مناهجنا بين التطوير والتغريب - (1) مقدمة - المناهج في أمريكا

منذ 2014-04-29

الغرض من هذا المحور، بيان المنطلقات والأسس التي تقوم عليها، ففي الوقت الذي تطالب فيه الدول الإسلامية بتغيير مناهجها، نبين كيف أن مناهجهم جاءت محققة لمعتقداتهم ومنطلقاتهم الفكرية، وهذا فيه رد عملي عليهم وعلى أذنابهم من المستغربين...

مدخل:
المنهج الدراسي – في أي بلد – يقوم على أسس ومنطلقات عقدية وفكرية واجتماعية يؤمن بها ذلك البلد، وتلك الأسس والمنطلقات هي ما يؤمن به المجتمع ويعتقده، لذا فلا بد أن يكون المنهج صادقاً في تمثلها وتحقيقها، لأنه من أهم الوسائل في تحديد شخصية المجتمع وكل فرد ينتمي إليه.

وتخطيط المنهج التعليمي يُعنى بتحقيق الأهداف التربوية التي تنطلق من عقيدة الأمة، ويتطلع المجتمع إلى تحقيقها، وهذا يعني تحديد نوعية التربية التي يريدها.

ولذا فلا غرابة أن يقول أحد التربويون: إن التدخل في مناهج أي دولة يعادل التعدي على حدودها وسيادتها، لأن ذلك يعني التدخل في تغيير الهوية والخصوصية.

وهو صادق في ذلك، فالقبول بتغيير المناهج تحت مسمى التطوير بمواصفات غربية، يعني القبول بطمس هوية الأمة، وانتهاك عقيدتها، وتغريب أجيالها.

وفي الوقت الذي تشتد مواجهة أمريكا للأمة الإسلامية في اعتداء شامل، وتطالب الدول الإسلامية بتغيير المناهج، نجد الهجمة الداخلية عليها تشتد من الكتاب الوطنيين لدينا، ويتصاعد نقدهم لها في هذه الأيام، خصوصاً مع أحداث تفجيرات الرياض، بحيث تتهم المناهج بتخريج الإرهابيين والمتطرفين. وأمام تلك المؤامرات التي تدبر لمناهجنا، يطرح الموقع قضية المناهج في ضوء المحاور التالية:

أولاً: البعد الديني للمناهج في الدول الغربية والشرقية:
والغرض من هذا المحور، بيان المنطلقات والأسس التي تقوم عليها، ففي الوقت الذي تطالب فيه الدول الإسلامية بتغيير مناهجها، نبين كيف أن مناهجهم جاءت محققة لمعتقداتهم ومنطلقاتهم الفكرية، وهذا فيه رد عملي عليهم وعلى أذنابهم من المستغربين.

ثانياً: ما يراد بمناهجنا:
نكشف حقيقة ما يكاد لمناهجنا من الداخل والخارج.

ثالثاً: ما نريده في مناهجنا:
نبين فيه ما نريد أن تكون عليه مناهج العلوم الشرعية بصفة خاصة، والمناهج الأخرى بصفة عامة. ونأمل من الأخوة القراء مشاركتنا بالتعليق على هذا المحور، وإرسال المشاركات والاقتراحات للمشرف على النافذة.

أولاً: البعد الديني للمناهج الغربية والشرقية
قامت كلية التربية في جامعة الملك سعود بتنظيم ندوة: بناء المناهج " الأسس والمنطلقات"، وحلل الباحثون مناهج ( 13 ) دولة في ( 5 ) قارات من العالم، للكشف عن مدى تضمنها لمعتقداتهم وقيمهم،

وكانت تؤكد الحقائق التالية:
1 ) أن كل دولة كانت تبني مناهجها بما يعزز منطلقاتها العقدية والفكرية والاجتماعية، فهي مرآة لما تريد أن تربي عليه أبناءها.
2 ) أن كل دولة كانت تعتمد اعتماداً كاملاً على مصادرها الأصيلة في جميع المقررات والكتب، وليس المقررات والكتب الأدبية والاجتماعية فقط.
3 ) أن كل دولة كانت تبني نظرتها للآخرين في مناهجها، وتربي طلابها على ذلك في ضوء منطلقاتها ومعتقداتها، من خلال مصادرها هي، والتي نعرف جميعاً أنها محرفة.
4 ) أن مناهج بعض الدول كانت تتضمن روحاً عدائية صريحة ضد المسلمين، وتتعمد تزييف الحقائق عن المسلمين تاريخياً وواقعياً، وخاصة المناهج الأمريكية والبريطانية واليهودية، في الوقت الذي تتهم مناهج المسلمين بذلك.
5 ) أن المناهج الأمريكية والبريطانية واليهودية تربي طلابها على الإرهاب والاستعلاء على الآخرين.


وما تضمنته مناهجهم فيه أبلغ الرد عليهم من جهة، وعلى المستغربين من أبناء جلدتنا من جهة أخرى.وهذا ما توضحه نتائج البحوث التي نقوم بعرضها في المحور الأول، حيث سنختار منها البحوث التي تناولت مناهج الدول التالية:
1 ) المناهج الأمريكية. 4 ) المناهج الفرنسية.
2 ) المناهج البريطانية. 5 ) المناهج الفلبينية.
3 ) المناهج الأسترالية. 6 ) المناهج اليهودية.

المناهج في أمريكا

أولاً: الكتاب الأول: بحث الصراع العربي الإسرائيلي في المناهج الأمريكية: د. راشد بن حسين العبد الكريم

وصف الكتاب:

عنوان الكتاب: تاريخ العالم: علاقات بالحاضر.

البلد الذي يدرس فيه: الولايات المتحدة الأمريكية.

المؤلف: إليزا بيث جينور إليس، و أنثوني إسلر (مع استشارات مهمة من بيرتون بيرز).

راجع المادة العلمية عشرون متخصصا. وتوجد أسماؤهم في بداية الكتاب.

الناشر: برنتس هول (الولايات المتحدة الأمريكية).

تاريخ النشر: 1999.

المرحلة الدراسية: المرحلة الثانوية.

عدد أجزاء الكتاب: الكتاب جزء واحد.

عدد صفحات الكتاب: 1070صفحة من القطع الكبير.

منهج الكتاب:
1 ) تقديم المعلومات كان فيه الكثير من الانتقائية، ولذلك كان هناك تفاوت كبير في حجم المادة المقدمة من موضوع إلى موضوع.
2 ) الكتاب سلك مسلكا ينبئ عن الرغبة في تأصيل النظرة الأمريكية لبعض القضايا.

نماذج من مضمون الكتاب:

أولاً: تأريخ العبرانيين (اليهود):
حظى تاريخ اليهود بمساحة كبيرة من الكتاب وشيء كثير من التفصيل، فقد خصص المؤلفان القسم الخامس من الفصل الثاني (الحضارات الأولى) للحديث عن ما أسماه (عالم العبرانيين). وفيه تكلم بشيء من التفصيل عن نشأة العبرانيين وأنهم كانوا يعيشون في صحراء ما بين النهرين Mesopotamia بدوا رحلا، ثم انتقلوا إلى أرض الكنعانيين -عرفت فيما بعد باسم فلسطين- حوالي عام 2000 قبل الميلاد،

وبعد أن أمحلت أرض فلسطين هاجروا إلى مصر، حيث صاروا مستعبدين لدى المصريين (ص 43)، إلى أن ظهر موسى عليه السلام وقادهم للخروج، حيث تاهوا في سيناء أربعين سنة. وبعد وفاة موسى دخلوا أرض فلسطين وحاربوا أهلها قائلين إن الله قد وعدهم إياها. ثم يذكر الكتاب انقسام اليهود بعد سليمان عليه السلام إلى (إسرائيل) و(يهودا). وبعد ذلك تعرضوا لغزوات خارجية انتهت بالسبي البابلي على يد بختنصر، ثم عادو بعد هزيمة البابليين من الفرس.


يذكر الكتاب أيضا أن اليهود قبل ألفي سنة تقريبا اضطروا للخروج والتفرق في الأرض أو الشتات (diaspora) حيث عاشوا أوزاعا متفرقين.

تتبع المؤلفان نشأة بني إسرائيل في القديم ولم يفعلا ذلك مع المسلمين (أو العرب) رغم أن المسلمين (والعرب) أكثر عددا وأعمق أثرا في التاريخ وبالذات التاريخ المعاصر، وحضاراتهم هي الحضارة المؤهلة للصمود في وجه الحضارة الغربية. وللباحث أن يتساءل لماذا هذا التركيز في كتاب يوجه إلى طلاب المرحلة الثانوية على تتبع تاريخ اليهود وبيان ما تعرضوا له عبر التاريخ، بالرغم من أكثر تفاصيل ذلك التاريخ ليس له مصادر موثوقة.


