الحج عبادة واجتماع عالمي

منذ 2007-11-26

بثياب بيضاء وقلوب أنصع بياضاً، تنساب جموعهم، ويسرعون بخطاهم، يفرون إلى الله رب الورى، وأرواحهم مشتاقة، وأفئدتهم خفاقة، ونفوسهم للقاء ربهم تواقة، فما أرحب القدوم، وما أكرم المضيف.


بثياب بيضاء وقلوب أنصع بياضاً، تنساب جموعهم، ويسرعون بخطاهم، يفرون إلى الله رب الورى، وأرواحهم مشتاقة، وأفئدتهم خفاقة، ونفوسهم للقاء ربهم تواقة، فما أرحب القدوم، وما أكرم المضيف.

هو الحج ذلك الركن الذي يضم أروع الأسرار، وتتلألأ منه الأنوار، ويقف المرء من جلال الموقف مشدوها وهو محتار من لدن إبراهيم عليه السلام، يتوالى النداء: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27].

يتدفقون من كل الدروب، تاركين المشاكل و الخطوب، مشمرين عن سواعد الاجتهاد، طائعين لله لرب العباد فعباد الله يطوفون بيته الحرام، ملبين مهللين مكبرين مستغفرين، سائلين الله من فضله الكبير، كل بلسانه، عربي وأعجمي، كلها ترقى إلى السماء، ليتقبلها مجيب الدعاء، ثم تسعى الأرجل بين الصفا والمروة، ولكن النفوس تسعى خلف كل خير وبر ورحمة.

ثم يأتي اليوم المشهود، يوم عرفة حين تقف ملايين القلوب المؤمنة على جبل الرحمة، ويضج المشعر بأصوات الداعين والملبين، وتتجلى رحمة رب العالمين، وتسكب العبرات، وترتفع الآهات، وتعلو الأكف بالضراعة، ترجو رحمة ساعة، ومغفرة وشفاعة.

لاذت بساحتك الخلائق *** واستجارت في حماك

وشدت بنجواك السرائر *** واستهامت في عــلاك


فياله من ركن يختزل كل معاني الإنسانية والرفعة والسمو، ويجرد الناس من كل عوالق الطين، ليغسل القلوب والعقول بخير معين. فهاهم الرجال والنساء يؤدون المناسك معا دون حواجز فلا وجه المرأة يغري ولا جسد الرجل يلهي ،فالأبصار والقلوب ترنو إلى السماء، مستشعرة عظمة الخالق، فما عادت الأرض وتوابعها تعنيها بشيء، وإبليس مقيد هناك في المرمى، فأي أمن وأي طهر، وأي رفعة.

فإنك لو طفت العالم بأسره ما رأيت اجتماعاً كهذا من كل الأعراق والألوان والألسنة، خليط من كل من خلق الله، ذكر وأنثى، أبيض وأسود، غني وفقير، سيد وعبد، متعلم وجاهل، عاص وطائع، موفق وضائع، الكل اكتسى البياض وصدع بلا إله إلاّ الله.

وهل أغنى عن تلك الملايين لبسها للبياض؟ نعم وألف نعم فقد رجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم أنقياء من الذنوب، وصفت منهم القلوب ورضي الله عنهم ورضوا عنه.

هو اجتماع الأمة التي عجزت أن تجمعها السياسات والحادثات، وتشتتت بين كل الأيدلوجيات، فجمعتها الطاعات ووحدتها العبادات.

يا كعبة لمّت شتات المسلميـن *** نفخت بهـم روحاً مـن الـروح الأمـين

طافت بها روحي فعانقت اليقين *** وسمعت صوت الحق بالحق المبين



لن تنقضي العبارات ولن يسعف المداد بوصف هذا الركن العظيم، ومن ذاق عرف، ودقيقة هنالك، تغني عن سفر من الكلمات، فلله درّ ركن ديننا الحنيف… الحج..


هداية
موقع الملتقى

المصدر: موقع الملتقى