الإلحاد والتكفير... ورؤية تقويمية لدور الانترنت الإسلامي
لقد استطاع كل فرد الآن أن يعيش في عالم من توثيقه الذاتي، يستطيع هو بنفسه أن يفترضه وأن يضع حدوده ومحددات التعامل معه بل يستطيع أن يشكل ألوانه وأفراده وطرائق الحياة في ظله.
الرؤية الواسعة للمحيط العالمي الذي كشفه الانترنت، واستطاع معه كل مستخدم له أن يكشف كثيرًا من المعلومات والمتغيرات من حوله أثرت تأثيرًا بالغًا في البصيرة الفردية والاجتماعية للمجتمعات المختلفة.
لقد استطاع كل فرد الآن أن يعيش في عالم من توثيقه الذاتي، يستطيع هو بنفسه أن يفترضه وأن يضع حدوده ومحددات التعامل معه بل يستطيع أن يشكل ألوانه وأفراده وطرائق الحياة في ظله.
كل الأفكار متاحة، وكل الأحاديث منبسطة، وكل المذاهب معروضة للانكشاف والنقد والتعاطي بل والانتماء لها، واختلط القسمان المكونان للتصور عند الأفراد وهما الواقع والخيال، ونتج من خلطتهما عالم جديد يعيشه المتصفح طوال ساعات استخدامه للإنترنت.
لقد اكتست الحياة بلون آخر سواء على المستوى الاجتماعي أو التربوي أو حتى الممارسات السياسية، واختلطت الكيانات المرجعية واختلفت الأعراف في هذا العالم الافتراضي الذي يحياه متصفح الانترنت، مما أنذر بتراجع على مستوى الالتزام القيمي من ناحية، وترهل في الضبط المجتمعي كمرجعية حاكمة للأفراد من ناحية أخرى.
المعاني الداخلية التي كانت تتصارع في نفوس الأفراد صارت الآن يتم التعبير عنها صراحة على صفحات الانترنت، والأفكار التي كان أصحابها يترددون كثيرًا في مجرد الإفصاح عنها صاروا يتبنونها علانية، ما أدى لظهور ما نستطيع أن نسميه (إعلان مستوى الوعي) وينطبق ذلك على الأفراد والمجموعات والجماعات سواء بسواء وإن كان المنطلق الأكبر يبتدئ فرديًا.
بالطبع لم يمكن لأجهزة الاستخبارات العالمية أن ترى هذا الوصف وهذا التحول يحدث أمامها ولا تحاول أن تشارك فيه وتستغله في صالحها، بل لا نبالغ إذا قلنا إن الانترنت صار مرتعًا خصبًا لتلك الأجهزة العالمية وخصوصًا للدول المتقدمة ترسم فيه ما تشاء من المخططات وتنسج عبره ما يساعدها من الشبكات على أوسع قدر من التكنولوجيا والتقنية.
تلك الحالة المقلقة لحكماء العالم ومرجعيات الفهم والتفقه فيه صاحبها بحث حثيث عن طرائق لمواجهة الحدث المتنامي الذي لا يبدو له منتهى ظاهرًا على مستوى التقدم التقني، (فلا يستطيع إنسان مهما كانت قدرته العلمية أن يتصور لنا مدى ما يمكن للتقدم في هذا المجال أن يوصلنا ومدى ما يمكن أن تصنعه ثورة الاتصالات والتواصلات والمعلومات بين أبناء الجنس البشري بعضها البعض).
الجميع من هؤلاء الحكماء بدا حريصًا على قيمه وأعراف قومه، وبدا مرتعبًا من عملية الذوبان التي تحدث للشباب والأبناء وتتقدم نحو الأكبر سنًا شيئًا فشيئًا فتغير أنماط الحياة وربما تأتي على الأخضر واليابس من العادات المجتمعية البشرية المتعارف عليها عبر القرون.
على الجانب الآخر فقد مكنت تلك التقنية الاليكترونية من قدرة أوسع كثيرًا في عرض معالم الإسلام وقيمه وقواعده، وساعدت في نشر معانيه وتوصيف طرائقه في تناول الكون والحياة.
