حجوا قبل أن لا تحجوا

منذ 2007-11-26

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً»[متفق عليه].

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

فاحمد الله عزّ وجلّ- أخي المسلم- أن مدّ في عمرك لترى تتابع الأيام والشهور، فأماك الآن موسم الحج الذي قد أشرق، وهاهم وفود الحجيج بدأوا يملأون الفضاء ملبين مكبرين أتوا من أقصى الأرض شرقاً وغرباً وبعضهم له سنوات وهو يجمع درهماً على درهم يقتطعها من قوته حتى جمع ما يعينه على أداء هذه الفريضة العظيمة.


وأنت هنا - أخي الحبيب - قد تيسرت لك الأسباب وتهيأت لك السبل فلماذا تؤخر وإلى متى تؤجل؟! أما سمعت قول الله عزّ وجلّ: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].


وقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة:196].
وقوله جلّ وعلا: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27].


أخي المسلم: الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً»[متفق عليه].


ويجب على المسلم المستطيع المبادرة إلى الحج حتى لا يأثم ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»[رواه أحمد].



وعن عبد الرحمن بن سابط يرفعه: «من مات ولم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أي حال، يهودياً أو نصرانياً».



وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين" [رواه البيهقي].



عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له مال يبلّغه حج بيت الله، أو تجب عليه فيه الزكاة، سأل الرجعة عند الموت»

.

فقال له رجل: يابن عباس اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكافر، فقال: سأتلوا عليكم بذلك قرآنا: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ... } [المنافقون:9]. [رواه الترمذي وابن جرير].



فيجب عليك أخي المسلم المبادرة والإسراع إلى أداء هذه الفريضة العظيمة فإن الأمور ميسرة ولله الحمد، فلا يقعدنك الشيطان، ولا يأخذنك التسويف، ولا تلهينك الأماني...



واسأل نفسك: إلى متى وأنت تؤخر الحج إلى العام القادم؟ ومن يعلم أين أنت العام القادم أفوق التراب أم تحته؟! وتأمل في حال الأجداد كيف كانوا يحجون على أقدامهم وهم يسيرون شهوراً وليالي ليصلوا إلى البيت العتيق؟! وبعض الناس يتلبسه الشيطان بأعذار واهية.. فتراه يؤجل عاماً بعد آخر معتذراً بشدة الحر وكثرة الزحام؟! فمتى عُرف عن أيام الحج عكس ذلك؟!



أخي المسلم: إن فضل الحج عظيم وأجره جزيل، فهو يجمع بين عبادة بدنية ومادية: فالأولى بالمشقة والتعب والنصب والحل والترحال، والثانية بالنفقة التي ينفقها الحاج في ذلك.



قال صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [متفق عليه].



وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: « جهاد في سبيل الله» ، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» [رواه البخاري].

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على التزود من الطاعات والمتابعة بين الحج والعمرة فقال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلاّ الجنّة» [رواه الترمذي].



وقال صلى الله عليه وسلم في حديث يحرك المشاعر ويستحث الخطى: «العمرة العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة» [رواه مسلم].



ومع هذا الأجر العظيم فإن أيام الحج قليلة لا تتجاوز أسبوعاً لمن هم في أقصى البلاد ولله الحمد، وأربعة أيام لأهل مكة وما حولها!! أليست هذه يا أخي المسلم نعمة عظيمة؟ بلى والله إنها نعمة عظيمة فلا تترد ولا تتهاون.. فالدروب ميسرة والطرق معبدة والأمن ضارب أطنابه ورغد العيش لا حد له..نعم تحتاج إلى شكر، وحياة خُلقت فيها للعبادة، فلا تسوف ولا تؤخر، وأبشر وأنت من وفد الرحمن، وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم.



وأبشر بيوم عظيم تقال فيه العثرة وتغفر فيه الزلة فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة» [رواه مسلم].



فلتهنأ نفسك ولتقر عينك واستعد للقاء الله عزّ وجلّ واستثمر أوقاتك فيما يعود عليك نفعها في الآخرة فإنها ستفرحك يوم لا ينفع مال ولا بنون... يوم تتطاير الصحف، وترتجف القلوب، وتتقلب الأفئدة، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.. ولكن عذاب الله شديد.



أخي الحبيب: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، وللآخرة بقدر بقائك فيها، ولا تسوف فالموت أمامك والمرض يطرقك والأشغال تتابعك ولكن هرباً من كل ذلك استعن بالله وتوكل عليه وكن من الملبين المكبرين هذا العام.



