المحبة في الله

منذ 2014-04-29

تتمثل المحبة في الله بأناسٍ نحبهم لقربهم من الله فهي، تزيد كلما ازداد قربًا من الله فيما يظهر لنا، وعلى رأس هؤلاء سادات الأولياء، وهم النبيون والمرسلون صلى الله عليهم وسلم، وكذا الملائكة المقربون ثم يأتي الناس بعدهم كل بحسب استقامته على دين الله...

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد:

فإني أحبكم في الله.. نعم أحب جميع المسلمين وأرى حبهم قربة أتقرَّب بها إلى بارئي جل في علاه، وانقيادًا مع قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55].

ومن مقتضيات التولي المحبة والود وقد جاء في الحديث: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (أخرجه مسلم).

وإن المحبة في الله ولله علامة من أهم علامات الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما، سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله..» (أخرجه البخاري ومسلم).

وتتمثل المحبة في الله بأناسٍ نحبهم لقربهم من الله فهي، تزيد كلما ازداد قربًا من الله فيما يظهر لنا، وعلى رأس هؤلاء سادات الأولياء، وهم النبيون والمرسلون صلى الله عليهم وسلم، وكذا الملائكة المقربون ثم يأتي الناس بعدهم كل بحسب استقامته على دين الله.

فالحب في الله:
لا يزيده البر ولا ينقصه الجفاء..
ولا يزيده الحزب ولا ينقصه عدمه..
ولا يزيده الرحم ولا ينقصه البُعد..

والمحبة في الله قسمان: عامة وخاصة.

أما العامة: فهي تشمل جميع المسلمين وهي التي بدأت بها مقالتي.

وأما الخاصة: فهي ما أريد الحديث عنه وهي التي جاءت فيها نصوص كثيرة جدًا في الثناء على أصحابها أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» "ومعنى اجتمعا عليه أي في الدنيا وتفرقا عليه أي بموت أحدهما أو موتهما معًا" (أخرجه البخاري ومسلم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في جلالي» (أخرجه مالك).

وقال رسول الله إن الله يقول يوم القيامة: «أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» (أخرجه مسلم).

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلًا زار أخًا له في قرية فأرسل الله على طريقه ملكًا فقال له: أين تريد؟ قال أريد أخًا لي في الله أزوره، فقال له الملك: فهل لك عليه من نعمة تربها له -أي تردها-؟ فقال: لا إلا إني أحبه في الله فأوحى الله إلى الملك أن يقول له: أحبك الله» (أخرجه مسلم).

وغير ذلك كثير...

وهذه المحبة لها مقتضيات وحقوق يجب أن تراعى.

"فاللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يُقرِّبنا إلى حبك".

هذا الدعاء الطيب المبارك من مِنَّا لا يتمنى أن يكون واقعًا يعيشه في حياته اليومية ولكن الأمر كما قيل:

وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

فمجرَّد التمني لا يحقق الأحلام.. بل لا بد من العمل الجاد لتحصيل الأمنيات، وكذا كل من ادَّعى أمرًا طولب بالبرهان، ولذا جاءت آية الامتحان لما ادَّعى أقوام محبة الله قال لهم جل في علاه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آلِ عمران:31]، ولذا سمَّى كثير من السلف هذه الآية بآية الامتحان..

لذا كان لِزامًا أن نُبيِّن من خلال هذه الكلمة مستلزمات المحبة في الله، وهي مسألة أظن أنها لازمة لهذه الدعوى، قد أكون وُفِّقتُ في اعتمادها.. وقد أغفل بعض المسائل الأخرى، ويرى غيري أنها من مستلزمات المحبة في الله فالأمر لا يعدو أن يكون اجتهادًا..

والآن إلى بيان هذه النقاط فأقول مستعينًا بالله:

أولًا: أن تُسرَّ لسروره، وتحزن لحزنه، وتُقرِّب من قَرَّب وتُبعِد من أبعد.

أخوك الذي إن سرَّك الأمر سرَّه *** وإن غبت يوما ظل وهو حزين
يُقرِّبُ من قرَّبت من ذي مودة *** ويُقصي الذي أقصيته ويُهين

ثانيًا: المواساة بالمال.

جاء رجل لأبي هريرة رضي الله عنه فقال: "إني أريد أن أُصافيك وتُصافيني فقال له أبو هريرة رضي الله عنه أو غير ذلك؟ فقال الرجل: بل ذلك.  قال أبو هريرة: فهل يكون الدرهم والدينار في جيبك كما يكون في جيبي؟ فقال الرجل: لا. قال أبو هريرة: فلم تَصدُقني المحبة".

ثالثًا: تقلل العتاب وتغفر الزلات وتعفو عن العثرات.

فمن مِنَّا الذي لا يزل، فمن جميل ما قرأت..

من ذا الذي ما ساء قط *** أو من له الحسنى فقط

وأحسن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء» (أخرجه الترمذي: [2499]، وابن ماجة: [4251]).

إذا كُنتَ في كُلِّ الأمورِ مُعاتِبًا *** صَديقُكَ لَمْ تَلقَ الذى لا تُعاتِبُه

رابعًا: تنصح له: فمن مِنَّا لا يتمنى أن تكون له مرآة تُحدِّثه بجميع أخطائه.

وما أكثر أخطائنا فيتدارك نفسه قبل أن تستمر في غيها..

فأخوك الذي تحبه يتمنى أن تكون له مرآة تعكس حقيقته، وفي الوقت نفسه لا تفضحه.. بل ترى وتنصح، ولا يدري أحد ما رأيت، وإن ناصحته فاعتمد الإسرار له بالنصيحة، وإياك ثم إياك الفضيحة، فهي مع إساءتها له فمعها أيضًا شيء من حظوظ نفسك حيث أظهرت أمام الناس نصحك..

ورحم الله الشافعي وما أجمل ما قال:
تعمدني بنصحك في انفرادي *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيتَ قولي *** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

 

المصدر: موقع المنهج

عثمان بن محمد الخميس

خريج جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم