أخي أنت حر وراء السدود - (3) معاني إيمانية في قصيدة

منذ 2014-04-16

معاني إيمانية في قصيدة صاحب الظلال رحمه الله تعالى.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فما زلنا مع المعاني الإيمانية في قصيدة صاحب الظلال رحمه الله.


قال صاحب الظلال رحمه الله:
 

قـد اختارنا الله في دعوته    ***    وإنا سنمضي على سنته
فـمنا الـذين قـضوا نحبهم    ***    ومـنا الـحفيظ عـلى ذمته

فالمؤمن يدرك نعمة الله السابغة التي لا تدانيها نعمة بل ويشفق من تقصيره في شكرها، يشفق أن تسلب عنه فيهلك! تلك هي نعمة الإيمان والسير في طريق الحق على سنة المرسلين {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف:38]، وحق هذه النعمة أن يؤدي شكرها بالصدق والثبات في نصرة الدين، دين رب العالمين الذي لم يرتضي دينًا غيره واصطفى له من يقوم به! ولما أشيع يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ترك بعض الصحابة أسلحتهم فأنزل الله تعالى يعاتبهم: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، أي الذين شكروا نعمة اختيارهم لحمل أمانة الدين فثبتوا، حتى لو مات القائد المبلغ لهذا الدين صلى الله عليه وسلم.

والمؤمن يتمنى هذا الشرف ويرجو أن يستعمله الله لنصرة دينه ولا يستبدله فيسير في ركب من سبقه إلى الله داعيًا لهم: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر:10]، وغاية أمله أن يلحق بهم فيحجز له مكانًا {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69]، والسبيل إلى ذلك أن يسير في نفس طريقهم المستقيم لا ينحرف عنه، فحينها فقط لا يبقى إلا بلوغ الأجل حتى يلحق برجال {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب:23].
 

أخي فامض لا تلتفت للوراء    ***    طـريقك قـد خـضبته الـدماء
ولا تـلتفت هـا هنا أو هناك    ***    ولا تـتـطـلع لـغـير الـسـماء

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، سؤال قرآني يتلقاه المؤمن فيسير إلى ربه في ثبات، فكما لا يلتفت في صلاته التفات الثعلب ونظره محل السجود، فإنه لا يلتفت في سيره إلى الله التفات المتردد وقبلة قلبه إلى السماء! فلا يرتد على عقبه {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا..} [الأنعام:71]، فان أراد أحد إخراجه عن جادة طريقه هتف به {..قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:71]، ولا يثنيه عن طريقه أنه وعر ملئ بالمخاطر مخضب بالدماء، تلك الدماء التي بذلت لربها فعطرت الطريق إلى الله بمسك الشهادة ورائحة الجنة.

فغاية المؤمن واحدة {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72]، ومعينه في تحصيل غايته هو نفس مقصوده! فغايته الله ومعينه الله فهو يصدع في كل وقت {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، ولذلك لا يتطلع لغير السماء حتى تأتيه البشرى منها {..فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا..} [البقرة:144]، ولذلك لا تهزه الأخطار التي على الأرض لأنه لا ينظر إليها أصلا! بل يطأها بقدمه لآنه منشغل عنها بأمر آخر، بأمر السماء التي لا يتطلع إلا إليها!
 

فلسنا بطير مهيض الجناح *** ولن نستذل ولن نستباح
وإني لأسمع صوت الدماء *** قويًا ينادي الكفاح الكفاح

 

فليس المؤمن بالذليل الخاضع لغير الله وإنما يخفض جناحه لإخوانه فقط كما أمره ربه {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، ويرفع رايته عالية عزيزة في مواجهة أعداء الدين ليدخل في جملة من قال الله عز وجل فيهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29]، وكيف يذل لغير الله؟! وإنما جعل الذل والصغار على من خالف امر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما من اتبع أمره فيسير في طريق العزة على الصفة التي أحبها الله: {..أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ..} [المائدة:54]، فهؤلاء لا يبالون أن يبذلوا كل شيء حتى دماءهم، ولذلك استحقوا وصف ربهم بأنهم قوم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54].
 

أخي هل سمعت أنين التراب    ***    تــدك حـصاه جـيوش الـخراب
تــمــزق أحــشـاءه بـالـحـراب    ***    وتـصـفعه وهــو صـلـب عـنـيد

"فزت ورب الكعبة" قالها حرام بن ملحان رضي الله عنه حين طعن غدرًا بحربة مزقت أحشاءه، فجعل ينضح الدم على وجهه وهو يهتف: "فزت ورب الكعبة"! فأي صلابة تلك! لقد كان مثالاً وقدوة لكل مؤمن يطأ المواطئ التي يحبها الله عز وجل وهو صابر محتسب: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عدو نيلا عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [التوبة:120-121]، فما من ألم «حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (صحيح البخاري:2641).

فكيف يصيبه الوهن في ابتغاء القوم وقد قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104]، فصلابة المؤمن وصبره ليست بأقل من أهل الباطل الذين وضع الله في قلوبهم حمية الجاهلية، فجعل بعضهم يصبر بعضًا: {..أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6]، وظنوا أن معهم من أسباب القوة ما يجعلهم صامدين فقالوا: {..وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً..} [فصلت:15]، لكنهم أيضًا يتألمون! يتألمون ثم يعذبون!

وأهل الحق يدركون موازين القوى الحقيقية ويعلمون نداء ربهم: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [أل عمران:160]، فحينها تصبح صلابة المؤمن أشد من صخور الجبال الرواسي، فتتحطم عليها أحلام الخائنين والطامعين في تبديل هذا الدين!

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
المقال السابق
(2) فأي إيمانٍ يدعيه
المقال التالي
(4) أن يغضب لله وحده