لكن خللًا ما قد حدث أثناء ذلك العباب من المعلومات والعوالم الافتراضية التي يعيشها الأفراد وبرزت كثير من الأفكار الهشة تارة والسلبية تارة والغالية تارة أخرى، واستطاعت أن تنمو في تلك البيئة سابقة الوصف، ما بذر مئات البذور من الغلو والتطرف والفكر المنحرف الذي دعم في أحيان ليست بالقليلة سلوكًا ضارًا بالأفراد والمجتمعات.
ونؤكد هنا على محورين:
أولًا: عملية الانحراف الغلو والتطرف وكيف تتم خطواتها فعليًا في الانترنت:
اتخذت تلك العملية مجموعة خطوات متتابعة ومتراكمة كونت في النهاية انتشارًا لمفاهيم الغلو والتطرف على الانترنت، ونستطيع تشبيه تلك العملية بما يحدث في داخل جسم الإنسان عندما يصاب بمرض شديد كمرض اللوكيميا لا تقوى خلاياه البيضاء على مقاومته في البداية لكونها غير مكتملة النمو، وتظل ترسل إلى المخ إشارات بضرورة تكوين خلايا للمقاومة فتتكاثر الخلايا غير كاملة النمو وعديمة الأثر حتى تصير ورمًا قد يقضي على الإنسان.
1- البداية: عندما وجد البعض فرصة فسيحة له للرد على ما يعتبره أخطاء قد يقرؤها على الشبكة من المصادر العالمية المختلفة، ومن ثم يرى من واجبه الذاتي الرد على هذه الأخطاء -التي تخالف قناعاته- بما يظن أنه سيوقف الفكرة وصاحبها ويمنع انتشارها ويقلل من قدرها.
2- الرد على الشبهات: ونقصد به هنا تلك الردود على شبهات قد يطرحها البعض من أصحاب الرؤى المخالفة للإسلام من الإلحاديين أو العلمانيين، أو كذلك ما قد يطرح من قليلي الثقافة الإسلامية أو حتى أصحاب الاختيارات المنفردة، ما يعتبره البعض دفاعًا عن الإسلام ومن ثم ينبري للرد عليها، وبالطبع يتطور الرد والرد الآخر والشبهة والأخرى، يساعد في إشعال الصراع وإذكاء الحمية أطراف مختلفة، تودي بالبعض إلى التعامل بغضب بالغ يظهر في استخدام الكلمات والتعبيرات الغير منضبطة شرعيًا أو ربما أدبيًا.
3- عدم تجانس الرؤية: فهناك جدليات قد حدثت بين أصحاب الاتجاهات المختلفة من حيث رؤيتهم لعالم الانترنت وكيفية التعامل معه، ففي حين رأى البعض أن الانترنت هو إحدى نتائج الحضارة في سياق عملية التحديث الفكري، بما يستلزمه ذلك من تعاط متوازن مع الفكر الآخر، ظلت شريحة واسعة تتعامل معه بمنظور المؤامرة إلى وقت قريب ومن ثم أولت كل منتجاته تأويلًا يلائم نظرية المؤامرة وتعاملت معها على اعتبار منتجاته محاولات تغريبية محضة وسهام موجهة لتضييع الهوية.
4- الصراع: بدأت نظرية الصراع في النشوء والانتشار على الانترنت، وهو صراع متعدد الأقطاب، فأحدها يتوسع فيراه فرصة وقناة يمكن الاستفادة منها عن طريق اختلاطها بالواقع بل واعتبرها وسيلة دعوية حسنة يمكن عن طريقها توصيل الأفكار الإسلامية البناءة للعالم بأسره، وآخرون حاولوا الاستفادة من منتجاته والتعامل معه مع الحذر الظاهر من الهويات المتغايرة ذات التأثير، ونوع ثالث تعامل مع الموقف على خلفية صراعية مع الغرب وأعداء الإسلام فغلب التشنج والحدة على رؤيته ونظرته.
5- التشابك: لقد حدث تلاق بين أصحاب أفكار الغلو في ذلك العالم الافتراضي وبين الواقع المحسوس، وتم تكوين علاقات نتج منها تلاقٍ في الأفكار تارة أو بث للأفكار من جانب لجانب تارة، وحدث ما يمكن أن نسميه التشابك والتعاضد بين أفراد الغلو في العالم الافتراضي وأفراده في الواقع الحياتي في ظل المتاح الواسع على شبكة الانترنت.
