حوار مع المهندسة كاميليا حلمي

منذ 2014-04-13

لو كان العنف ضد المرأة المقصود منه الضرب والإيذاء البدني والنفسي؛ لكان العالم كله بلا استثناء يدًا واحدة ضد مرتكب هذا العنف،لكن في الواقع العنف الذي يُشار إليه في وثائق الأمم المتحدة يحمل أبعادًا أخرى ترمي بعيدًا خلف حدود الدين والأخلاق والأعراف المجتمعية.

عُرفت المهندسة كاميليا حلمي، رئيسة اللجنة العالمية للمرأة والطفل، ومنسقة ائتلاف المنظمات الإسلامية في الأمم المتحدة؛ بعنايتها بالمواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأسرة، واهتمامها بالمؤتمرات واللقاءات الأممية ومشاركتها فيها؛ فجمعت بين المعرفة العلمية والمشاركة الميدانية...تشهد لها منابر الجامعات والجمعيات النسائية في كثير من بلدان المسلمين بالسبق في ميدان التوعية بخطورة ما يُحاك في أروقة الأمم المتحدة من مكائد، وما يُعد فيها من خطط؛ لإقصاء الدين من حياة الناس العامة...كان لنا معها هذا اللقاء بعد نهاية الدورة السابعة والخمسين لمفوضية "وضع المرأة" التي خرجت بإعلان القضاء على العنف ضد النساء والصغيرات ومنعه:

البيان: المهندسة الفاضلة، أولًا دعينا نسأل: ما دوركم في مثل هذه الاجتماعات، وبأي صفة تشاركون؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فنحن نشارك باعتبارنا منظمات غير حكومية، لها العضوية الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة. ودورنا هو تقديم الرؤية الإسلامية حول الوثيقة للوفود المشاركة لتبنّيها أثناء المفاوضات، وتقديمها كذلك إلى الرأي العام لنشر الوعي بما تحويه تلك الوثائق، والرؤية الإسلامية حولها.

البيان: ما الجهة المنظِّمة لهذه الدورة؟

هي مفوضية "وضع المرأة"، وهي إحدى لجان المجلس الاقتصادي والاجتماعي الفنية، تتكون المفوضية من خمس وأربعين دولة تنتخب كل أربع سنوات، ومن مهامها إعداد مسودات الجلسات السنوية التي تناقش قضايا المرأة في العالم، وتتابع تطبيق الحكومات للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والطفل -اتفاقية سيداو، وثيقة بكين، وغيرهما-، وتطرَح في كل مرة وثيقة جديدة، بغرض مواصلة الضغوط على الحكومات؛ لتتأكد من التزامها بالتطبيق الكامل لتلك الوثائق والاتفاقيات.

البيان: ناقشت مفوضية "وضع المرأة" موضوعَ العنف ضد النساء مرارًا، بل كان موضوع الجلسات الوحيد في العام الماضي، فما الذي ميَّز هذه الدورة عن سابقاتها؟

اتسمت هذه الدورة بعدة سمات:

  1. استماتة الأمم المتحدة للمرأة في سبيل تمرير هذا الإعلان، فقد أُلْغِي في العام الماضي، ولو أنه أُلْغي هذا العام أيضاً لعدّ فشلًا ذريعًا لها، ولهذا قامت قبل المؤتمر بعقد عدة مؤتمرات تحضيرية لقطاعات مختلفة على مستوى العالم؛ لضمان الاتفاق على وثيقة هذا العام واعتمادها.
  2. عنوان "العنف ضد المرأة" طُرح منذ عشر سنوات، ورُفِضت الوثيقة، ولن يُطرَح ثانية قبل عشر سنوات أخريات، لذا كان الإصرار على تمرير الإعلان شديدًا.
  3. عنوان العنف نفسه يعتبر عنوانًا شاملًا لكل القضايا التي تطرحها "اتفاقية سيداو"، و"وثيقة بكين"؛ فكل تمييزٍ عنفٌ، وكل تقييدٍ للحرية عنفٌ، كما تعبِّر الكثير من مواد وثائق الأمم المتحدة وتوصيات وقرارات هيئاتها المختلفة؛ وبالتالي يمكنهم من خلال هذا الإعلان إدماج كل ما لديهم. وقد أعلنوا في الجلسات أن أفضل سبل إنهاء العنف ضد المرأة هو منع وقوعه منذ البداية، وذلك بمنع التمييز، وفي هذا إشارة لضرورة التطبيق الكامل لـ"سيداو"؛ لينتهي العنف! ومما قالوه عن هذا الإعلان قبل بداية الجلسات: هذه هي الفرصة الأخيرة للمرأة لتتخلص من العنف!
  4. كذلك من المقترحات الخطيرة التي طُرِحت الدعوة لتحويل ما يُسمَّى "جرائم العنف المبني على الجندر" و"العنف الجنسي"، إلى محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي تكون "سيداو" قد تحوَّلت بالفعل إلى إلزام حقيقي، يترتب على عدم الوفاء به عقوبات دولية.