يذكر الكتاب أن الديانة اليهودية من الديانات الرئيسة في العالم للأثر الذي تركته في النصرانية وفي الإسلام (ص 45). وهذه شبهة يطرحها بقوة كثير من المستشرقين، حيث يرون أن التشريع الإسلامي تأثر بالشريعة اليهودية، ويحاولون تصوير الإسلام على أنه ديانة قام محمد صلى الله عليه وسلم باقتباسها من اليهودية والنصرانية.


كما أنه تكلم عنهم (ص 144) بشيء من التفصيل أيضا في القسم الرابع (نشأة النصرانية) من الفصل السادس (روما القديمة ونشأة النصرانية) حيث أشار إلى استيلاء الرومان على القدس وكان اليهود يسكنون بها، وما تلا ذلك من ثورة لليهود أدت إلى طردهم منها فيما يسمى الشتات.


ومن ما يظهر حرص المؤلفين على التفصيل فيما يتعلق بالدولة اليهودية أنه لم يفت المؤلفين أن يشيرا إلى أن مجموعة من الإثيوبيين اعتنقوا اليهودية، وهم يهود الفلاشا، وتم ترحيلهم فيما بعد لإسرائيل (ص 45).


ويلاحظ أن الكتاب في سياقه للتفصيل في تاريخ اليهود كان يظهر جلياً حرص المؤلفين على بيان ما تعرض له اليهود من شدائد على مر التأريخ، مما قد يكون شاركهم في مثله كثير من الشعوب. فالكتاب يذكر ما تعرض له اليهود على يد الرومان، مع أنهم لم ينفردوا بهذا، وما تعرضوا له على يد البابليين، وما تعرضوا له على يد النازيين، وما لاقوه من الفلسطينيين.

مقابل هذا التفصيل في تاريخ اليهود ليس هناك شيء يذكر عن تاريخ الفلسطينيين أو العرب، وغالب ما ذكره الكتاب عنه إنما هو فيما يكون فيه الغرب طرفا في الموضوع. ومع أن الكتاب ذكر أن اليهود هاجروا إلى أرض كنعان (فلسطين) لم يذكر شيئا عن الكنعانيين، مع أن هذا ضروري لتتبع أصول الصراع العربي الإسرائيلي وله أثر كبير على دعوى اليهود بالحق التاريخي في أرض فلسطين.

هذه أمور مهمة سكت عنها الكتاب ولم يوردها على ما يحتمه المنهج الموضوعي في عرض الحقائق التاريخية، مما يؤكد سعي الكتاب إلى إيصال وجهة نظر معينة إلى أذهان الطلاب وإقناعهم بها، وهي أن نشوء إسرائيل كان أمراً طبيعياً إثر هجرة طبيعية لأرض غير مأهولة يسندها حق تاريخي وديني في تلك الأرض، حتمها الاضطهاد الذي تعرض له اليهود على مر التأريخ.


ثانياً: ربط الإرهاب بالفلسطينيين وإبعاده عن الإسرائيليين:
في سعي واضح لاستدرار عطف الطلاب نحو إسرائيل وإظهارها بمظهر الكيان المسالم الذي يعاني من ظلم الآخرين، أشار الكتاب إلى أن إسرائيل كانت مركزا للهجمات الإرهابية (ص 916)، وذكر عددا من الأمثلة لأعمال الفدائيين الفلسطينيين، مثل قتل الرياضيين الإسرائيليين في الألعاب الأولمبية عام 1972، كذلك ذكر ( ص 916 ) أنه بين الحروب التي خاضتها إسرائيل مع العرب من 1956 إلى عام 1973 كانت إسرائيل هدفا للأنشطة الإرهابية.

لكنه لم يذكر البتة أياً من أعمال إسرائيل الإرهابية والوحشية ضد الفلسطينيين، أو ضد البريطانيين قبل قيام دولة إسرائيل.

بل إن الكتاب ـ إمعانا في إعطاء الصورة الإيجابية عن إسرائيل ـ يصف اعتداء إسرائيل على أراض عربية بأنه "كسب للأرض"، حيث يقول ( ص 917 ) "إن إسرائيل كسبت عام 1967 مرتفعات الجولان من سوريا والقدس الشرقية والضفة الغربية من الأردن..."، ويكرر هذه الكلمة مرة أخرى عند حديثه عن أن قسماً من الإسرائيليين يرى أن تحتفظ إسرائيل بالأرض التي "كسبتها" ولا تعيدها للعرب. فهو هنا يتحاشا استخدام كلمة "احتلتها" مع أنها هي التي تصور الواقع تماما.


وفي (ص 782 ) أثناء حديثه عن النظام النازي في ألمانيا أسهب في الحديث عن الاضطهاد الذي حصل لليهود فيها، كما تحدث بالتفصيل عن حادثة الهولوكوست في صفحة 799 أثناء حديثه عن الحرب العالمية الثانية. وكأنه بهذا يصور أن ما يتعرض له اليهود في فلسطين هو امتداد لهذا، وأن بقاء اليهود في فلسطين مبرر.


وفي صفحة ( 747 ) تحت عنوان "العناء المر" أشار إلى أن موجة "معاداة السامية في ألمانيا وأوربا الشرقية أجبرت الكثير من اليهود للبحث عن الأمان في فلسطين". ثم يضيف ممجدا أنه "بالرغم من الصعوبات الكبيرة فإنهم (أي اليهود) أنشئوا المصانع وبنوا مدنا جديدة وحولوا الصحراء القاحلة إلى مزارع". دون الإشارة إلى ما سببه أولئك "الذين جاءوا بحثا عن الأمن" من ضرر لأصحاب الأرض الأصليين ومن جاورهم.


وأشار الكتاب إلى عدم رضا منظمة حماس عن مسلك عرفات مع إسرائيل، ونعت حماس بالجماعة الراديكالية، وذكر أنها ابتدأت هجمات على إسرائيل. ولم يتعرض إلى موقف المتطرفين من اليهود، ـ وهو في الواقع موقف الدولة الصهيونية وإن اختلفت أساليبها ـ القاضي بالاحتفاظ بالأرض وعدم إعطاء الفلسطينيين حق إقامة دولة مستقلة.

وعندما أشار إشارة عابرة إلى موقف المتطرفين اليهود وانتقادهم لرئيس وزرائهم رابين علل تشددهم ذلك بأنهم لا يثقون بعرفات الذي سعى لتدمير إسرائيل.

وعبر عن ذلك بأنهم "نقدوا محادثات السلام نقدا لاذعا" BITTERLY CRITICISED (ص 918) مع أنه ذكر أن الأمر تطور إلى قتل رابين! ومع ذلك لم يستخدم كلمة "راديكاليين" أو "إرهابيين" مع اليهود.


وفي الجملة، فالكتاب يصور اليهود على أنهم أصحاب حق تاريخي وإلهي في أرض فلسطين، ويطرح الأمر على أنه مسلمة غير قابلة للجدال. وبرغم أنه يصور ما يقوم به الفلسطينيون من أعمال حرب على أنه محاولة لنيل الاستقلال، إلا أنه لا يتردد في وصفه بأنه أعمال إرهابية ضد دولة قائمة تسعى للسلام ولها حق البقاء.


ثالثاً: اعتماده على "الكتاب المقدس"!:
أكثرَ الكتاب من ذكر النقول الدينية التوراتية التي تعطي لليهود الحق في الأرض الموعودة، أرض فلسطين، مستغلا في ذلك، فيما يظهر، خلفيات الطلاب التي هي في الغالب يهودية نصرانية Judi-Christian. مع أن المعتقدات الدينية لأمة من الأمم ليست هي الفيصل في الحكم بين الأمم.


افتتح هذا القسم ص ( 916 ) (الشرق الأوسط والعالم) بنص من التوراة، حاكيا له عن بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي. يقول النص:
"إن الأرض التي عدنا لنرثها، هي ميراث آبائنا وليس لغريب فيها شيء البتة،... فلقد أخذنا ميراث آبائنا وسكنا فيه".

من خلال تحليل لما يتعلق بهذه القضية يتبين أن الكتاب سعى لإيصال الرسائل التالية بشكل غير مباشر:
اليهود أصحاب حق تاريخي وإلهي بنص التوراة في فلسطين، وسعى لذلك من خلال نقل النصوص الدينية ومن خلال ذكر تاريخهم في تلك الأرض.

عانى اليهود على مدى التاريخ من اضطهاد الآخرين لهم، دون مبرر، وسعى لذلك بتفصيل وتضخيم الأحداث التي وقعت لليهود عبر التأريخ.

كان نشوء إسرائيل طبيعيا بعد الحرب العالمية الثانية، في أرض هي في الأصل أرض آبائهم.


عانت إسرائيل، الدولة المسالمة، من حروب العرب وانتصرت فيها جميعا، كما عانت من إرهاب الفلسطينيين، وذلك من خلال ذكر أمثلة محددة لأعمال عنف ضد الإسرائيليين دون ذكر أي مثال على أعمال اليهود الإرهابية، سواء قبل قيام "دولة" إسرائيل أم بعده.


وقد استغل الكتاب لإيصال هذه المجال المعرفي، فكان انتقائيا في تقديم معلومات وإخفاء أخرى، مع عدم مراعاة التوازن في كل موضوع، كما استغل أيضا المجال الوجداني وذلك من طريقين:

1. بانتقاء الكلمات المستخدمة مع كل من الجانبين بحيث توصل معاني ذات دلالة، مثل استخدام كلمة "كسب" مع الجانب الإسرائيلي، وكلمة "راديكالي" أو "إرهابية" مع الجانب الفلسطيني
2. انتقاء المواقف التاريخية التي تثير التعاطف مع الجانب الإسرائيلي وإغفال ذلك تماما مع الجانب الفلسطيني.

ويلاحظ أن هذه الرسائل وما تحمله من معانٍ تتسق تماما مع الموقف الرسمي للسياسة الأمريكية من هذه القضية.
والجدول في الرابط التالي يلخص طريقة تقديم المعلومات في عدد من الموضوعات الرئيسية:
جدول يلخص تغطية الموضوعات فيما يخص الجانبين

http://up.7cc.com/upfiles/JHE32592.bmp



ثانياً: الكتاب الثاني:

دراسة تحليلية لكتاب التاريخ الأمريكي " في المرحلة الثانوية في ولاية فرجينا ": د. عبد الله بن عبد العزيز الموسى

وصف الكتاب:

عنوان الكتاب وعنوان هذا الكتاب هو (American History: the easy way) ويعني تاريخ أمريكا الطريقة الأسهل.

البلد الذي يدرس فيه الكتاب: أمريكا، ولاية فريجينيا.

مؤلف الكتاب هو William O. Kellogg ويعمل معلما في مدرسة سانت بول في ولاية نيو هامبشر.

الناشر: Barron's Educational Series, Inc

تاريخ النشر: 1991م للطعبة الأولى أما الطبعة الثانية – التي سوف يتم تحليلها- فنشرت في عام 1995.

المرحلة الدراسية التي يدرس فيها الكتاب: المرحلة الثانوية High School.

الكتاب كبير الحجم، وعدد صفحاته ( 438 ) أربعمائة وثمان وثلاثون صفحة.

نماذج من محتوى الكتاب:

الفصل الخامس فقد تناول الفترة من 1801- 1850 و التي تم فيها تقسيم أمريكا إلى ولايات وقد ظهر في هذه الفترة المعتقد الديني وهو أن التقسيم كان بإرادة الله، وأن الله اختار أمتنا لكي تلعب دوراً في التاريخ.

كما يتضح في هذا الفصل تمجيد لبعض الشخصيات التي كان لها أثر من التاريخ الأمريكي. من جهة أخرى ركز هذا الفصل على موضوع الحروب الداخلية وأنه كان سبب رئيس في تقسيم الولايات الأمريكية إلى ولايات.


والفصل الثامن فقد تناول الكتاب التغيرات الاجتماعية للحياة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدأت تتشكل منذ عام 1865-1914 م.

وقد تناول المؤلف في هذا الفصل نظرية دارون وأنه كان لها أثر كبير في المجتمع، كما تحدث عن عصر الصناعة التجارة في هذه الفترة، كما تناول الكاتب الهجرة إلى الولايات المتحدة من البلاد الأخرى وخاصة التي مرت في ظروف اقتصادية.

كما تناول هذا الفصل الحريات الخاصة بالمرأة والإعلام، كما تناول الكتاب الانتقال من حياة القرى إلى حياة المدن. من جهة أخرى فقد أكد هذا الفصل تأثر المجتمع بنظرية دارون في تلك الفترة.


والفصل العاشر فقد خُصص عن الحرب العالمية الأولى وموقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الحرب. وقد تحدث هذا الفصل عن تمجيد واضح لدور الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب وأنها حاولت الدخول في هذه الحرب من مبدأ إنقاذ الشعوب من الظلم والطغيان وكذلك نشر الحرية والسلام والديموقراطية.


القيم و المبادىء والمفاهيم التي ركز عليها الكتاب:
المتتبع لعرض الكتاب يجد أن المؤلف يقوم بعرض المحتوى وتفسيره تفسيراً و عرضاً إيجابياً لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، فمثلاً دخول أمريكا للحرب العالمية الأولى والثانية كان من أجل إنقاذ الشعوب المظلومة وبسط الحرية والديموقراطية، ولم يتحدث المؤلف والأسباب والعوامل الخفية مثل العوامل السياسية والاقتصادية التي تجعل أمريكا تشارك في هذه الحروب، ولذا فقد جاء محتوى النص مفسراً تفسيراً إيجابيا مطلقاً لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.


ويلاحظ أن الشخصية التي يدور عليها الموضوع هي شخصية تاريخية وتمجيد للفرد الأمريكي، حيث يركز الكتاب في نهاية الكتاب على بعض الأشخاص الذين كان لهم دور بارز في تلك الفترة.


أما أهم القيم والمبادىء والمفاهيم التي وردت في الكتاب فهي مايلي:

أولاً: التمجيد للشعب الأمريكي:
من خلال قراءة الكتاب يتضح في أن هناك بروز لمفهوم الأنا الأمريكي وتمجيده في كل فصل دراسي وأن هناك أباطرة وأشخاص أمريكان صنعوا التاريخ الأمريكي وساهموا في بناء حضارته مع تجاهل واضح لمن شاركهم في صنع تلك الحضارة وخاصة الأوربيين وبعض الآسيويين الذين هاجروا إلى تلك البلاد.

كما يلاحظ أن هناك إلغاء لبعض الحقائق التاريخية حيث يقرر الكتاب أن أمريكا لم تكتشف من قبل كريستوفر كولومبس بل أن الشعب الأمريكي موجود منذ أكثر من ( 5000 ) سنة دون الاستناد على أي مصدر تاريخي.


ثانياً: مفهوم الهوية وتشكيلها:
يلمس قارىء الكتاب أن هناك بروز روائح لمفهوم ( الأنا الأمريكية) وتمجيد القادة والعظماء الذين كان لهم اليد الطولى في صنع تلك الحضارة، وهذا لاشك سوف يساهم في تعزيز الهوية الإيجابية لدى الطلاب وبالتالي فقد يكون الشعور بالقوة وعدم القهر والقدرة على تحقيق أي شيء ذا أثر سلبي على الطلاب، لاسيما عندما يتم ربط هذا بعدم ذكر من ساهم في صناعة هذا المجد الأمريكي وأن هذه الحضارة بُنيت بأيدي أمريكية.


ثالثاً: الدين
تناول الباحث الدين كأحد العوامل التي ساهمت في توطين المجتمع الأمريكي، إلا أن هذا العرض للدين كان من جهة واحدة وهو الدين النصراني وجاء ذكر الكنيسة في أكثر من مرة ولم يتحدث الكاتب عن الأديان ومقارنتها أو على الأقل  ذكرها، بل إن الدين الإسلامي لم يذكره الكاتب إلا مرة أو مرتين وتم عرضة بطريقة هامشية، حيث جاء ذكر الدين الإسلامي في موضع واحد وهو عندما ذكر الكاتب ( مالكومكس ) قال أنه جاء بطريقة جديدة للأفارقة الأمريكان ولم يتحدث عن الدين الإسلامي كدين إلهي فمثلا عنون لهذا الموضوع (Black Muslims) وكأن الدين خاص بالسود فقط،

وعندما تحدث عن الموضوع قال بنص الحرف الواحد ( Malcolom X presents a new approach to gaining equality for African Americans)) وهذا لاشك تحيز واضح للديانات الأخرى وتهميش للدين الإسلامي. كما نلاحظ أن الكاتب تناول دور الكنيسة في إصلاح المجتمع الأمريكي وحثه على القيم والأخلاق وأن لها دور واضح في تحديد ملامح وتوجهات الشعب الأمريكي.


رابعاً: ثقافة الحرب في مقابل السلام:
يلاحظ في هذا الكتاب شيوع ثقافة الحرب مقابل السلام، ويتضح هذا من خلال استخدام العبارات: حرب، غزو، فتح، معركة، هجوم، نزاع، مقاومة، قوة، قتل، الطغيان، نصر، هزيمة، تحكم، سيطرة، قمع،..الخ. حيث يشير الكاتب إلى هذه الكلمات في جميع الفصول التي تناولها الكتاب وأن لها دور واضح في التاريخ الأمريكي، وهذه المصطلحات تؤكد لدى الناشئة أن هذا المجد وهذا التاريخ الأمريكي لم يتكون بسهولة بل أن هناك حروب دامية كانت وراء هذا المجد بدأت بمقاومة القادمين من أوربا والمحتلين لهذه البلاد في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي.

كما أن الحروب استمرت في القرن التاسع عشر الميلادي وخاصة الحروب الداخلية بين الولايات، مروراً بالحرب العالمية الأولى والثانية، وأن ما تحقق للولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بسهولة بل بسيل من الدماء كما عبر عنه الكاتب، وهذا العرض لا شك يؤثر على الناشئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وخاصة عندما يشعر أنه لامانع من سفك الدماء من أجل الحفاظ على هذه الأمة الأمريكية.


خامساً: الرأسمالية:
من خلال فصول الكتاب يتضح بما يدع مجالا للشك أن هناك دعوة دائمة إلى الرأسمالية والتركيز عليها، وترسيخ فكرة أن رأس المال هو الأساس وهو عصب الحياة، وأنه لا مانع من سفك الدماء وخداع الآخرين في سبيل تحقيق مصالح ومكاسب مادية، كما نلاحظ أن التنظيمات المالية والإدارية التي تتم بين الفينة والأخرى تهتم بالإصلاح الاقتصادي والمالي.


سادساً: المركزية:
ركز المؤلف على مفهوم السلطة المركزية، وذكر أن الإصلاحات التي تمت كانت عن طريق الحكومة الفيدرالية وأنها مصدر القرارات كما تناول الكاتب أن تأسيس المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية للفصل في القضايا التي كانت بين الولايات، وأنها المرجعية الأولى في ذلك.

من جهة أخرى تم استخدام الدين في تأكيد المركزية ويظهر هذا جليا في قضية تقسيم الولايات وأن هذا كان بإرادة الله وأنه اختار لهذه الولايات أن تكون كذلك.


سابعاً: السياسة:
مفهوم السياسة اتضح جليا في هذا الكتاب وركز علية المؤلف باعتبار أن دراسة التاريخ هي في الأصل دراسة سياسية، فالهدف من دراسة الماضي هو أخذ العبر والدروس، والهدف من دراسة الحاضر هو التنبؤ للمستقبل والتخطيط له في ضوء معطيات العصر الحاضر.

والمتتبع لهذا لكتاب يجد أن المؤلف بالغ في الجانب السياسي وتم تفسير الأحداث التي تمت من وجهة نظر سياسية فالحروب الداخلية وسفك الدماء والقمع الذي تم لبعض الشعوب والقبائل كله في سبيل رقي المجتمع وتطهيره من المتسلطين الأجانب إن صح التعبير.

من جهة أخرى نجد أن بعض رجال الدين حاول تبرير استعباد الناس من فلاحين وغيرهم إلى أن الله تعالى خلقهم ليكونوا كذلك, فهم سيظلون عبيداً وفقراء. لذا فإن معظم المفردات السياسية التي وردت في هذه المرحلة تدور في إطار: الظلم, والقمع, والعبودية، والمحاولة لتبرير ذلك بأن الدخول في تلك الحروب هو من أجل أن يعم السلام سواءً على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية أو على مستوى العالم وخاصة عند ذكر المبررات التي قادت أمريكا للدخول في الحروب العالمية الأولى والثانية.

 

 
المقال التالي
(2) المناهج الفرنسية