حكم نظر كلٍّ من الزوجين إلى عورة الآخر

منذ 2014-04-15

أمر الإسلام بستر العورة في كل حال إلا إذا اقتضى الأمر كشفها.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

1. قال الأستاذ سيد سابق رحمه الله:

أمر الإسلام بستر العورة في كل حال إلا إذا اقتضى الأمر كشفها. فعن بَهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا نبي الله: عوراتنا، ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك». قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت ألا يراها أحد فلا يراها. قال: قلت: إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: فالله أحق أن يُستحيا من الناس» (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن).

وفي الحديث جواز كشف العورة عند الجماع، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتجرد الزوجان تجردًا كاملا. فعن عتبة بن عبد السليمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردا تجرد العَيرَين" (رواه ابن ماجه) والعيرين: الحمارين. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم» (رواه الترمذي وقال: حديث غريب). قالت عائشة: "لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولم أر منه".

 

2. قال عبد الله علوان رحمه الله:

"وإن كان الأفضل ألا ينظر أحدهما (أي: الزوج والزوجة) إلى عورة صاحبه، لحديث عائشة رضي الله عنها: "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرَ مني ولم أرَ منه". ا.هـ.

قلت:

أ- لا أفضلية هنا، والحديث لم أقفْ عليه فيما بين يدي من مصادر، وقد أحال المصنف في الهامش إلى (فتح القدير- ج8- كتاب الحظر، فصل النظر) وهو من كتب الأحناف الفقهية، ولا أظنُّ إلا أنَّه قاله بالمعنى، وفي الباب حديثٌ قريبٌ منه، انظره مع تخريجه (ص246).

ب- وقد روي في معناه أيضًا أحاديث وكلُّها مما لا تصح نسبتُه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل الحديث المشهور عند الناس "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها، فإنَّ ذلك يورث العمى" وهو حديث موضوع، قاله أبو حاتم الرازي وابن حبَّان وابن الجوزي وشيخنا الألباني، انظر (الفوائد المجموعة: [ص127])، و(السلسلة الضعيفة: [1/351]) وفيها أيضًا حديث آخر موضوع في الباب نفسه. وقال الإمام ابن حزم: وما نعلم للمخالف تعلقًا إلا بأثرٍ سخيفٍ عن امرأةٍ مجهولةٍ عن أم المؤمنين: "ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط"، وآخر في غاية السقوط عن أبي بكر بن عياش وزهير بن محمد كلاهما عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهؤلاء ثلاث الأثافي والديار البلاقع أحدهم كان يكفي في سقوط الحديث. ا.هـ (المحلى: [9/165]).

ج- وهذه الأحاديث مع كونِها موضوعةً لا تصحُّ، فإنَّها تخالفُ نصوصاً من القرآن صريحةً، ومن السنَّة صحيحةً. فأما من القرآن، فقد قال الله عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5- 6]. قال الإمام ابن حزم رحمه الله: فأمر تعالى بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة في ذلك، وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته. ا.هـ (المحلى: [9/165]).

وأما من السنَّةِ، فقد صحَّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت: "كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم منْ إِنَاءٍ بَيْني وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرَني حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لي، دَعْ لي" (رواه البخاري: 1/480، ومسلم: 4/ 4). قال الحافظ ابن حجر: واستدل به الداوديُّ على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته، فقال: سألت عطاءً فقال: سألتُ عائشة فذكرتْ هذا الحديث بمعناه. قال الحافظ: وهو نصٌّ في المسألة. ا.هـ.

وحديثٌ آخرُ من السنَّةِ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» (رواه أبو داود: 4/40، والترمذي: 5/110، وحسنه، وابن ماجه: 1/618). ورواه البخاري معلقا (1/508)، وقال الحافظ ابن حجر عنده: ومفهوم قوله: «إلا عن زوجتك» يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر. ا.هـ. قال ابن حزم رحمه الله: وحلالٌ للرَّجُلِ أَنْ ينظرَ إلى فرج امرأته -زوجته وأمَتِه التي يحل وطؤها- وكذلك لهما أنْ ينظرا إلى فرجه، لا كراهة في ذلك أصلاً، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن طريق عائشة وأمِّ سلمة وميمونة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أنهن كنّ يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ، وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزرٍ لأنَّ في خبرها "أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ أَدْخَلَ يَدَهُ في الإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ عَلى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ"، فبطل بعد هذا أنْ يُلتفت إلى رأيِ أَحَدٍ، ومن العجب أنْ يُبيحَ بعضُ المتكلِّفين مِن أهل الجهل!! وَطءَ الفرجِ ويمنع من النظر إليه. أ.هـ (المحلى: [9/165]).

وقال شيخنا الألباني رحمه الله: تحريم النظر بالنسبة للجماع من تحريم الوسائل، فإذا أباح الله تعالى للزوج أنْ يجامع زوجته، فهل يعقل أنْ يمنعه من النظر إلى فرجها؟ ! اللهمَّ لا. ا.هـ (السلسلة الضعيفة: 1/353).

 

وأما الأحاديث:

1. "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم" فهو ضعيف، ضعفه: الترمذي (السنن: [5/112])، والبغوي (شرح السنَّة: [9/25])، وابن القطان (بيان الوهم: [3/507]).

2. "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العَيريْن". العَيرين: مثنى العير، وهو حمار الوحش. (رواه ابن ماجه: 1921) وهو حديث ضعيف، ضعفه: الإمام أحمد، وأبو حاتم، والنسائي. ذكر ذلك البوصيري وأيده في حاشيته على ابن ماجه (الزوائد). والله أعلم.

 

إحسان بن محمد بن عايش العتيبي

أبو طارق