(ومن النُّبلِ ما قتل)!

منذ 2014-04-19

على شجرة الحُبِّ بنيا عشَّهما.. رعياها مذ كانت بذرة في قلبيهما نبتت من النظرة الأولى.. طالما تعاهداها بماء العيون وحديث الأجفان.. راقباها تكبر يومًا بعد يوم، حالمين بهذا العشّ يجمعهما على أغصان الوصال..

سبع سنين مرَّت عليهما كأحب وأرحم ما يكون زوجان.. أو إن شئت كأرق وأجمل ما يكون طيران.. محلقان في جوهما بعيدًا عن تنغيص يأتي في دعوات الأهل بثمرة جميلة يحلو بها طعم عيشهم، ويحيا بها سكون عشَّهم!

أمَّا هي.. فكثيرًا ما كانت تضجر من تلك الكلمة المتكرِّرة من أُمّه: "ربنا يرضيكم يا بنتي"، وما تقصد إلا الذرية.. تهرب من استفسار أُمّها المُمِل: "هه مفيش حاجة كدة؟!"..

صارت ضعيفة أمام منظر الأطفال يلهون.. تتحاشى الخروج قدر الإمكان وقد صار ينتهي دومًا برجوع سريع للبيت على وقع دموع شوقها!

وأمَّا هو.. فلا يرى بهجة الدنيا إلا في عينيها.. يُردِّد دومًا: "هي أغلى ما حزت في دنياي"، "وما يضيرنا ألا يكون لنا ولد وقد زرعنا شجرة الحب سويًا تُبِرُّنا بظلها ما حيينا؟!".. تُقِرُّ هي له بأنه كريم حبيبًا وزوجًا كأنبل ما يكون الرجال..

استجاب لرغبتها ورغبة العائلتين في إجراء فحوصات طبية.. لازمته انكسارة لا تخفى في عينيه بعد استلام نتيجتها!

تغيَّرت نبرة أُمّه.. مثنية دومًا على الزوجة الأصيلة التي رضيت بولدها عقيمًا واكتفت بحبه..

لكن شيئًا ما بدأ يتغيَّر بداخلها هي.. إنها لا تستطيع مقاومة الشوق لكلمة "ماما" من ذلك الثغر الصغير الآسر!

يجهد هو في استرضائها؛ وتتمادى هي في الجفاء يومًا بعد يوم.. وبدأ الذبول يدبُ في الأوراق التي طالما زهت بنضرة الحب!

في ليلة غاب قمرها صارحته بصراعها بين حُبَّين، وعدم ثقتها من استمرار صبرها.. لم تُكمِل حديثها حتى دسَّ يده المرتعشة في جيبه، ليستخرج ميدالية مفاتيحه ويستل ذلك المفتاح الذي طالما فتح له باب جنته.. وضعه في يدها وقال: "لا أريده.. فليس ثمَّةَ جنة يُفتَح بابها لي بعد اليوم".. استأذنها فقط في الحرف الأول من اسمها المعلَّق في رقبتها، والذي كان هديته لها في ذكرى زواجهما الأخيرة!

ولَّاها ظهره، وولَّى معها همس الذكريات وحديث الحنين في الأركان.. لم يتحمَّل أن يرى تلك الشجرة تُقتلَع من جذورها دون جريرة.. إنها وإن لم تُثمِر؛ لكنها لم تبخل عليهم يومًا بريِّها.. ما زال ميثاق حُبِّهم محفورًا على جذعها.. وكأنه يسمعها تصرخ فيهما مُذكِّرة بعهد نسياه!

وبعد سبع أخرى مرَّت إذا به؛ يُعلِّق ذاك الحرف الذهبي في رقبة ابنته التي سمَّاها على اسمها.. دمعة حائرة عبثًا يحاول مواراتها، وسؤال لا يكاد يُخلِي بينه وبين نومه: "هل كان نُبله في مَحلِّه لمَّا أخفى عنها نتيجة الفحوصات بأنها عقيم لن تَلِد يومًا.. أم أن: من النُّبلِ ما قتل"؟!

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد عطية

كاتب مصري