أثر العقيدة في علاج مشكلة الانتحار
إن الإنسانيّة كلّها مدينةٌ للإسلام بمنهجه وعقيدته، وآدابه وقيمه، واسأل أي مُنصفٍ من الباحثين، سيُخبرك كيف كانت العقيدة الإسلاميّة شمسًا تسطع على الكون فتُبدِّدَ ظلام الجاهليّة، وتزيل أقنعة الوهم والخرافة، على نحوٍ لا يملك من كان عادلا في أحكامه إلا أن يعترف بالعظمة والرفعة لها، دون غيرها من المناهج الأرضيّة..
حقًا! إن الإنسانيّة كلّها مدينةٌ للإسلام بمنهجه وعقيدته، وآدابه وقيمه، واسأل أي مُنصفٍ من الباحثين، سيُخبرك كيف كانت العقيدة الإسلاميّة شمسًا تسطع على الكون فتُبدِّدَ ظلام الجاهليّة، وتزيل أقنعة الوهم والخرافة، على نحوٍ لا يملك من كان عادلا في أحكامه إلا أن يعترف بالعظمة والرفعة لها، دون غيرها من المناهج الأرضيّة.
وإن دائرة الدلائل على هذه الرفعةِ والكمال العقديّ واسعةٌ للغاية باتساع متعلّقاتها ومسائلها وأحكامها، ونريد ها هنا أن نسلّط الضوء على مسألةٍ خاصّةٍ طالما اكتوتْ الحضارة المعاصرة بنارها، واشتكتْ من آثارها وأخطارها، لا سيما وقد دخلتْ تلك المسألة مُعترك المعتقدات -كما هو عند الشعوب اليابانيّة- إنها مسألةُ الانتحار وإشكاليّته، وسنرى في الأسطر القادمة حجم هذه الأفعال المشينة التي يعجز القلم عن تصوير بشاعتها، ليقودنا ذلك إلى إدراك كيف نجحت العقيدة الإسلاميّة بصفائها ونورها، وقوّتها وصلابتها أن تحمي أتباعها من الوقوع في حبائلها.
الانتحار والواقع المأساوي:
لم يكن الحديث عن الانتحار كمشكلةٍ حضاريّة إلا حديثًا عن حوادث متفرّقة مبثوثةٍ على مسار التاريخ الإنساني، ولا تكاد ترقى أن تكون مشكلة مستمرّة تُرى آثارها في الواقع الملموس، أما اليوم فتبرز أمامنا إشكاليّة الانتحار في المجتمعات المتحضّرة والهرب من جحيم تلك الحضارة وويلاتها، فقد بلغت حدًا من الانتشار، أصبحت فيه -كما يرى علماء النفس والاجتماع- صرعة غربية! فالواقع السريع للتطور التكنولوجي المتلاحق، والاتجاه الشرس نحو الماديّة المفرطة، وتفكك الروابط والعلاقات الاجتماعية والأسرية، كلّ ذلك أوجد إحساسًا بالضياع، وأوجد أزمة هويّة لدى الشباب والمراهقين في بلاد الغرب، بما يُهدّد بحدوث انهيار نفسي وجماهيري.
ونقول: إن مشكلة التخلّص من الحياة على وجه العمد لأسبابٍ اجتماعيّةٍ أو أسريّة أو عاطفيّةٍ هي من بلايا العصر الحديث التي استفحلت في الآونة الأخيرة، وباتت تشكّل ظاهرة تسترعي الانتباه، ولا شكّ أنها تصرّفٌ سلبيّ وخاطيء بكل المقاييس، ناهيك عن منافاتها للقيم الإيجابيّة والفاعليّة المطلوبة، والتي دعا إليها الإسلام وحضّ عليها، ثم إن الضرر الحاصل من إنهاء الإنسان لحياته لهو أكبر من مجرّد فقدان حياةٍ كان يُمكن أن تكون لبنة صالحة في المجتمع، ولكنّ الخشية في تأثير هذه الروح المنهزمة إلى الغير فتتفشّى في الوسط المحيط ويُنظر لهذه الفعلة القبيحة بنظرةٍ التقبّل لدوافعها، ومن ثمّ يقلّ النكير أو الاستهجان لها، وفي ظلّ الماديّة الجوفاء يزداد حجم هذه المشكلة فقد يتطوّر الأمر إلى السماح بممارستها وقانونيّة الدعوة إليها، كما هو حاصلٌ في بعض المجتمعات الغربيّة.
إن هذا الإحساس بالضياع الذي يعيشه مراهقو الغرب أوجد نزعة نحو التخلص من مشاكل الحياة المادية باللجوء إلى الانتحار، فقد أجرت (مجلة المراهق) الأمريكية مسحًا بين عيّنةٍ من الصبية والفتيات في فئة السن بين (15 و19) عامًا لاستطلاع مشاعرهم تجاه ظاهرة الانتحار المتزايد في المجتمع الأمريكي، وقد شارك في المسح أكثر من (500) صبي وفتاة، وجاءت نتيجة المسح المفزعة لتقول: "إن الثلث ممن وجِّهت إليهم الأسئلة حاولوا فعلا التخلص من حياتهم بعد أن استسلموا لليأس والقنوط"، ولقد رُوعي في تكوين واختيار تلك العينة أن تكون مُمثلة لواقع المجتمع الأمريكي بجميع أطيافه، وينتهي المسح أيضًا إلى أن 73% من الشباب والمراهقين فكَّروا في الإقدام على الانتحار مرة على الأقلّ خلال حياتهم.
ويشير الاستطلاع إلى ظاهرة خطيرة أخرى، وهي أن غالبية من حاولوا الانتحار هم من الفتيات في أخطر مراحل العمر وأحوجها إلى الجو النفسي الأسري، وذلك عند رفضها أو عجزها عن دفع تكاليف سكنها ومعيشتها! وما هذه الإحصائيّة التي قامت بها المجلّة المذكورة إلا عيّنة مختارة تكشف لنا بجلاء طبيعة مشكلة الانتحار وأثرها وتداعياتها، والعيّنة كما يُقال: "بيّنة".
والناظر إلى هذه الظاهرة يجد أن الإحساس بالوحدة يدفع إلى التفكير في الانتحار، وكذلك الانزعاج والاستياء من المظهر الشخصي للمرء يُزَهِّده في حياته، ويدفعه إلى اليأس والقنوط، ومما يزيد الطين بِلَّة أن الشخصية الانتحاريّة لا تجد من تفضي إليه بمكنوناتها وإحباطاتها إلى حين زوال الغُمة وانفراج الأسارير، وفي ذلك تقول نتائج المسح: أن ربع من فكروا أو أقدموا على الانتحار فعلوا ذلك بعد أن خاب أملهم في وجود من يُسرّون إليه بمعاناتهم، وبسبب الأوضاع النفسية السيئة، والخوف الدائم من الموت، فإن معدلات الانتحار بين الشباب الأمريكي أكثر من معدلات الانتحار في أوروبا الغربية بنحو 20 ضعفًا، وأكثر منها في اليابان بأربعين ضعفًا.
نجاح العقيدة الإسلاميّة في حل هذه المشكلة:
إن الحديث عن الحل لمشكلة الانتحار والذي قدّمته العقيدة الإسلاميّة يتجاوز العلاج الظاهري لها، ويقودنا إلى جذورها ومنطلقاتها، فالأمر يتجاوز الممارسة الخاطئة، وبدايات الخلل تكمن عند نظر المقدمين على الانتحار إلى عبثيّة الحياة وعدم فهم سرّ الوجود وغايته، وهذه المسألة تلقي بظلالها النفسيّة السلبية على صاحبها فتقوده إلى الانتحار، والحق أن الإسلام قد كوّن التصوّر الصحيح لأسباب وجود الإنسان في الحياة، وبيّن أنها انتقالٌ من دار مؤقّتة إلى دارٍ توصف بالحياة الكاملة الدائمة، ولذا جاء وصفها في القرآن بالحيوان، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا لَهْو وَلَعِب وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة لَهِيَ الْحَيَوَان لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64]، فالآخرة هي الحياة الدائمة التي لا زوال لها، ولا انقطاع ولا موت معها.
وإذا كانت الحياة الدنيا ليست سوى مجرّد محطّة مؤقّتة يوشك المرء أن يُغادرها، كان من الطبيعي أن يكون ما بين الدارين ذلك التباين الهائل والفرق الشاسع، فإذا كانت الحياة الدنيا زهرةٌ نضرة، وليس للزهرة دوام بل مصيرها إلى الذبول، فالآخرة وما أعدّه الله للمتقين هي الحياة التي تستحقّ أن يُقلق لأجلها، وأن تكون مقصدًا لكل عاقل، ولا أسف على الدنيا ولا حُزن على ما فات منها، فعند الله عز وجل العِوَض الوافي.
والدار الآخرة كما يقول أهل التفسير هي: "دار الحيوان"، أي: الحياة الكاملة التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدّة، لأنها أبدانٌ وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودًا فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان من المآكل والمشارب، والمناكح وغير ذلك، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «» ثم قرأ: {فَلَا تَعْلَم نَفْس مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُن جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، (رواه البخاري)، فإذا تفكّر من أراد الانتحار بهذه الحقيقة، علم أن الدنيا أصغر وأحقر من أن يُزهق روحه لأجلها، أو أن يُفسد حياته ويُنهي وجوده ويقطع باب العمل للآخرة بسببها.
لقد أحال الإسلام قضية الموت التي صورتها الآداب الجاهلية منذ زمن الإغريق والرومان، وحتى حضارة الغرب المعاصرة بشكلٍ مأساوي رهيب، إلى مجرّد انتقال وتحول إلى حياةٍ من نوع جديد تتميّز بالراحة والسعادة والخلود للمؤمنين، وفيها تحقيقٌ لأحلامهم التي لم يجدوا سبيلاً لتحقيقها في الحياة الدنيا، وليس في الإسلام مكانٌ لفكرة العبث الوجودي والتي جعلت الكثيرين ينهون حياتهم بالانتحار؛ لعدم اقتناعهم بجدوى الحياة ومكابدة صراعاتها، ولانتقاء الغاية منها في عقولهم وضمائرهم، فالإسلام حدد الغاية ونفى العبثية، وطرد الضياع، فحل مشكلة وجدانيّة وعقلية خطيرة أقلقت الناس الذين عاشوا ويعيشون في الأطر الجاهلية، قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115-116].
يقول صاحب الظلال: "فحكمة البعث من حكمة الخلق محسوب حسابها، ومقدر وقوعها، ومدبّر غايتها، وما البعث إلا حلقة في سلسلة النشأة، تبلغ بها كمالها، ويتم فيها تمامها، ولا يغفل عن ذلك إلا المحجوبون المطموسون، الذين لا يتدبرون حكمة الله الكبرى وهي متجلّية في صفحات الكون، مبثوثة في أطواء الوجود".
وعندما يتوصّل الناس إلى هذه الفكرة وتتضّح لديهم، فإن نظرتهم إلى الحياة ومعناها ستختلف بالتأكيد، لنستمع إلى تجربة الفيلسوف (تولستوي Tolstoy) إذ يقول: "لما قضيت الخمسين من عمري سألت الحكماء الذين عرفتهم عن كوني الخاص وعن معنى حياتي، فكان الجواب أنني عبارة عن ذرات اجتمعت ببعضها، وأن حياتي خلو من المعنى، بل إنها رديئة، فداخلني اليأس من هذا الجواب، وكاد يحملني على الانتحار، ولكنني ذكرت حالتي في عهد الطفولية حينما كان الإيمان راسخًا في قلبي، وكان للحياة معنى عندي، ثم نظرت فرأيت جمهور الناس حولي راضين بالإيمان، ولم يبطرهم المال فيجرّهم إلى الفساد؛ فلذلك يعيشون عيشة حقيقية مملوءة بالمعاني".
فانظر كيف قادت العبثيّة هذا الفيلسوف إلى الشعور بالضياع وعدم الجدوى من الحياة، ثم كيف تبدّلت حياته حينما استصحب الإيمان، مع إيماننا بأن نظرته إلى الإيمان هنا كانت نظرة نسبيّة وقاصرة، لم تقده إلى الإيمان الكليّ، ولكنها قاربته من حقيقة الإيمان والغائيّة في الخلق، فانفرجت أساريره بمقدار هذا النزوع اليسير إلى الإيمان الصحيح.
وثمّة جانبٌ آخر من دوافع الإقدام على الانتحار، وهو نابعٌ من تصوّر أن الإنسان له الحق في إنهاء حياته بيده، وأن روحه التي بين جنبيه هي ملكٌ خالصٌ له، وهذه النظرة القاصرة هي التي جعلت الكثيرين من أصحاب المذاهب الماديّة يُدخلون مسألة الانتحار في إطار الحريّة الشخصيّة، والحقّ أن الروح هي ملك لله، وهو الذي هيّأها وخلقها لمقصدٍ معيّن، فأيّ تصرّف في النفس بغير إذن مالكها سبحانه وتعالى هو تعدٍ على حقّ الخالق وتصرّفٌ غير مأذونٍ به، ويمكن استلهام هذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «» (رواه البخاري)، أي: استعجل الموت ولم يصبر حتى أقبِضَ روحه من غير سبب منه.