ثانيا : غياب الإطار المرجعي وأثره في الغلو والتطرف:
1- تقوم المنظومات الحركية عامة على محورية المرجعية الفكرية، فالعقل المدبر هو أساس الاجتماع وأساس تلاقي الأفكار وتواؤمها وإخراجها إلى حيز التطبيق وتعتمد الدعوة الإسلامية عامة على العلم الشرعي الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة.
2- يمثل العلماء في العمل الإسلامي الإطار المرجعي لتلك الخطوات العملية بشكل عام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » رواه أحمد وأبو داود والترمذي، فهم الذين ورثوا ميراث النبوة من العلم الذي تهتدي به الأمم وتستنير به طريقها وتستوضح به منهجها السوي المستقيم.
فالعلماء هم الذين يناط بهم الفهم الصحيح والتام لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة، وهم القادرون على توصيل تلك المفاهيم إلى الناس، فمن أخذ منهم العلم فقد أخذ بحظ وافر، ومن أهمل الأخذ بالعلم ظل متخبطًا في تيهه مهما جمع من علوم الثقافات المختلفة أو ألم بخبرات عملية متكاثرة في مناحي الحياة.
ومن ثم لزم الاتجاهات الإسلامية المختلفة أن تجعل لها منهجًا علميًا واضحًا بينًا متكاملًا يتربى أبناؤها من خلاله على مقدار من العلم يكفيهم في طريق دعوتهم، وأن يقوم بتعليم هذا المنهج وتدريسه والإشراف عليه أهل علم أثبات وعلماء ربانيون.
كذلك ينبغي للدعوات أن يكون لها مراجعها العلمية من أولئك العلماء الربانيين من أهل السنة والجماعة، والذين عرفتهم الأمة بعلمهم، وفضلهم، وصلاحهم، وبذلهم، وثباتهم، وحرصهم على خير أمتهم.
3- يرتبط المنهج الحركي في العمل الإسلامي بالمنهج العلمي والمرجعية العلمية ارتباطًا وثيقًا، ويعود إلى العلماء تحديد صحة الوسائل المستخدمة في الدعوة أو فسادها، وكذلك تقييم ضررها ونفعها وما يترتب عليها من مصلحة للأمة أو مفسدة (والعلماء في ذلك يحكمون على تلك الوسائل بطرق شرعية معتمدة وبعد استشارة ذوي الخبرة والفهم الواقعي وأهل الرأي والفهم في الشؤون المختلفة، ومن ثم يبنون حكمهم وفتاواهم).
ومن ثم صار الطريق الصائب في الحركة بالمنهج الشرعي هو الطريق الذي يتلقاه علماء الأمة بالقبول ويدلون على نفعه وصوابه.
وصارت الوسائل الحركية التي نقدها العلماء أو كرهوها أو بينوا خطأها أو حكموا بضررها على الأمة أو على الأفراد هي ما يجب اجتنابه أثناء التحرك بالدعوة لهذا الدين أو جلب نفع له أو دفع ضر عنه.
ومن ثم كانت قاعدة اعتبار المصالح والمفاسد في الفتاوى والأحكام الشرعية وغيرها من المسائل العملية في الشريعة قاعدة هامة للغاية في الحركة واتخاذ الوسائل الدعوية ومواقف الدفاع والمبادرة بشكل عام.
وقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذه القاعدة بقوله لعائشة رضي الله عنها: « » رواه البخاري، فبيَّن صلى الله عليه وسلم اعتبار المفسدة التي قد تحصل من قريش والقبائل المختلفة عند هدم الكعبة رغم وجود المصلحة الكبيرة التي يمكن أن تحصل عند هدمها وجعلها على قواعد إبراهيم وجعل لها بابان.
كذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين رغم ما في ذلك من مصلحة كبيرة متوقعة من تميز الصف وردع الناس عن النفاق، مخافة أن يشيع بين الناس أن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه فيخشى الناس من الإسلام ويتهربون منه وتكون مفسدة كبيرة من الإعراض عن الدين... إلى غير ذلك من الأدلة المتكاثرة على اعتبار تلك القاعدة.
4- ينبغي أن تحرص الحركات الإسلامية على توقير علمائها وأن تبث فيهم ضرورة الرؤية الشرعية في جميع الأعمال التي يقوم بها المسلم الصالح، وأن تحسن الظن بهم، وتطمئن إلى فتواهم وتوجيههم وحكمهم، خصوصًا إذا اتفقوا أو اتفق غالبهم على قول واحد أو على حكم واحد أو وجهة نظر واحدة، كما ينبغي ألا يتجرأ شباب حركة ما على علمائهم بتجريح أو تخطيء أو اتهام، مع اعتبار الآداب الشرعية التي ينبغي أن يعامل بها العلماء ويختلف معهم (والعلماء في ذلك يجب أن يكونوا قدوة صالحة ثابتة راسخة، وأن يبينوا للأمة ما خفي عنها، وأن يجلوا الحقائق، ويبينوا الصواب غير عابئين بمصالح شخصية وغير خائفين من تخويف الناس؛ لأن الأمة تقوم عن قولهم، وتستضيء بأقوالهم فيجب أن يكونوا أهلًا لتلك المكانة العالية).
5- من أغرب ما يراه المراقب لبعض الشباب أنهم قد يستفيدون من عالم ما استفادة كبيرة فيجلونه ويعظمون شأنه، ويرفعون قدر فتاواه على غيرها، ويأتمرون بأمره ويذكرون من فضائله الكثير والكثير، ثم إذا بهم يقلبون ذلك رأسًا على عقب إذا قضى بغير مراداتهم أو رأى غير رؤيتهم للوسائل المختلفة، أو حكم بغير ما تهواه نفوسهم، فيصير توقيره سخرية وتصير فتاواه أضعف الفتاوى من وجهة نظرهم، محتجين في ذلك برؤياهم الخاصة أو بقول طالب علم مبتدئ، أو عالم متفرد؛ لأنه وافق ميولهم، وكأن أهل العلم ينبغي أن يتخذوا فتاواهم من رغبات الشباب من حولهم أو أن يبنوا أحكامهم من خلال هوى المحيطين بهم.
وإنما وجب أن يظل توقير أهل العلم سلوكًا ثابتًا، وأن يظل احترام أقوالهم ورؤياهم باقيًا، حتى لو اختلف أهل العلم أنفسهم فيما بينهم على قصية ما، فما بالك في قضايا قد تجد فيها عشرات العلماء متفقين على رأي واحد وقول واحد.
ذكر ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلًا قد أسبل إزاره، فقال له: "ارفع إزارك"، فقال: وأنت يا ابن مسعود فارفع إزارك، فقال: "إن بساقي حموشة، وأنا أؤم الناس"، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فجعل يضرب الرجل، ويقول له: "أترد على ابن مسعود؟!"
ويبقى دومًا السؤال عن الفتوى في جواز السلوك من عدمه محورًا أساسيًا للحركة عند أبناء الاتجاهات الإسلامية المختلفة، وفي الوقت الذي نؤمن فيه بضرورة الفتوى وأهميتها الكبرى في بيان استقامة السلوك واختيار الحكم الشرعي في التعامل الحياتي، فإننا لا بد أن نعي أن جانبا آخر مكملًا للفتوى لا بد من الاهتمام به وهو جانب الوعي، فإن قلة الوعي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى سوء استخدام الفتوى أو وضعها في غير موضعها أو تنزيلها على عالم غير عالمها.
ومن هنا كان الاهتمام بعدة محاور هامة كدور للمواقع والصفحات الإسلامية في ذلك:
1- المعلوماتية: التي قد توسع الرؤية وتتيح قواعد الفهم، كما تتيح إمكانية الاطلاع على الرأي العلمي المختلف والمتفق، وتتيح كذلك عرض أسس البناء الفكري والمذهبي، فأصحاب القول الآخر ليسوا دوما جهلاء، وإنما منهم من له قدرة علمية حسنة وله قدرة اجتهادية تتيح له البناء عليها والاختيار بشرط وجود آلاته، كما أن اتاحة المعلومة المؤطرة الثابتة يمكنه أن يعرض رؤية أوضح للهدف على اختلاف طرائقه.
