حاجتنا للأخلاق في عصر المعلومات

منذ 2014-04-20

العالم الإلكتروني ليس مُجردًا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليديَّة؛ إذ إن هذا العالم الإلكتروني تكتنفه أخلاقُ العالم التقليدي، إضافة إلى بعض الآداب التي فرضتها طبيعة هذا العالم الإلكتروني الجديد.

لقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إتمام مكارم الأخلاق هدفًا لبعثته وغايةً لرسالته، وكفى بذلك تنويهًا وتشريفًا لقيمة الأخلاق في دعوته؛ حيث قال: «إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق» (السلسلة الصحيحة: [45]).

 

ولقد منَّ الله على المسلمين بأن جعل لهم قدوةً يقتدون بها، تتجسَّد فيها مكارم الأخلاق التامة، التي أخذت من ميراث جميع الرُّسل وزادت عليه، وذلك هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أثنى الله عليه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وقال -سبحانه-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
 

وقد سُئلت أمُّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن خُلقه -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خُلقه القرآن" (رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود)، وهي تعني بذلك أن سيرته كانت تجسيدًا حيًّا للقرآن.
 

ويدخل في مكارم الأخلاق حُسن الخُلق والمعاشرة التي دعت إليه السُّنَّة، وتوافرت في فضلها الأحاديث، مثل -قوله عليه الصلاة والسلام-: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا»؛ (روه أحمد، وأبو داود، وابن حِبَّان، والحاكم).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الرجل ليدرك بحُسن خُلقه درجات قائمِ الليل، صائمِ النهار» (رواه أبو داود).
 

ومن هنا، فلا يكفي المسلم أبدًا أن يكون ذا علمٍ غزيرٍ، ومعرفة بأصول دينه وفروعه، وبما يجب عليه تجاه ربِّه وتجاه أُمَّته، وما ينجيه في الدنيا والآخرة، فلا تكفي كلُّ هذه المعرفة، وإنما يجب أن تتحوَّل هذه المعرفة إلى عملٍ، وأن يترجم هذا العلم إلى سلوك، وإذا لم يعمل المسلم بعلمه كان عليه وبالاً، والجانب الأخلاقي في الإسلام له من الخطورة والأهميَّة ما ليس لغيره، وحسبنا أن نقف مع حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي جمع فيه كلَّ البرِّ في كلمةٍ واحدة، فقال: «البر حُسن الخُلق» (رواه مسلم)، كما جعل الخُلق الحَسن معيار حبِّه -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن مِن أحبِّكم إليَّ أحسنكم خُلقًا» (رواه البخاري)، كما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يُدخلُ الناس الجنة، قال: «تقوى اللهِ وحُسنُ الخُلقِ» ( رواه الترمذي).

ولهذا لا تُجدي المعرفة المجرَّدة؛ حتى يلتزمها المسلم سلوكًا.

 

الأخلاق عِلْم وعمل:

إن الإسلام أولاً وآخرًا دينُ عملٍ وسلوك، وإن الذي يعلم الخير ويأمر به ولا يلتزمه من أولئك الذين وصفهم الله، فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]، وحذَّر المسلمين من هذا السلوك، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:3].

لهذا؛ ينبغي أن نترجم عِلْمَنا بالله إلى عملٍ وسلوك، وكم من خُلق حميد وسلوك حَسَن كان له من حُسن التأثير على الناس ما ليس لآلاف الكُتب والخُطَب العظيمة!

 

قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، وقال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61]، والإنسان له رسالة كلَّفه الله بها: هي العبادة بالمعنى الإسلامي الشامل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وله فطرة فطره الله عليها: وهي الإسلام؛ {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30].

