عفو الرسول صلى الله عليه وسلم

منذ 2014-04-10

إنَّ من طبيعة البشر التي لا مهرب منها أنهم يُخطئون.. صرَّح بذلك رسول الله عندما قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» [1]. ولا يُستثنَى من هذه القاعدة إلا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. وإذا كان الخطأ متوقعًا بهذه الصورة من كل إنسان فلا بد من وجود منهج ثابت في الشرع الحكيم لمواجهة أخطاء البشر.

مَنْ مِن البشر لا يخطئ؟!

إنَّ من طبيعة البشر التي لا مهرب منها أنهم يُخطئون.. صرَّح بذلك رسول الله عندما قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» [1]. ولا يُستثنَى من هذه القاعدة إلا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. وإذا كان الخطأ متوقعًا بهذه الصورة من كل إنسان فلا بد من وجود منهج ثابت في الشرع الحكيم لمواجهة أخطاء البشر. وجيل الصحابة هو أفضل أجيال الأرض.. لا نقول ذلك اجتهادًا منَّا، بل شهد لهم بذلك رسول الله حين قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» [2]. بل شهد لهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه الكريم، ويكفي أن نشير مثلاً إلى قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29].

ولكن ليس معنى ذلك أن الصحابة ليسوا بشرًا، أو أنه لا تجري عليهم أحكام البشر التي تجري على عامة الناس، ومنها وقوع الخطأ. نعم الخطأ في حقهم قليل، ونعم أخطاؤهم تذوب في بحار حسناتهم، إلا أنها في النهاية موجودة.. وكان للرسول منهج واضح ثابت في معالجتها.. وإن شئت أن تُلَخِّص هذا المبدأ في كلمة واحدة فستكون هذه الكلمة هي منهج (الرحمة)!

وقد يتعجب إنسان من أن يكون منهج علاج الخطأ هو منهج الرحمة؛ لأن الذي يقفز مباشرة إلى الذهن عند الحديث عن الأخطاء هو العقاب، وليس الأمر كذلك على الدوام.. بل كان الكثير من الأخطاء يُعَالَج عن طريق الابتسامة والتوجيه والنصح والتعليم قبل أن يأتي عقابٌ أو شدة. بل إن الرسول كان إذا اضطُرَّ أحيانًا للعقاب، كأن يكون الأمر إلى قتلٍ متعلقًا بالحدود، فإنه كان يطبق هذا الحَدَّ برحمة، وحتى إذا وصل الأمر إلى قتل أو رجم فإنك تلحظ فيه بوضوح مظاهر كثيرة للرحمة. كان محمد أذكى وأدين وأرحم إنسان عرفه التاريخ [3].

لقد تحول الزعيم الصيني ماوتسي تونج (1893م- 1976م) في نظر مواطنيه إلى ما يشبه الإله كلامه مقدس وأمره لا يرد [4]. فماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت النتيجة أن ماوتسي أصبح واحدًا من أكبر القتلة في القرن العشرين، حيث إنه يتحمل مسئولية قتل من30 إلى 40 مليون من مواطنيه على مدار فترة حكمه بتهمة مخالفتهم لفكره وسياساته [5]. هذا حالهم ولكن الإسلام شيء آخر!!

لقد ظهرت رحمة النبي بالجاهلين بحكم من الأحكام الشرعية، وبالمذنبين حتى عند إقامة الحد عليهم. هذه رحمته بمن أخطأ في حق نفسه أو في حق المجتمع أو في حق الله.. فكيف برحمته بمن أخطأ في حقه هو شخصيًّا، أي في حق رسول الله؟! إن النفس عزيزة على الإنسان، وقد يتطوع الإنسان بنصح الناس جميعًا أن يتغافروا ويتسامحوا، ولكن إذا مَسَّ أحدٌ نفسَه هو تجده يثور ويغضب.. هذا مع عموم الناس. أما الرسول فلم يكن كذلك!! تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ" [6]. وأمثلة ذلك في السيرة كثيرة جدًا..

والواقع أن المخطئين في حقه كانوا من المسلمين وغير المسلمين، ولا شك أن غير المسلمين كانوا أكثر، ولكن هذا سنفرد له بابًا خاصًّا إن شاء الله، أما في هذا المبحث فسنعرض لبعض مواقفه مع المخطئين في حقه من المسلمين. يقول عمر بن الخطاب: "كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ؛ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ؛ فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ليُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهَِ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ فَتَهْلِكِينَ؟ لا تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَلا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلا تَهْجُرِيهِ، وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكَ [7] هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ" [8].

كذلك كان رحيمًا مع أصحابه إذا أخطؤوا في حقه.. من ذلك ما حدث معه بعد صلح الحديبية، فقد كان الصحابة يشعرون بالغُبن والظلم لبنود الصلح المتفق عليها، وأصابتهم حالة من الغم والهم شديدة، ولكنَّ الرسول كان قد أنفذ الصلح لأن الله أمره بذلك، ولم يكن بيده شيء، فوق أن الصلح كانت فيه فوائد جمة للمسلمين لم يلحظها الصحابة لرؤيتهم للجوانب السلبية فقط.. وهذا جعلهم في حالة من الاكتئاب الشديد، وهم على هذه الحالة خرج لهم رسول الله، وطلب منهم أن يحلقوا رءوسهم وأن ينحروا الهَدْيَ؛ وذلك للتحلل من الإحرام الذي كانوا عليه، فحدثت مفاجأة غير متوقعة من هذا الجيل العظيم، وهو أنهم أجمعوا -بلا اتفاق- على عدم تنفيذ الأمر، مع أنه وجَّه إليهم الأمر ثلاث مرات كاملة!!

لعلها المرة الأولى في تاريخ الصحابة، ولعلها المرة الأخيرة أيضًا.. والحدث فعلاً فريد! لم يتحرك واحد من الصحابة -من شدة همهم وحزنهم- للنحر أو الحلق امتثالاً لأمر رسول الله! ودخل رسول الله على زوجته أم سلمة رضي الله عنها مهمومًا حزينًا، "فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ؛ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا" [9].

إن اللافت للنظر جدًا في هذا الحدث أن رسول الله لم يُعلِّق البتة على الحدث، ولم يُشِرْ من قريب أو بعيد إلى تقصير الصحابة في طاعته، مع أنه ليس فقط القائد الأعلى، والزعيم الأوحد، بل هو فوق ذلك رسول رب العالمين، وطاعته أصل الدين، ومعصيته هلاك الدنيا والآخرة. إنه لم يُعلِّق على خطئهم لأنه يعذرهم ويرحمهم ويقدِّر أَلَمَهُم وهمَّهم وغمَّهم.. ثم هو يعلم أن هذا خطأ عابر، لم يحدث قبل ذلك، وغالبًا لن يحدث بعد ذلك.. ومَرَّتِ الأزمة العاصفة بهدوء عجيب، وسار القوم إلى المدينة، وقد حدثت منهم الطاعة بعد المعصية. ثم إن رسول الله أراد أن يثبت لعمر صدق رؤيته ودقة نظرته، وسلامة اتباعه لأوامر رب العزة سبحانه وتعالى، فأرسل إليه بمجرد نزول سورة الفتح، والتي تشير إلى عظمة هذا الصلح حتى سماه رب العالمين فتحًا مبينًا.

يقول عمر: فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» [10]. وقد أدرك عمر ما فعله من خطأ مع رسول الله، وأراد أن يكفِّر عن ذلك بكل طاقته.. يقول عمر: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً [11]. ويقول أيضًا: "ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرًا" [12].

لقد كان موقفًا رائعًا حقًّا!! لقد بدت لنا في هذا الموقف رحمة رسول الله بصورة مبهرة، فهو لا ينظر أبدًا إلى الأذى الذي وقع عليه، إنما جُلُّ اهتمامه وتفكيره لا يكون إلا لشعبه وأمته، وذلك في كل حياته. وإذا كنَّا قد رأينا رحمته مع زوجاته وأصحابه، فإن أحدًا قد يقول إنما يفعل ذلك مع أحبابه، فلنشاهد بعض مواقفه مع بعض من لا يعرف، أو من يعرفه معرفة عابرة، أو أحيانًا مع بعض من يعاديه من المسلمين أو المنافقين.

يروي أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ" [13]. ورحمة رسول الله بهذا الأعرابي عجيبة؛ فهذا الجفاء، وهذه الغلظة كانت تستوجب في أعرافنا رَدَّ فعلٍ غليظًا شديدًا ليردعه وأمثاله عن التعدي على الرسول الكريم، وخاصة أنه يُمثِّل الدولة الإسلامية بصفته قائدها وزعيمها. وكان مقتضى الرحمة عند الكثيرين هو مجرد العفو والصفح، أما أن يأمر له بعطاء -ودون عقاب- فهذا قمة الرحمة وذروتها. بل إن هناك رواية تفيد أن الرسول طلب منه أن يعتذر عن فعلته وأن يمكِّن رسولَ الله من رد الإيذاء إليه قودًا وقصاصًا، ولكن الأعرابي رفض، ومع ذلك أعطاه الرسول!!

