وقفات منهجية تربوية - (5) الوقفة الثانية: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره

منذ 2014-04-10

لما دخل الصّديق رضي الله عنه بيت ابنته عائشة ورأى الفاجعة قد وقعت، وأن المصيبة الكبرى قد حصلت رَضِيَ بقضاء الله وقدره. فالرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وأن أفعال الله تعالى لا تكون إلا بحكمة واجب، كما أن الرضا بذلك والتسليم لحكم الله من أعظم أسباب تثبيت الله لقلب العبد على الإيمان والهدى، فانظر رباطة جأش الصّديق رضي الله عنه ومن ثم الصحابة، مع هول الفاجعة

إلا أنه ذكرهم بالتوحيد وأخبرهم أن الأمر حق لا مرية فيه وأن المصاب قد وقع ولا دافع له، ولهذا فتذكير الناس وتعليقهم بالله عز وجل عند حصول المصائب من أعظم الأمور نفعًا لتثبيت قلوبهم.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يربط أصحابه بالتوحيد وقوة اليقين، فهذا كما قال العلماء: هو مدلول الآيات في القرآن الكريم أن التعلق بالله تعالى في كل أمر يخفف المُصاب على صاحبه.

وهذا ما يخفى ويغيب عن كثير من دعاة الإصلاح حيث تقع النازلة فيهملون الكلام عن تعليق الناس بربهم، وأن الأمر كله لله، وأن هذا من قضاء الله وقدره الذي يجب التسليم لأمره.

وقد تغيب هذه المعالم عند الفاجعة فيحصل الغلط واللبس من الاعتراض على القضاء والقدر بالتسخط وإظهار الضجر؛ لكن لو أن الداعية رسخ هذا الجانب في قلوب الناس من قبل لهان الأمر عليهم ولتذكروا قول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156].

فموت النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الفواجع؛ بل إنه المصيبة الكبرى، وقد قال صلى الله عليه وسلم مبينًا عظيم فاجعة موته صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة وغيره: «يا أيها الناس أيما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمصيبة فلَتَعَزَ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري».

وبعض الناس من هول الفاجعة قد يعارض القدر بقوله أو فعله كما هو شأن الجاهليين، فمن الفعل: شق الثياب، ونتف الشعور، ومن القول: التسخط باللفظ اعتراضًا على قضاء الله تعالى، وعدم الرضا به، وانظر إلى ثبات الصّديق رضي الله عنه مع عظم الفاجعة كيف كان -بتوفيق الله- ثابت الجنان متماسك البنيان.

خرج أبو بكر رضي الله عنه من بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رضي الله عنه يخطب الناس ويهدد بقتل من يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات، ويقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى عليه السلام إلى ربه، وليرجعن فليضربن أعناق قوم منافقين. دخل الصّديق رضي الله عنه إلى المسجد فقال: اجلس يا عمر.

والسؤال: لماذا بدأ الصديقُ الخطابَ بعمر قبل أن يخاطب الناس؟؟

هذا ما سنعرفه في الوقفة التالية بإذن الله تعالى...

 

ملخص من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة.

المقال السابق
(4) الوقفة الأولى: التثبت من الأخبار قبل إصدار الأحكام
المقال التالي
(6) الوقفة الثالثة: المبادرة إلى تبليغ العلم، والسعي في إزالة اللبس