إن الأمل بالله عز وجل والرجاء بفضله ورحمته، وحسن التوكل عليه والإنابة عليه، نابع من الإيمان بالله الذي يمنع اليأس والقنوط، وإن الإحساس بالكآبة والضياع، أو التمرّد والعبث، أو الانقلاب عن عبادة الله عز وجل إلى عبادة سواه هو نتيجة لعدم الإيمان؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:123]؛ لذلك كان اليأس من صفات الكافرين: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
وقد صوّر القرآن الكريم حالات اليأس المستبد بالإنسان عندما يقطع صلته بالله ويفقد إيمانه برحمته، فكأنه لا يجد بعد ذلك ما يفعله إلا أن يمدّ حبلا إلى الأعلى فيشنق به نفسه ليذهب غيظه، ولكن روحه تزهق ولا يذهب غضبه ويأسه، قال الله سبحانه وتعالى: {منْ كَانَ يَظُنّ أَنْ لَنْ يَنْصُرهُ اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْده مَا يَغِيظ} [الحج:15].
وإذا كان المقدم على الانتحار شخصٌ قُتل الطموحُ في نفسه، ففقد الأمل في علاج المشكلات التي يواجهها في حياته، فإن صاحب العقيدة الإسلاميّة لا ييأس من روح الله، يوقن بأن الله سبحانه وتعالى الذي ما أنزل داء إلا وجعل له دواء، يؤمن كذلك بأن للمصائب والنوازل مفاتيح فَرَجٍ لأبوابها المغلقة، لا يستفتحها إلا من اتقى ربّه جلّ جلاله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:2-3] فبالله سبحانه وتعالى يندفع المحذور، ويحصل المأمول، وتُحلّ العقد، وتنكشف الغمّة.
وإلى اليائسين من روْح الله، الذين تفصّمت لديهم عُرى الصبر الجميل، ولم يروا لهم مخرجًا ومنجاةٍ من عذابات الدنيا إلا بإزهاق الروح وإنهاء الارتباط بالدنيا انتحارًا وهروبًا من المواجهة، تبرزُ آيةٌ كريمة لتبدّد هذه المشاعر القاتمةِ وتُحيلها هباء منثورًا: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} [النساء:29-30].
فالله جلّ جلاله أرحم بعبده المؤمن من نفسه؛ فينبغي له الرضا عن الله سبحانه وتعالى في مرضه وصحته، وألا يتّهمَ قدَرَه، ولا يسأله الوفاة عند ضيق نفسه بمرضه، أو تعذّر أمور دنياه عليه، إن اعتداء الإنسان على نفسه ومباشرته لإزهاق روحه ليست حريّة شخصيّة كما يزعم المنظّرون للحضارة الغربيّة المعاصرة، ولكنّها جريمةٌ كبرى، واعتداءٌ صارخ، وتصرّفٌ فيما لا يملكه الإنسان بغير وجه حقّ، والحقّ أن الحياة ملكُ الله وكذا الروح والنفس، إنما هي وديعةٌ إلهيّةٍ حُدّد لنا أوجه التصرّف فيها، ولذلك كان الانتحار جريمةُ شنعاء بل هي من كبائر الذنوب،كما هو واضحٌ من النصوص الشرعيّة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «» (متفق عليه)، والوجأ: ضرب البطن بآلةٍ حادة كالسكّين.
ولمّا كانت الأقدار مخبّأة، والمرء لا يدري كيف تؤول الأمور، ويخشى على نفسه الجزع وعدم الصبر، يأتي التوجيه النبويّ بتفويض أمر الموت والحياة إلى الله سبحانه وتعالى في الاختيار بما هو الأصلح للعبد، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «» (متفق عليه)، يقول الإمام النووي معلّقا: "فيه التصريح بكراهة تمنّي الموت لضرٍّ نزل به من مرضٍ أو فاقةٍ، أو محنةٍ من عدو، أو نحو ذلك من مشاق الدنيا".
وبهذا التناغم بين مُفردات العقيدة الإسلاميّة الصافية، بما تدعو إليه من التوكّل على الله والاستعانة به، والإيمان بحكمته الشاملة، واليقين بأقداره وصلاحها للعباد، تبرز الحكمة الرائعة والرؤية الثاقبة، والمنطق الرزين للعقيدة الإسلاميّة، ونجاحها في القضاء على هذه الظاهرة.
- التصنيف:
- المصدر: