وقفات منهجية تربوية - (14) الوقفة الحادية عشرة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

منذ 2014-04-14

ومن منهج الصحابة رضي الله عنهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الشعيرة الواجبة التي هي وظيفة الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، والتي فضل الله بها هذه الأمة على سائر الأمم، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد أن يكون بعلم وحلم، وهذا القيد لا بد منه لتؤتي دعوة الداعي ثمارها لأن الأمر بالمعروف إذا لم يكن بعلم أصبح أمرًا بالمنكر. والنبي صلى الله عليه وسلم بدأ حياته وختمها آمرًا بالمعروف وناهيا عن المنكر .. بل كل دعوته قائمة على المر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي أول دعوته البدء بالتوحيد، وفي آخرها الحث على التوحيد. فكان عليه الصلاة والسلام يحذر من اتخاذ القبور على المساجد، وحذر ودعا ربه أن لا يتخذ أو يجعل هناك عيد عند قبره، وأوصى وكانت آخر كلماته: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم».

وسار على نهجه أصحابه الكرام، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن قبله الصّديق في ساعة احتضاره يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينشر العلم... يأتي شاب أنصاري وعمر في ساعاته الأخيرة، ويثني عليه ويذكر له ما فتح الله عليه وما أفاء الله عليه من النعم بفتح الأمصار، ومن دخول الناس في دين الله أفواجًا، ثم يذهب ذلك الشاب الأنصاري .. وهنا وقفة: وهي أن أصعب الأمور على النفس أن تنصح من مدحك، وأن تخطئ من أيّدك، فهذا قد يصعب على كثير إلا من رحم الله، فانظر إلى موقف ذلك الشاب يُثني على عمر ويذكر بعض فضائله ومناقبه وشمائله، ثم لما ولى مدبرًا رأى عمر رضي الله عنه ثوب الشاب فيه إسبال يسترخي يمس الأرض، فقال: "رُدوا عليّ الغلام"، وقال له: "يا ابن أخي ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك" (أخرجه البخاري).

فهذا الخبر فيه فوائد منهجية كثيرة منها:

1/ استمرار صاحب العلم وداعي الخير في الأمر بالمعروف في كل أحواله.

2/ إن صاحب العلم لا يثنيه عن نشر علمه مدح مادحين، ولا ثناء مثنين، إن ثناء الناس على الشخص قد يحجب عنهم خيره، أو قد يضعف عن إيصال النصح لهم.

وانظر هذا في نفسك، فإن كنتَ معافى فاحمد الله، وإن كنتَ مبتلى فاسأل الله العافية، تجد أن صاحب المعروف إذا أخطأ أو عصى يصعب عليك تنبيهه، وكذلك المادح لك.

ولهذا رأينا من شيخنا ووالدنا الشيخ عبد العزيز بن باز عجبًا في هذا الشأن، وكذلك من فقيه الإسلام الشيخ صالح بن عثيمين رحمهما الله تعالى. ترى الشاعر يصدح بقصيدته يمدح الشيخين فتجد الشيخ يقاطعه أمام الناس بلا مداهنة ولا مجاملة ويقول: هذا خطأ في العقيدة، وهذا غلو في القول، وهذا منكر من التصوف؛ مع أن المدح أما مجامع الناس، ولكن صاحب العلم والصدق والديانة لا يردعه عن إيصال الحق مدح المادحين ولا ثناء المثنين.

نعم هناك تلطف لمن أخطأ وتروى وأحسن الظن بمن أخطأ، لكن لا بد أن تبين له الخطأ.

 

ملخص من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة.

المقال السابق
(13) الوقفة العاشرة: البعد عن حب التصدر والشهرة
المقال التالي
(15) الوقفة الثانية عشرة: قصة صلح الحديبية