أخي المسلم: أما وقد انشرح صدرك وأردت الحج وقصدت وجه الله عزّ وجلّ والدار الآخرة أذكرك بأمور:


1- الاستخارة والاستشارة:

فلا خاب من استخار ولا ندم من استشار، فاستخر الله في الوقت والراحلة والرفيق، وصفة الاستخارة أن تصلي ركعتين ثم تدعو دعاء الاستخارة المعروف.

2- إخلاص النية لله عزّ وجلّ:

يجب على الحاج أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله والدار الآخرة لتكون أعماله وأقواله ونفقاته مقرة إلى الله عزّ وجلّ. قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى» [متفق عليه].


3- تعلّم أحكام الحج والعمرة وما يتعلق بهما:

وتعلم شروط الحج وواجباته وأركانه وسننه حتى تعبد الله على بصيرة وعلم، وحتى لا تقع في الأخطاء التي قد تفسد عليك حجك. وكتب الأحكام ولله الحمد متوفرة بكثرة.


4- توفير المؤنة لأهلك والوصية لهم بالتقوى:

فينبغي بمن عزم على الحج أن يوفر لمن تجب عليه نفقتهم م يحتاجون إليه من المال والطعام والشراب وأن يطمئن على حفظهم وصيانتهم وبعدهم عن الفتن والأخطار.


5- التوبة إلى الله عزّ وجلّ من جميع الذنوب والمعاصي:

قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

وحقيقة التوبة:
الإقلاع عن جميع الذنوب والمعاصي وتركها والندم على فعل ما مضى والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عند مظالم للناس ردّها وتحللهم منها سواء كانت عرضاً أو مالاً أو غير ذلك.


قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: "من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعاً ولا يصح حجه، أما إن كان تركها تساهلاً وتهاوناً فهذا فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه، والصواب أنه لا يصح حجه أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم من تركها تهاوناً، والله ولي التوفيق".


6- اختيار النفقة الحلال:

التي تكون من الكسب الطيب حتى لا يكون في حجك شيء من الإثم. فإن الذي يحج وكسبه مشتبه فيه لا يُقبل حجه، وقد يكون مقبولاً ولكنه آثم من جهة أخرى. ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا خرج الحاج بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، حجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الحرام الخبيثة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك. ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك. زادك حرام، وراحلتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور» [رواه الطبراني].


إذا حججت بمال أصله سحت فما
حججــت ولكــن حجــت العيــــــــر

لا يقبـــل الله إلاّ كـل صـالحـة مــــا
كــل مــن حــجّ بيـت الله مبــــــرور


7- اختيار الرفقة الصالحة:

فإنّهم خير معين لك في هذا السفر؛ يذكرونك إذا نسيت ويعلمونك إذا جهلت ويحوطونك بالرعاية والمحبة. وهم يحتسبون كل ذلك عبادة وقربة إلى الله عزّ وجلّ.

8- عليك بالالتزام بآداب السفر:

وأدعيته المعروفة التي منها دعاء السفر والتكبير إذا صعدت مرتفعاً والتسبيح إذا نزلت وادياً، ودعاء نزول منازل الطريق وغيرها.

9- لا بد أن توطن نفسك:

على تحمل مشقة السفر وعثائه وصعوبته، وتحتسب كل ذلك في ميزان حسناته؛ فإن بعض الناس يتأفف من حر أو قلة طعام أو طول طريق. فأنت لم تذهب لنزهة أو ترفيه، واعلم أن أعلى أنواع الصبر وأعظمها أجراً هو الصبر على الطاعة.. ومع توفر المواصلات وتمهيد السبل إلا أنه يبقى هناك مشقة وتعب..
فلا تبطل أعمالك أيها الحاج بالمنّ والأذى وضيق الصدر ومدافعة المسلمين بيدك أو بلسانك بل عليك بالرفق والسكينة.


10- غض بصرك عما حرم:

واتق محارم الله عزّ وجلّ فأنت في أماكن ومشاعر عظيمة، واحفظ لسانك وجوارحك ولا يكن حجك ذنوباً وأوزاراً تحملها على ظهرك يوم القيامة.

تقبل الله طاعاتنا وتجاوز عن تقصيرنا وجعلنا ووالدينا من المغفور لهم الملبين هذا العام والأعوام القادمة.


المصدر: دار القاسم