البيان: في الجلسة الافتتاحية قال نائب الأمين العام للأمم المتحدة: "إن القضاء على العنف ضد المرأة بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت"، وركَّز حديثُ المديرة التنفيذية للأمم المتحدة للمرأة على هذا المعنى في خطابها بمناسبة يوم المرأة العالمي، ما دلالة هذا؟

هذا السؤال له علاقة مباشرة بتعريف العنف ضد المرأة، فلو كان العنف المقصود هو: الضرب والإيذاء البدني والنفسي؛ لكان العالم كله بلا استثناء يدًا واحدة ضد مرتكب هذا العنف، وسنكون أول مَن يتصدى له، فنحن مسلمون خاطبنا ربنا جل وعلا بقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ‌ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90]، لكن في الواقع العنف الذي يُشار إليه في وثائق الأمم المتحدة هو: أي عمل قائم على الجندر، ويفضي -أو يحتمل أن يفضي- إلى تعرُّض المرأة لأذى، أو معاناة على الصعيد الجسدي، أو الجنسي، أو النفسي، بما في ذلك التهديد بارتكاب أعمال من هذا القبيل، أو الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، وسواء ارتكبته دولة أو شخص عادي.

وفي الإعلان الذي صدر في ختام الجلسة تكرَّر نفس التعريف مع حذف عبارة: "سواء ارتكبته دولة أو شخص عادي"، وإضافة: "مع ملاحظة الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا النوع من العنف".

من الواضح أن التعريف واسع جدًّا، ويمكن أنْ نقف معه هذه الوقفات:

  1. العنف ضد المرأة والفتاة هو العنف المبني على الجندر، أي: أنه يحمل نفس معناه، علمًا أن كلمة الجندر ليست مدرجة في قاموس المصطلحات المنشور في موقع الأمم المتحدة، بمعنى أنها لم تعرفه بعدُ، وهذا يؤهِّله ليعني تقسيم البشر إلى ذكور وإناث على أساس خِلْقتهم كما يظن بعض الناس، أو تقسيمهم على أساس هويتهم الجنسية إلى ذكور وإناث وشواذ، كما عرَّفته منظمة الصحة العالمية والموسوعة البريطانية؛ فيكون العنف ضد الشواذ مماثلًا للعنف ضد النساء السويات!
  2. ما هي حدود الضرر الجسدي، أو الجنسي، أو المعاناة النفسية؟ إنَّ التعريف يتسع حتى ليكاد يشمل كل فعل لا ترضى عنه المرأة، وهذا أمر خطير جدًّا، فليس في مصلحتنا توسيع مفهوم العنف بهذا الشكل، فبالإضافة إلى الخطورة التي يمثلها ذلك التعريف على الأسرة بشكل خاص، والأخلاق بشكل عام؛ ستصبح كل هفوة "جريمة عنف" إذا فُرِضَت علينا المساءلة والمحاسبة الدولية، علمًا أن الإعلان يدعو لتحويل ما أسمته "جرائم العنف" ضد المرأة والفتاة إلى محكمة الجنايات الدولية!
  3. ووفقًا للتعريف كذلك؛ فإن "الضرر الجنسي" الذي قد تعانيه المرأة يمكن أن يشمل ما أسمته الوثائق السابقة الاغتصاب الزوجي! بل وتتسع الدائرة أيضًا لتشمل التحرش الجنسي، ويقحم هو الآخر ضمن إطار العلاقة الزوجية، خاصةً بعد أن أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره لعام 2010 وجوب مساواة عقوبة مَن يغتصب زوجته بعقوبة مَن يغتصب الأجنبية!
  4. ولم يكتفِ الإعلان بالتعريف السابق للعنف، بل وردت فيه فقرة تبين مسبباته، وهي أشد خطورة مما سبق: "اللجنة تؤكد أن العنف متجذِّر ضد النساء والفتيات في عدم المساواة التاريخية والهيكلية في علاقات القوة بين المرأة والرجل، والتي استمرت في كل بلد في العالم، ما يشكل انتهاكًا فادحًا للتمتع بحقوق الإنسان. العنف القائم على الجندر هو شكل من أشكال التمييز الذي ينتهك بشكل خطير، ويعوِّق، أو يلغي تمتُّع النساء والفتيات بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يتصف العنف ضد النساء والفتيات باستخدام وإساءة استخدام السلطة والسيطرة في المجالين العام والخاص، ويرتبط ارتباطًا جوهريًّا مع الصور الجندرية النمطية التي تكمن وراءه وتُديمه". يُفهَم من هذا الكلام أن العنف ضد النساء والفتيات لا يحدث فقط بسبب إساءة استخدام السلطة -مع ملاحظة ضَبَابية كلمة "إساءة" واتساعها-، لكن يحدث كذلك بسبب استخدام "السلطة" نفسها من الأساس في المجالين العام (خارج الأسرة) والخاص (داخل الأسرة)؛ وهذا تصريح بأن استخدام سلطة القَوَامة داخل الأسرة -وهي ضرورية للحفاظ على تماسُك الأسرة، وتنشئة الأبناء- هو العنف بعينه، كما أنه يرتبط بما سُمِّيَ "الصور الجندرية النمطية"، أي: بالأدوار الفطرية لكل من الجنسين داخل الأسرة، لكنهم لا يقولون: "فطرية"، وإنما يقولون: "نمطية"، والمتمثلة في قيام المرأة بدور الزوجة والأم وريادة الرجل للأسرة!

وبالتالي، إذا قال الأمين العام: "إن قضية القضاء على العنف هي قضية حياة أو موت"، فهذا يعني أن كل ما سبق هو بالنسبة للأمم المتحدة قضية حياة أو موت: إلغاء القوامة، التساوي التام بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، والمساواة بين كل الأنواع (رجال - نساء - شواذ) في الحقوق.

فهل كل ما سبق يصبُّ في صالح الأسرة؟ أم يصبُّ في هلاكها والقضاء عليها؟!

البيان: منذ بداية الجلسات ارتفع صوتُ بعض الدول بالمعارضة، فكيف استطاعت اللجنة تمرير مثل هذا الإعلان؟

استعملوا أسلوبهم القديم المتجدِّد؛ رفع سقف المطالبات، فأضافت الولايات المتحدة فقرة كاملة عن حقوق الشواذ والعاملات في الدعارة، وأدانت "جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الشواذ (LGBT) والعاملات في الجنس التجاري"، كذلك استبدال كلمة (Homosexuals) بناء على طلب الشواذ أنفسهم، ليصبح المصطلح الجديد للشواذ هو (LGBT)، والذي يعني: السحاقيات (L:Lesbians)، الشواذ من الرجال (G:Gay)، ثنائيو الممارسة (B:Bisexual)، المتحولون (T:Transgender)؛ وذلك بهدف التأكيد على تمثيل كل فئة منهم بشكل واضح في الاتفاقيات الدولية! وتمسكت الدول الإسكندنافية بهذه المطالب، ولم تتنازل إلا في مقابل تنازُل الأطراف الأخرى، كتمرير مصر للإعلان رغم رفض اقتراحها بالسماح بتفسير مواده بناء على دين وثقافة كل بلد! وهكذا مررت اللجنة ما تريده رغم المعارضة.

البيان: يلاحظ وجود عدد من الدول الإسلامية ضمن "مفوضية مركز المرأة"، ورغم ذلك خرجت مسودة الاجتماع زاخرة بكثير مما تأباه الشريعة الإسلامية، وترفضه كثير من المجتمعات، ما صلاحيات الدول الأعضاء في المفوضية قبل وأثناء وبعد انعقاد الجلسة، وما صلاحيات الدول الحاضرة للجلسة بوصفها مراقبة، وكذلك كيانات الأمم المتحدة والجمعيات الأخرى الحاضرة؟

بإمكان أي دولة مشارِكة أنْ توقِف الوثيقة إذا شاءت، وهذا حدث بالفعل في العام الماضي، إذ أُلْغيت الوثيقة تمامًا بسبب عدم اتفاق الدول على بعض المضامين، وكان مرجَّحًا أن يحدث نفس الشيء هذا العام، لكن سبق ذلك المؤتمر جولات متعددة في عدد من الدول، قامت بها مديرة هيئة الأمم المتحدة للمرأة لتضمن صدور وثيقة هذا العام؛ لأن عدم صدور وثيقة للمرة الثانية على التوالي يعني فشل تلك الهيئة في مهمتها.

