الأبناء بين البر والعقوق
نعيش في زمان تسير الناس فيها علي رؤوسها فمن يسير علي قدميه فهو الشاذ فتبدل الحال من حال الي حال وبدلًا من أن نحدث الناس عن الفضائل وزيادة الأعمال أصبحنا نحدث الناس عن الثوابت بعد أن أهمل الناس في زمان الشهوات ثوابت العقيدة والمعاملات.
الله تعالى لما أراد أن يرفع ذكر الحبيب صلى الله عليه واّله وسلم قرن اسمه باسمه في الشهادة، فما أذن مؤذن إلا وبعد شهادة التوحيد لابد أن تتبع بشهادة أن محمدًا رسول الله، ومن أجل ذلك أراد الله تعالى رفع قدر الوالدين فبعد أن أخذ الميثاق بالتوحيد أتبعه بالوالدين لرفع ذكرهما فقال تعالى في محكم آياته: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [البقرة من الآية:83] {وهو القائل سبحانه وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الاسراء من الآية:23] وحذرنا الله تعالى من سوء الادب مع الوالدين فقال تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } [الإسراء:23] فحذرنا الله تعالى في وصيته وأمره لنا بالاحسان للوالدين وزجر الأبناء ونهيهم عن نهر الوالدين حتي ولو بالتأفف وكما قال الامام علي لو هناك أقل من الأف لذكرها الله تعالى.
وأظهر النبي محمد صلى الله عليه واّله وسلم قيمة الآباء في حديثه العظيم الذي يرويه عن عبد الله بن عمرعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (صحيح مسلم؛ رقم: [2743]).
فأظهر الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بأن بر الوالدين سبب النجاة من المحن والأزمات وإنقاذ الأبناء من الهم والحزن والابتلاءات. كما روى أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: « » (صحيح الجامع؛ رقم: [5199]).
من هنا أظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف أن بر الوالدين ينجي من المحن والأزمات ويظهر كيف كان زمن العزة ولكن بالنظر في زماننا وبعد أن تبدل الحال من حال الي حال فنجد الأبناء يهرولون الي دار المسنين ليلقوا بالأباء والأمهات في الدار والعجيب نجد الإعلانات للجمعيات الخيرية ودار المسنين تعلن إذا كنت مشغولًا أو لديك سفر قصير أو طويل فعليك بدار المسنين فأصبح افتخار لدي الابناء بانشغالهم عن الوالدين ونسوا ما رواه أبو هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : «
» (صحيح مسلم؛ رقم: [2551]).هذا بزمان العزة زمان كان الصحابة يعلمون قيمة الوالدين ولكن بالمرور في الطرقات فتستمع إلى القصص العظيمة لعقوق الوالدين فهذا يفتخر بأنه قتل أبيه وهذا بضرب أبيه وهذا بطرد أمه في منتصف الليل من أجل زوجته. فانظر إلي قصة شاب كان يستعر من أمه بسبب أنها عوراء فكانت كلما ذهبت إليه في المدرسة يجري منها وهو يصرخ كيف تأتي إلي المدرسة ويراك الزملاء وأنت عوراء. وظل يستعر منها حتي تزوج واشتاقت الأم لابنها وذهبت لزيارته فسألته زوجته من هذه فقال الخادمة. وبعد مرور وقت قصير ماتت الأم ووصلته الرسالة ففرح بها فرحاً شديداً، ماتت من كان يستعر منها، وجاءته رسالة بضرورة القدوم فذهب لعله يجد الميراث، فوجد رسالة من أمه تقول له مت وأنا مشتاقة لك وأحببت أن أذكرك بأنك وأنت صغير فقدت عينك فقمت بإعطائك عيني حتي لا تكون أعور مع اصدقائك فكن حريصًا لأني مت ولن أستطيع أن أعطيك العين الثانية إذا احتجت لها!!.
فهذا الزمان الذي نعيبه وكما قال الشاعر
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا
وبالعودة لزمان العزة والشرف نجد النبي صلى الله عليه واّله وسلم يفتح الله تعالى عليه من انتصار إلى آخر ومن فتح لفتح حتي يأتي الفتح المبين؛ فتح مكة ورغم هذا العز والفخر والسعادة لم تشغله الانتصارات عن الوالدين كما صح في حديثه صلى الله عليه واّله وسلم إذا قال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم : «
» (صحيح مسلم؛رقم: [976]).بل انظر إلى تربية الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لجيل العزة وأعظم الأمثلة لبر الوالدين هو موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين عاصم بن عمر بن قتادة أن عبدالله بن عبدالله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمسي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا) كما جاء في تفسير ابن كثير.
فبالرغم من أن والده رأس المنافقين، وكان يؤذي النبى صلى الله عليه واله وسلم؛ ولكنه بر الوالدين. فهذه هي تربية زمان العزة ولكن بالنظر إلى زماننا زمن العقوق ومصاحبة الشيطان نجد ما يؤلم القلب، فبزيارة قصيرة إلى أقرب قسم شرطة لديك ستجد قضايا زنا المحارم فهذا ولد يزني مع أمه، وهذه فتاة نجحت في إيقاع أبيها في براثن الخطايا. وبزيارة قصيرة الي أكبر المنتديات الإباحية علي الإنترنت فستجد ثمانين بالمئة من القصص قصص زنا محارم، فالأم تفتخر بأنها تزني مع ابنها وأنه أفضل من زوجها، والفتاة التي تزني مع أبيها،
وبقراءة الصحف اليومية فستجد العجب فمن القضايا زوجة تقدم بلاغ بأن زوجها يعاشر ابنته فتم القبض عليه وبالتحقيق أقر بالفعل وقال هذا أفضل من أن ابنتي تفعل الفاحشة مع الآخرين!
إنا لله وإنا اليه راجعون نعيش في زمان يفتخر الكثير منا بالفاحشة وننسى لقاء الجبار الذي لا يغفل ولا ينام وسوف نحاسب حسابًا عسيرًا.
فعلينا أن ننقذ الامة بالدعوة الصالحة وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا جاء غضب الله تعالى لعله يصيب الجميع ففريق يفعل المنكر وفريق لا ينكر المنكر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو مالك محمد عيسى
كاتب إسلامي
- المصدر: