن وفرة النماذج الفذة في هذا الجيل ارتبطت بعناصر أخرى غير الكتاب والسنة، كشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا لا يمنع أن هذين المصدرين قادرين على إنتاج نماذج فذة أخرى، وإن لم تكن بنفس الوفرة التي كانت في جيل الصحب الكرام..
في هذين المصدرين كل مواد البناء اللازمة لرفع البناء الإسلامي في كل زمان ومكان، ويبقى فقط من يتولى البناء، وفي رأيي أن حركة البعث الإسلامي المعاصرة هي أقرب الحركات أن تتمثل فيها خصائص ذلك الجيل المتفرد، لأن الإسلام يعيش غربته الثانية التي تشبه في كثير من حيثيات الغربة الأولى، وهو ما يوفر نفس الدوافع والظروف لظهور نماذج سامقة جديدة.
إن هذا الغثاء الذي يعيش بالملايين اليوم لا يحتاج إلى مجرد وعظ وإرشاد، إنما يحتاج إلى انتشاله من الجاهلية التي تحيطه وتضغط على حسه، إن هذا الغثاء يحتاج إلى تنشئة جديدة على حقائق الإسلام، ليعيش الإسلام كنظام توجيه وتحكم ومرجعية لكل فعل وقول في حياته..
إن جيل الغربة الثانية صحيح أن الرسول ليس موجودًا بشخصه بينهم، لكن ظروف الغربة بكل قسوتها وما فيها من تمحيص وابتلاء، والنشأة الجديدة يجعل الحق يتوهج في قلوب الغرباء الجدد، إلى الحد الذي يصل بتأثير هذه الظروف إلى ما يشبه معايشتهم للرسول صلى الله عليه وسلم.
خالد الشافعي
داعية مصري سلفي
- التصنيف: