لماذا لم يتجلَّى الله لنا؟

منذ 2014-04-28

سؤال يطرحه كل مُلحِد ولا شك أنه قد يخطر بذهن بعض المؤمنين.. لماذا لم يتجلَّى الله لنا؟ فلو تجلَّى الله لعباده لانتهى هذا الصراع الأزلي بين المؤمنين والمنكرين، وانتهت معه كل هذه الحروب والنزاعات والخصومات الدنيوية...

سؤال يطرحه كل مُلحِد ولا شك أنه قد يخطر بذهن بعض المؤمنين.. لماذا لم يتجلى الله لنا؟

فلو تجلى الله لعباده لانتهى هذا الصراع الأزلي بين المؤمنين والمنكرين، وانتهت معه كل هذه الحروب والنزاعات والخصومات الدنيوية.

ولا شك أن لله حكم قد بيّنه لنا وحكم لا يعلمه إلا هو، ولكن دعوني أتطرَّق إلى واحدة قد فصَّله الله لنا في كتابه الكريم.. حيث قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة:118].

مرةً أخرى يقول الله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

في الحقيقة أن الله قد تجلى لعباده وظهر إليهم، بل وتكلَّم معهم لكن من خلال آيته: {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ}.

فكل ما في هذا الكون من إعجاز هو في الأصل آيات بينات على وجود الله، بل وتأمُّلك في هذا السؤال وتقييمك له وتفكيرك فيه؛ هو في حد ذاته آية على وجود الله تعالى.

ولكن هنا يخرج علينا المُلحِدون ليصرخوا بأعلى أصواتهم: "لا.. لا تقولوا آياتٍ إلهية، فكم كذبتم علينا، واستهزئتم بعقولنا، وصوَّرتم لنا أن الله خالق كل شيء.. بل ويقف وراء كل شيء، ثم يتقدَّم العلم ليفصح لنا عن أسراره ومكنوناته، حتى علمنا أن الكون لا يحكمه إلا قوانين فيزيائية وتفاعلات كيمائية وإن كانت هناك قوى خفية فهي لا تتعدى الجاذبية".

فها هو فريدريك نيتشه يُعلِن: "أن العلم قد دفن الإله"!

وأما بنجامين دزرائيلي فيقول: "عندما يقف العلم يبدأ الدين"!

كما يقول بنجامين فرانكلن: "الطريق إلى الإيمان هو أن تُغلِق عينيك عن المنطق"!

وغيره العديد من الاتهامات.. ولا عجب فهذا هو جزء من الصراع والذي من أجله خلقنا.

والسؤال الذي أود أن أطرحه.. هل حقًا دفن العلم الإله كما يزعم المُلحِدون؟!

هلَّا تجوَّلنا مع بعض الاكتشافات العلمية لنرى أين يأخذنا العلم!

لقد تطور العلم في مجالات شتى تطورًا غير مسبوق ومنها التطور في العلوم الوراثية، وقد تبيَّن لنا أن الصفات الوراثية للإنسان تقع في شريط حمضي حلزوني الشكل وهو المُسمَّى بالـ DNA، والذي يحمل الصفات الوراثية الدقيقة للإنسان من لون البشرة، ولون العيون والشعر وصفاته وعدد شعراته، والأسنان وتركيبها وترتيبها، وشكل الوجه، واللسان وطوله وشكله وخصائصه الوراثية والتشريحية والوظائفية، والرأس والمخ والخلايا العصبية، وكل المعلومات التي تعرفها عن جسم الإنسان والتي تُدرَّس بالتفصيل في كليات الطب ومراكز البحوث، كل هذه الصفات تُكتَب بشفرة من أربعة حروف (A,G,T,C) فقط..

والأعجب من هذا أن طول DNA في الخلية الواحدة يبلغ 2 متر.. أي أن مجموع طوله لخلايا الجسم الواحد يصل من الأرض إلى الشمس عدة مرات، ومع كل هذا الطول؛ أي خطأ في حرف واحد شفري في هذا السجل يظهر على شكل عيب خلقي أو مرض وراثي، أو سرطان يظهر فجأة في أحد أعضاء أو أنسجة الجسم كما تحتوي أجسامنا على 1,200 جم من الـ DNA ويحمل الجرام الواحد من الـ DNA معلومات تساوي مليون مليون قرص مضغوط CD!

والسؤال هو من كتب هذه الشفرة؟ ومن حوَّل هذه الشفرة إلى كائن حي؟ ومن يستطيع أن يخلق هذا النظام شديد التعقيد في هذة الخلية الواحدة؟!

والسؤال الأدهى والأهم هو: هل ساقنا العلم إلى الإلحاد أم إلى مزيدٍ من الإيمان؟!

لقد كشف لنا العلماء على أن للكون بداية تبعد عنَّا 13,7 بليون سنة.. حيث بدأ هذا الكون من نقطة متناهية الصغر حجمها صفر، ثم كان الانفجار الأعظم "البيج بانج" كما أطلق عليه العلماء، حيث تمدَّد الكون بسرعة تفوق سرعة الضوء مليار مليار مرة، وكانت هذه السرعة مضبوطة بإحكام حيث لا تؤدي إلى تبعثر مكونات الكون كما لا تؤدي إلى انهياره على نفسه.. ثم بدأ الكون بالتمدُّد من هذه النقطة لنرصد الآن ما حولنا من بلايين المجرات والنجوم والكواكب، والطاقة والقوانين الفيزيائية والكيمائية والبيولوجية وقوى الجاذبية.. في هذا الكون المعجز في قوانينه وأحجامه ونظامه وآلياته.

والسؤال هو: من أحدث هذه النقطة والتي انفجر منه الكون برُمَّتِه؟ وكيف يمكن لانفجار عشوائي لا يوجد ورائه مُصمِّمٌ مُبدِع أن يخلق لنا هذا النظام والقوانين التي تُنظِّم حياة الكون والبشر بدقة متناهية؟!

والسؤال الأدهى والأهم هو: هل ساقنا العلم إلى الإلحاد أم إلى مزيد من الإيمان؟!

أعود لأُكرِّر الآية على أذهانكم مرةً أخرى {قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، كما قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:53].

والحقيقة أن الله قد أعطانا الآيات البينات وخلق لنا عقولًا مُبهِرة.. لسنتدل بها عليه، ثم أعطانا الحرية والإرادة الحرة سواءً لنؤمِن به أو نكفُر، فلو تجلَّى الله لعباده إذًا لفقدت كل هذه النعم جوهرها، بل ولفتقدت الحياة كلها الحكمة التي من أجلها خلقنا!

 

تامر تيسير

 

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام