المعلومة كمصدر من مصادر الموعظة

منذ 2014-04-27

الناس بحاجة إلى الإقناع أثناء الوعظ لتدخل الموعظة إلى القلب، وبحاجة إلى الاستفادة الحقيقية أثناء الوعظ لتشعر بقيمة ما يوعظ به.

الموعظة وسيلة مؤثرة من وسائل التوجيه المعنوي، قادرة -إن أحسن إستخدامها- على توجيه السلوك نحو إيجابية مرغوبة.


ولطالما كانت الموعظة مستخدمة في تحفيز الناس وتحميسهم، أو تحذيرهم ونصحهم أو غير ذلك.


ولكن الموعظة مع الأسف قد صار استخدامها قاصرًا على التأثير النفسي الوقتي عبر اختيار ألفاظ موجعة، وإلقائها بطريقة باعثة على التأثر، حتى صار اسم الواعظ في قلوب كثير من الناس، يدل على الصارخ الباكي الذي يتحدث حول العذاب والعقاب!


لست هنا أرجو الحديث حول نقد للموعظة عند الدعاة، ولكنني أرجو أن ألفت الانتباه نحو مصدر مهم من مصادر الموعظة أرى أنها في كثير من الأحوال تفتقده وهو المعلومة، فبإفتقادها تخرج الموعظة معتمدة على حركة الصوت وأثر اللفظ والقصة فقط، ولذلك ينتهي أثرها عاجلًا، بل حتى لا يكاد الناس يذكرون من الموعظة شيئًا، ولذلك تجد كثيرًا من الوعاظ يكررون مواعظهم ويستمعها الناس فيتأثرون بها وقتيًا وهكذا..


المهم ههنا فيما أريد أن ألفت إليه هو المعلومة الجديدة التي يجب أن تحتويها الموعظة، فتكسب قدرًا من الأهمية، وتحوي قيمة علمية، وتؤثر في المستمع تأثيرًا إيجابيًا يصعب نسيانه.


لقد رأينا من الناس من ينفر من الموعظة كونها تهمل خطاب العقل وكونها تكررت على آذانهم بأشكال منفرة، بل في بعض الأحيان قد فتحت المجال للسفهاء أن يسخروا من أساليب الوعظ!


وقد يوافق أسلوب الموعظة في بلد ظروف أهله، بينما لا يتفق مع مكان آخر قد ينتقل إليه نفس الواعظ أو أشرطته أو تسجيلاته، كما نرى ونشاهد أشرطة ومحاضرات بعض الوعاظ الذين يتحدثون بالسجع تارة وبالشعر تارة وبالصراخ تارة وبالبكاء تارة، فيوافقون ظروفهم الجغرافية والعرفية ويصطدمون مع ظروف غيرهم.


الناس بحاجة إلى الإقناع أثناء الوعظ لتدخل الموعظة إلى القلب، وبحاجة إلى الاستفادة الحقيقية أثناء الوعظ لتشعر بقيمة ما يوعظ به.


وأضرب لك مثلًا بواعظ يتحدث عن قيمة التفكر فيصرخ في الناس منتقدًا إياهم كونهم غافلين لا يفكرون في خلق الله ولا في مخلوقاته، وأن الله أمر بالتفكر، وأن الصالحين دائمًا يتفكرون، وبين واعظ آخر قد زين موعظته بمعلومات ثابتة علمية عن سعة الكون ومعجزاته وعن الوصف العلمي لبعض مخلوقات الله سبحانه وتعالى، ودقتها، وإعجازها، وأيد ذلك بدلائل علمية ثابتة، فأيهما سيكون له الأثر وأيهما سيبقى في ذاكرة المستمع؟ ربما يؤثر الأول في المستمع لحظة فيبكي ولكن الآخر سيظل أثره يبعث على التفكر لفترات طويلة.


وبالمناسبة ههنا فأحسب أنه يمكن أن يستفيد أصحاب البرامج الوعظية التي تلقى في بعض الفضائيات بهذا المعنى، فلا يجعلون مواعظهم قاصرة على ما ذكرنا، بل يؤيدونها بالمعلومة سواء أكانت شرعية أو غير ذلك، وقد رأينا كثيرًا من البرامج الناجحة يقدمها بعض الوعاظ فيؤيدون حديثهم بالموقف والمعلومة وربما بالفيلم التسجيلي المبهر، فيزيد الأثر أضعافًا مضاعفة.


كذلك ينبغي أن يعلم المشتغلون بالوعظ أن لكل موقف ما يناسبه من الحديث، وأن الوعظ لا ينبغي أن يكون كله حالة تأثيرية بل ربما يكون كلامًا مقنعًا بغير إيحاء لفظي أو صوتي، وانظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحكيه العرباض بن سارية رضى الله عنه فيقول "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بالسمع والطاعة» .... إلى آخر الحديث" (مجموع الفتاوى [11/622]).


وانظر إلى موعظة لقمان عليه السلام لابنه كم هي إيجابية، علمية، توجيهية، ناصحة، يقول الله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِ‌كْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّ الشِّرْ‌كَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ....} إلى آخر الآيات [لقمان:13-14].


إنه لنموذج يصلح للتطبيق العملي للموعظة الإيجابية الحاملة للمعان العلمية النافعة الباقية الأثر.

 

خالد رُوشه 

27/6/1435 هـ