 

الحاجة الخُلقية في عصر المعلوماتيَّة:

وإذا كنا بحاجة إلى الأخلاق، فما أكثر حاجتَنا إليها في هذا العصر، عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات! وذلك لما حلَّ بمجتمعنا من تغيُّرات بسبب التطور الذي حدث في عصرنا الحاضر في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذي له آثارٌ جمَّة على أخلاقيَّات مجتمعنا المسلم؛ سواء بالإيجاب أو بالسلب، فلا يستطيع أحدٌ أن يغفل الإمكانيَّات الرائعة التي تقدِّمها لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخاصة بعد اندماج الكومبيوتر والاتصالات في الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات، وأيضًا لا نستطيع أن نتجاهل الآثار السلبية التي ترتَّبت على هذا الانفتاح المعلوماتي والإمكانيَّات التكنولوجيَّة، خاصة أن مَن يمتلكون ويحتكرون هذه الإمكانيَّات يختلفون معنا عقائديًّا وفكريًّا، فما يعدُّ عندهم مباحًا وعاديًّا نجد له ضوابط أخرى في ديننا الحنيف، وكذلك ثقافة المتلقِّي وعدم توفُّر الوعي الكافي للقيام بالانتقائيَّة المعلوماتيَّة لأَخْذ ما ينفع وتَرْك ما يَضرُّ.

 

ومن هنا فقد سبَّب ذلك كله آثارًا في المجتمع الإسلامي بكلِّ مستوياته؛ سواء على مستوى الفرد أو الأسرة.

إن المتغيِّرات الحاصلة في الوقت الراهن على الصعيد العالمي بسبب تفاقم الثورة التكنولوجيَّة والمعلوماتيَّة والاتصاليَّة، وما قد نتج عنها من آثار ومؤثرات عديدة على بنية وعُمْق سلوك الإنسان في أيِّ مكانٍ كان في ظلِّ الانكماش المكاني، إن هذه المتغيِّرات تدعونا إلى النظر والتمعُّن في مسألة هامة وحيويَّة: هي مسألة الثقافة المتدفقة عَبْر وسائل الاتصال الحديثة، الثقافة باعتبارها النتاج البشري المتنامي والديناميكي والمتغيِّر باستمرار.

ونظرًا لأن هذه الثقافة الوافدة أثَّرت؛ سواء بالسلب أو بالإيجاب على أخلاقيَّات مجتمعنا المسلم، كان لزامًا علينا رصد هذه الظاهرة وتزكية أخلاقنا؛ كي نواكبها ونستفيد منها ولا نتأثَّر بها سلبًا.

 

ولذلك؛ فلا بدَّ من توضيح الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يلتزمها المسلم حِيال الإنترنت وغيرها؛ فالعالم الإلكتروني ليس مُجردًا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليديَّة؛ إذ إن هذا العالم الإلكتروني تكتنفه أخلاقُ العالم التقليدي، إضافة إلى بعض الآداب التي فرضتها طبيعة هذا العالم الإلكتروني الجديد.

 

نحن المسلمين -بحكم عقيدتنا وأصالتنا العربيَّة- لا بد أن نحرص على الخُلق الحَسن والأدب الرفيع، وأن نكون من المؤمنين بالسلوكيَّات الإنسانيَّة المهذَّبة؛ ولهذا ليس من الصعب أن نطبِّق ما نتبنَّاه من أخلاق في واقع الحياة اليوميَّة على سلوكنا في عالم الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصالات.

 

ينبغي أن نتذكَّر دائمًا أن الإنترنت هو وسيلة للاتصال؛ إذ يُمكنك عن طريقها إرسال الرسائل ومحاورة الآخرين، وعرض أفكارك وآرائك والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيْئَات المختلفة، وعند استخدام أيِّ وسيلة اتصال ينبغي الالتزام بمجموعة من الأخلاق والآداب العامة، ومن هذا المنطلق جاء مفهوم آداب الإنترنت.

 

لا بد أن نحاول فَهْم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحة جدًّا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض، فصار لزامًا أن نتعلَّم (أخلاقيَّات وفِقه الإنترنت) بالمعنى الواسع للمعرفة، وليس من الناحية الشرعيَّة فحسب، ويبدو أن (الشات) -غُرَف الدردشة الإلكترونيَّة- ستظلُّ عنصرًا مغريًا وجذَّابًا، وأنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها، ما لم يكن محدد الهدف ومؤقَّت المدى.