البيان: مِن خلال حضوركم المتكرِّر لمثل هذه الملتقيات الدولية، ما تقييمكم لدور الوفود العربية والإسلامية في مثل هذه الاجتماعات؟

الحكومات العربية والإسلامية تتأثر كثيرًا بالضغوط التي تمارسها الدول المسماة بالمتقدمة أو المانحة، والتي تربط بين المساعدات الدولية التي تقدِّمها للدول المسماة بالنامية أو دول العالم الثالث، والتوقيع والتصديق على الاتفاقيات الدولية، وأيضًا التطبيق، ورفع التحفُّظات.

البيان: لُوحِظ أن بعض الدول غير المسلمة -كهندوراس والفاتيكان- اعترضت على بعض ما جاء في المسودة الختامية للإعلان، كيف يمكن التنسيق معها لتقوية الصوت المنادي بوقف مثل هذا التعدِّي على الدين والأخلاق؟

الفاتيكان من أقوى الجهات المناهضة لأطروحات الأمم المتحدة، وفي هذا العام توحَّدت مواقف الفاتيكان مع بعض الدول الإسلامية المشارِكة، وانضمت إليهم إيران وروسيا.

التنسيق على المستوى الحكومي يتم بين الحكومات، أما التنسيق على المستوى الشعبي فيتم بين المنظمات غير الحكومية، ونحن باعتبارنا منظمة غير حكومية نقوم بالتنسيق مع كل مَن يتفق معنا على مناهضة أطروحات الأمم المتحدة التي تتعارض مع الدين والقيم الأخلاقية، سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين.

البيان: هل يسع الشعوب أن تقدم شيئًا يمكن أنْ يؤثر في إمضاء أو تعطيل ما تريده الأمم المتحدة من تغييرات ثقافية واجتماعية؟

الشعوب هي الأساس، فإذا تَوَافَرَ لديها الوعي والإرادة، يمكنها أنْ تُوقِفَ تغوُّل الأمم المتحدة عليها، ونحن كشعوب ثارت على أنظمة استعبدتها عشرات السنين، نرفض أنْ نواصل العبودية لهيئات دولية، تحاول أنْ تسلبنا الحرية والكرامة، وتنتهك أعراضنا، فمتى نمتلك حقًّا إرادتنا ونقول لا لكل ما يتعارض مع شريعتنا وقِيَمِنا وأخلاقنا؟

البيان: ختامًا، ما العقبات التي تواجهكم، وما الذي ترجونه من الجمهور المسلم في مثل هذه المواقف؟

الضغوط الدولية شديدة جدًّا، والمقاومة تَخْفُت مع الوقت، فاعتراضات الحكومات الإسلامية الآنَ أقل بكثير منها قبل خمسة عشر عامًا، والسبب يكمن في أنَّ الوفود التي تمثِّل الحكومات في السابق كانت من وزارات الخارجية التي قد توافق وقد تعترض، أما بعد تأسيس المجالس القومية للمرأة والطفل والأسرة لتكون آليات وطنية لتطبيق الاتفاقيات والمواثيق، وخروج معظم الوفود المشارِكة من تلك المجالس؛ فقد بدأت بعض الوفود بالانحياز لمن أنشأ المجالس التي أتت ممثلة لها.

كذلك المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني؛ يمكن أن تشكل ضغطًا على الوفود لتتقيِّد بمطالب مَن تمثِّلهم ولا تتنازل، وقد رأينا هذا الموقف المخزي للتجمُّع العربي الذي يضم منظمات غير حكومية من مصر، وتونس، والأردن، وفلسطين، ولبنان، والتحالف من أجل الحقوق الجنسية والجسدية في المجتمعات المسلمة.

البيان: شكر الله لكم مهندسة كاميليا حلمي.

 

أسماء عبد الرازق.

المصدر: مجلة البيان العدد 310 جمادى الآخرة 1434هـ، إبريل - مايو 2013م.