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "كَانَ النَّبِيُّ يَجْلِسُ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ يُحَدِّثُنَا فَإِذَا قَامَ قُمْنَا قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ فَحَدَّثَنَا يَوْمًا فَقُمْنَا حِينَ قَامَ فَنَظَرْنَا إِلَى أَعْرَابِيٍّ قَدْ أَدْرَكَهُ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ فَحَمَّرَ رَقَبَتَهُ -قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ رِدَاءً خَشِنًا- فَالْتَفَتَ فَقَالَ لَهُ الأَعْرَابِيُّ: احْمِلْ لِي عَلَى بَعِيرَيَّ هَذَيْنِ فَإِنَّكَ لا تَحْمِلُ لِي مِنْ مَالِكَ وَلا مِنْ مَالِ أَبِيكَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ: «لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لا أَحْمِلُ لَكَ حَتَّى تُقِيدَنِي مِنْ جَبْذَتِكَ الَّتِي جَبَذْتَنِي»، فَكُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لا أُقِيدُكَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَجُلاً، فَقَالَ لَهُ: احْمِلْ لَهُ عَلَى بَعِيرَيْهِ هَذَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ شَعِيرًا وَعَلَى الآخَرِ تَمْرًا ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ: انْصَرِفُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى [14]. وليس خفيًا عن البيان أن الرسول كان قادرًا على إجبار الأعرابي على القَوَد منه، أو على الأقل منعه من العطاء، ولكنه غلَّب الرحمة على العدل، وأعطاه، بل وبكرم واضح.

ولعل من المناسب أن نختم هذا المبحث بموقف جليل رواه أبو هريرة رضي الله عنه حيث ذكر أن رجلاً تقاضى رسول الله فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً»، ثُمَّ قَالَ: أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ: «أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً» [15]. ورحمة الرسول بهذا الرجل الغليظ واسعة!! فالرجل يتطاول على الرسول متجاهلاً تمامًا مكانته وقيمته، والصحابة -مع اشتهار حلمهم وحسن أخلاقهم- رأوا أن يهمُّوا به ليضربوه أو يمنعوه لشدة غلظته، غير أن الرسول أظهر رحمة غير عادية، حيث إنه أولاً منعهم، وثانيًا مدح الرجل المعتدي، ووصفه أنه صاحب حق، وأن هذا الحق يعطيه قوة، ويبرر له غِلظته، ثم ثالثًا فهو يعوضه ببعير أفضل من بعيره، وكان مقتضى العدل أن يرد له دينه فقط، ولكنها الرحمة الواسعة التي شملت كل من تعامل معه. وأفضل ختام لمثل هذا القصص أن نذكر قول ربنا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

 

[1] الترمذي (2499)، وابن ماجة (4251)، وأحمد (13072)، والحاكم (7617) وقال: حديث صحيح الإسناد، وأبو يعلى (؛2922)، والبيهقي في شعب الإيمان (7127)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3139).

[2] البخاري: كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2509)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم (2533)، والترمذي (3859)، وأحمد (3594)، وابن حبان (6727).

[3] إدوار مونتيه (مستشرق وفيلسوف فرنسي كان مديرًا لجامعة جنيف): العرب.

[4] أ. د. ماجدة على صالح، عظماء آسيا في القرن العشرين، مركز الدراسات الآسيوية، جامعة القاهرة، مصر، 2000م، ص 3-11 بتصرف.

[5] كونراد زايتس، الصين، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطبعة الأول، 2003م، ص 254 بتصرف.

[6] البخاري: كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله (6404)، ومسلم: كتاب الفضائل، باب مباعدته للآثام (2327)، وأبو داود (4785)، وأحمد (25913)، ومالك برواية يحيى الليثي (1603).

[7] يريد عائشة رضي الله عنها.

[8] البخاري: كتاب المظالم، باب الغرفة والعلية المشرفة في السطوح وغيرها (2336)، ومسلم: كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه} (1479)، والترمذي (3318)، وأحمد (222)، وابن حبان (4187).

[9] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581)، وأحمد (18930)، وعبد الرزاق 5/332.

[10] البخاري: أبواب الجزية والمعاهدة، باب إثم من عاهد ثم غدر (3011)، مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية في الحديبية (1785)، وأحمد (16018)، والحاكم (3711).

[11] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581)، وابن حبان (4872)، وعبد الرزاق 5/332.

[12] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/122، ابن سيد الناس: عيون الأثر 2/ 160، ابن هشام: السيرة النبوية 4/ 284.

[13] البخاري: كتاب الخمس، باب ما كان للنبي يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، مسلم: في الزكاة باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة رقم 1057، أحمد (12570)، والحاكم (432)، والبيهقي في شعب الإيمان (8472).

[14] أبو داود (4775)، واللفظ له، والنسائي (4776)، وفي سننه الكبرى (6978)، والبيهقي في شعب الإيمان (8473).

[15] البخاري: كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس، باب استقراض الإبل (2260)، ومسلم كتاب المساقاة، باب من استلف شيئا فقضى خيرًا منه (1601)، الترمذي (1317)، والنسائي (4618)، وأحمد (9095)، والبيهقي في شعب الإيمان (11227).

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.