 

إن غياب المعرفة أو الثقافة الواسعة يجعل من الدردشة التي تجري في معظم الغُرف الإلكترونيَّة العربيَّة عبارة عن لغوٍ فارغ، أو معاكسات، أو شتائم متبادلة، ولا يكون تبادل الحديث نافعًا إلا إذا كانت لدى أطرافه من المعرفة أقدارٌ كافية، بحيث يكون النقاش مفيدًا، وأعتقد أن بيننا وبين هذا شوطًا كبيرًا؛ لأن أغلبنا لم يتزوَّد بالثقافة أو المعرفة؛ فليست تلك الأمور متاحة في مناهج التعليم النظامي، وليست هي المادة المتوافرة في أغلب برامج الإعلام، ولم تَعد القراءة -للأسف الشديد في هذا العصر بالذات- مصدرًا معتبرًا لدى كثير من شبابنا في الحصول على المعلومات وتداول الأفكار.

 

ومن المقلق حقًّا: وجود بعض المواقع التي تحتوي على أفكار مسمومة تشكك في العقيدة، أو تغالط في التاريخ، وأشفق على مَن تُتاح أمامه هذه المواد دون أن تكون لديه أدنى خلفيَّة عن تلك القضايا، فكيف إذًا نتفاعل مع هذه المتغيِّرات؟ وكيف نتعامل مع هذه التحدِّيات؟!

 

أرى أننا للأسف لم نتطرَّق إلى هذه المسائل، وما زلنا غالبًا نتعامل مع الإنترنت بوصفه شبكةً للاتصال والتسلية أكثر مما هو وسيطًا للمعلومات والحوار بكل ما يحمله هذا من صعوبات، وما يطرحه هذا الوضع من أسئلة لا يتصدَّى أحدٌ لطرحها، ناهيك عن أن يجيب عليها؛ فكل هذا يحتم علينا الآتي:

1- لفت الانتباه إلى الاهتمام بالثورة المعلوماتيَّة التي حدثت، وما جرى من تغيُّر في أخلاقيَّات المجتمع المسلم.

2- محاولة التأقْلُم مع هذه المعلومات الوافدة، وماذا يجب علينا اتِجاهها من الناحية الأخلاقيَّة؟

3- إبراز الآثار المترتبة على هذا الانفتاح المعلوماتي.

4- توضيح ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المسلم حِيال وسائل الاتصال.
 

التأثيرات السلبيَّة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الأخلاق:

1- آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أخلاق النشء:

لقد تعاظم أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أخلاق النشء، وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين الذين يرتادون صفحات وصور الدعارة لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت، علمًا بأن الدراسات تفيد أن أكثر مستخدمي المواد الإباحيَّة تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 سنة، وللأسف الشديد فإن الصفحات الإباحيَّة تمثِّل بلا منافس أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثًا وطلبًا؛ ولهذا ما له من أثرٍ على أخلاقيَّات النشء؛ حيث يصابون بانفصام في نظرتهم للقِيَم، فما يُعدُّ عيبًا وحرامًا في أُسرتهم، يجدونه مباحًا في مثل هذه الوسائل.


 

2- آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في نشر العُري والتبرُّج:

هناك أشياء تنطوي على إضرار بالأخلاق وقِيَم المجتمع وأَمْنِه وتماسكه: كالأفلام والصور غير الأخلاقيَّة، والكتب الإباحيَّة التي تمس الأخلاق الإسلاميَّة، وللأسف هذا الأمر متاح على الإنترنت، الذي يعتبر أحد أدوات العَوْلَمة لنقل الثقافات وانتشارها، وعلى غيرها من وسائل الاتصال الحديثة: كالقنوات الفضائيَّة وأفلام الفيديو... إلخ.

 

3- آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على فتور العلاقة الزوجيَّة:

إدمان الوسائل الإباحيَّة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يجرُّ تَبِعات أُسريَّة وخيمة: كتفكك الروابط الزوجيَّة، وضَعف قدرة الرجل في علاقته مع زوجته، وتفشِّي الزنا، وعواقب أُسريَّة واجتماعيَّة غير حميدة مشابهة، لقد تسبَّبت المواقع الإباحيَّة التي تعرض الممارسة الجنسيَّة بصورة علنيَّة في عزوف بعض الرجال عن الحلال، وإدمانهم للحرام والعياذ بالله؛ فكم من رجل ترك زوجته واكتفى بمشاهدة هذه المواقع الإباحيَّة!

 

4- آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على ارتفاع معدَّلات الجريمة:

إن السمة الموحدة لمقترفي القتل الجماعي: هي كونهم غالبًا ما يقدمون على جرائمهم لأسباب جنسيَّة في بادئ الأمر، ثم تتطور عملياتهم الإجراميَّة بعد حين من إدمان الجنس إلى التعذيب والقتل وفِعْل الفاحشة في جثث الأموات، وغير ذلك من الجرائم المريعة.

إن الذين يروِّجون الوسائل الإباحيَّة غالبًا ما تكون لهم علاقات وطيدة بالجريمة المنظمة، كما يدعون إلى تفشِّي جرائم أخرى.

 

5- ترويج تجارة الجنس واستغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ذلك:

لقد لاحظ دعاة الفجور وتجار الدِّعارة عوامل التخفِّي والتستُّر داخل شبكة الإنترنت، فأصبح من اللازم لديهم إيجاد طُرق لتوصيل هذه المواد إلى منازل الناس بطريقة مباشرة وخفيَّة، ومن هذا المنطلق تمَّت الاستفادة من البثِّ المباشر والهاتف وشبكة الإنترنت، وقد تمثِّل شبكة الإنترنت في الوقت الحاضر أكثر هذه الطُّرق نجاحًا في هذا الصدد -للأسف الشديد- حيث إن صفحات النسيج العالمي المتعلقة بالدعارة تمثل -بلا منافس- أشدَّ الصفحات إقبالاً في كلِّ العالم... إلخ.

 

6- استغلال شركات الدعاية والإعلان للمرأة، وكيف جعلوها طُعْمًا لجذب زبائنهم:

إن المشاهد للإعلانات التي تبثُّها محطات التلفزة العربيَّة تخاطب الغرائز والعواطف، ربَّما بنسبة تصل إلى 100% في بعض المحطَّات التلفزيونيَّة، وقد تكون أقل من ذلك في بعض المحطات الأخرى؛ أي: إن لكلِّ محطة معايير وأُسَسًا وإن اتفقوا جميعًا في السعي نحو الإعلان بشكل عاطفي؛ لاعتباره مصدر الدخل الأول بالنسبة لهم، ولكن تَكْمُن مشكلة المشاهد العربي في أن عليه أن يتلقَّى فقط، فليس له دور فعَّال لكي يؤثِّر على طبيعة الإعلان الذي تبثُّه الوسائل الإعلاميَّة، وخاصة التلفزيون، وربَّما تكون هذه السلبيَّة من المشاهد العربي دافعًا قويًّا للمحطات التلفزيونية لتقديم المزيد من الإعلانات التي لا ترقى إلى عقل المشاهد واحترام عاداته وتقاليده، لكن المشاهد العربي مغلوبٌ على أمره؛ فالوسائل تؤثِّر فيه أكثر مما تتأثَّر به؛ وهذا ما يدفع بالإنسان إلى محاولة انتقاء المواد التي يشاهدها داخل المنزل؛ للحفاظ على تقاليد وعادات الأُسرة.

 

إن الإعلانات التلفزيونية -وخاصة في الفضائيَّات- تخاطب العواطف والغرائز أكثر من مخاطبة العقول، وهنا تكمن المشكلة؛ لأن غالبية الإعلانات التي تُبَثُّ لا تتفق مع العادات والتقاليد والقِيَم السائدة في المجتمع، فلقد انحسرت الإعلانات التي تخاطب عقل الإنسان وتحترم آدميته، وأصبح الشغل الشاغل بالنسبة لصاحب الإعلان هو زيادة حجم المبيعات، بغض النظر عمَّا يعرض أو عن شكل الإعلان؛ لذلك أصبح الإنسان يجد صعوبةً في العثور على المادة الإعلاميَّة التي تتفق معه، فعلى ربِّ الأسرة أن يسعى لانتقاء المواد التي تناسب عادات وتقاليد وقِيَم المجتمع الدينيَّة والاجتماعيَّة، وإلا فإنها ستكون حتمًا سببًا قويًّا لانتشار أمور غير حميدة، بالإضافة إلى تقليد الأطفال وبعض الشباب لهذه الإعلانات.

 

وأختم كلامي بقول أمير الشعراء رحمه الله:

وإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاَقُ مَا بَقِيَت *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاَقُهُمْ ذَهَبُوا

 

جمال عبد الناصر