2- الواقعية: فقد نجحت بالفعل بعض المواقع والصفحات في مزج فكرة توصيف الواقع بفكرة توجيهه نحو إمكانية التعامل معه، فهي تعرض الأخبار بعض تنقيتها وتمحيص النافع منها للأمة الإسلامية وبيان الخبيث الضار، وهي تعرض تحليلات واقعية للحوادث المختلفة وفي ذات الوقت تحاول عرض الرؤية الإسلامية الصائبة للحدث وكيفية التعامل معه.
3- الانتشار والعالمية: فالإيمان بضرورة الانتشار والعالمية عكس جهدًا كبيرًا من المواقع والصفحات المختلفة لعرض رؤيتها بصورة كلية شاملة غير إقليمية ضيقة، كما حاول تناول شتى المشكلات العالمية مهما بعدت مادام كان لها اثر ما على الحالة الإسلامية أو الواقع المحيط، كذلك حاولت بعض المواقع والصفحات الخطاب باللغات العالمية المختلفة للتواصل مع القارئ بلغته الفعلية مع مراعاة الأعراف المختلفة.
4- ضبط الفوضى: فالعالم الافتراضي الذي يتيح للمرء التخفي وراء أسماء كاذبة أو منتحلة ويتيح تبني آراء موجهة أمكنه أن ينشئ ما يمكننا إطلاق لفظ الفوضى عليه بالفعل، بمعنى أن الوعي سابق الذكر مع افتقاده حمل على انفتاح سلبي على الحرية المتاحة، والتي قد تعدت حدود المسموح به دينًا وعرفًا وربما آدابًا في أحيان، خصوصًا مع نوع من تضييق قد عاشته بعض المجتمعات في جوانب متباينة من جوانب الحياة، ههنا قد بدأ تفطن بعض المواقع والصفحات إلى تقديم روزنمة من الرؤية والمنطلقات المنطقية التي تعتمد على المحتوى الإسلامي، كما بدأت في بيان الأهداف ذات المغزى من التعامل مع المناحي الحياتية المختلفة كالسلطة والحكم والعلاقات الإنسانية ومواقف الخلاف وقيمة المجتمعات وغيرها.
5- تطوير الرؤية: لقد احتاج القارئ إلى تحديد المدلولات وتعريف المواقف الجديدة تعريفا دقيقا، وفي هذا السياق بدأ الحديث عن الخطاب الإسلامي وتطويره، وقد استطاعت المواقع والصفحات الإسلامية عرض الفكرة من خلال محورين مهمين هما:
أولهما: إمكانية تطوير الخطاب الإسلامي في ظل اجتهاد مشروع.
وثانيهما: أن يكون تطوير هذا الخطاب في ظل الثوابت ولا يخل بالمبادئ والضوابط الراسخة سواء على المستوى العقدي أو الأصولي، ولدينا نموذج قد عرضه موقع المسلم في مقارنة بين نوعين من الخطاب هو خطاب الدكتور عبد الوهاب المسيري وخطاب الدكتور القرضاوي، حيث حاول موقع المسلم عرض الأسلوبين وتوقف عند بعض المحاور المهمة، ثم خرج بنقاط دقيقية حول الخطاب الإسلامي بضوابطه والدراسة منشورة بالموقع المشار إليه.
إن جوانب كثيرة من المشهد الإسلامي على الانترنت لم يغادر تناوله التقليدي ولا تزال بعض المواقع بالفعل تحتفظ بتلك التقليدية التي قد تبتعد بالقارئ عن الواقع التطبيقي المحيط به، فلا يزال هناك رفض لعملية الحوار بضوابطه وإمكاناته المشروعة والمتاحة ولا يزال هناك في بعض المواقع حظر على المخالف لمجرد مخالفته طريقة الموقع، ولست ههنا أدعو إلى الانفتاحية التي معها يذوب الصواب لكننا بالفعل رأينا نماذج متطورة من مواقع تتعامل من منطلقات الحوار واحتواء الرأي الآخر وبيان الصواب والخروج من خطاب منفرد إلى خطاب متبادل في ظل ضوابط محسوبة.
6- المحتوى أمام الكثافة: لقد مر وقت قريب زادت فيه أعداد المواقع الإسلامية والصفحات بصورة كبيرة وعلى الرغم من إيجابية ذلك على الانترنت إلا أن ذلك ربما كان في بعض الأحيان على حساب المحتوى الذي ظل يعبر عن وجهة نظر أحادية لأصحاب الغلو أو التكفير أو التطرف أو غيرهم، في وقت يحظرون فيه -كما سبق- أي نوع من مناقشة أو حوار أو تبادل للرأي على اعتبار احتكار الصواب، من هنا برزت محاولات رصينة اعتمدت تجمع القدرات والإمكانات حتى إذا انطلقت انطلقت من قدرة بنيوية قادرة على التحدي للمعروض العالمي واستطاعت أن تتيج تحليل الفكرة بالفعل وإتاحة الفرصة لتعديل الرؤى والقناعات، لقد احتفظت تلك المواقع والصفحات بقيمة العالم والشيخ والمتعلم وطالب العلم، لكنها أيضا فتحت المجال بقدرات واسعة نحو الحوار والمناقشة وتبادل السؤال والرأي وتعميق الفكرة وتوجيه القناعة.
7- الاهتمام بالتقنية: لقد صرفت التقنية الحديثة كثيرًا من مرتادي المواقع والصفحات الإسلامية نحو ما استطاع أن يوظفها بالفعل، وللأسف فإن الأكثرية من المواقع والصفحات التي تمتعت بتلك التقنيات الحديثة لم تكن تعرض رؤية متوازنة للفكرة الإسلامية الوسطية، وإنما كانت تحيد بها في أحيان كثيرة تارة نحو الانفلات الحر الليبرالي وتارة نحو الغلو الضاغط من خلال الإشعار بالقهر وسطوة العدو وضعف الإسلام، ويحتاج الموقف من التقنية إلى مساءلة جديدة على المستوى الفلسفي والعملي، فالتقنية غدت شكلًا من أشكال الواقع الذي يتداخل مع مناحي النشاط الإنساني المعرفي والإخباري والعلمي والاجتماعي والاتصالي والعاطفي والجنسي؛ مما ينذر بتحوله إلى بديل عن العالم الحقيقي، فلزم جودة استخدامه حتى لا تصبح الهوة سحيقة بين المستفيدين منها وغير المستفيدين.
8- إعادة صياغة التعريفات: لقد عانت الثقافة الإسلامية في وقت من الأوقات من مشكلات اصطلاحية معرفية
ومشكلات تعريفية لبعض المفردات الجديدة، ودفعت عالمية الانترنت إلى ظهور مفاهيم جديدة يتداخل فيها التقني مع الإنساني وصل لحد ابتكار لغات خطاب جديدة وحروف تكتب بها اللغة العربية ويتفاهم عن طريقها الشباب، مما يضغط باتجاه إعادة تعريفات المصطلحات الحادثة والمواقف الجديدة والعلاقات النابتة والمستخرجة من التفاعلات الجديدة تلك وتقويمها.
9- التفاعلية: فلم يعد شكل التلقي من العالم في المسجد أو من المعلم في المدرسة هو الشكل الأوحد للتلقي، بل فتح الانترنت والتكنولوجيا الاتصالية الحديثة أشكالًا جديدة استطاعت أفكار الغلو والانحراف من استغلالها بشكل سلبي كبير، فصار هناك إذا صح التعبير (الشيخ الافتراضي) وهو باختصار شخص مجهول قد يمثل مرجعية لاتجاهات الغلو تحت ستار التخفي وعدم الظهور، وحدثت عملية التلقي عبر تلك الوسائل الحديثة من الشيخ الافتراضي مبنية على قاعدتين هما (الجهل العلمي - الحماس) واستغلالًا للوصفين أمكن تجنيد وتغيير فكر الكثير من الأبناء والشباب نحو الانحراف، هاهنا برز دور إيجابي لمواقع وصفحات إسلامية في فتح باب التفاعلية وإمكانية التشابك العقلي الفكري، مطورًا شكل مركزية المعرفة إلى شكل آخر هو إتاحة الحوار للرأي الآخر.
خالد رُوشه
- التصنيف:
- المصدر: